بقلم: سارة سكر
اتربيت من طفولتي في بيتنا على الإيمان بوجود الله طبعًا. كان واحد من المُسلَّمات اللي عُمري ما فكرت في إمكانية أنها ممكن تطلع كذبة! ولما ابتدت الأفكار الإلحادية في السنين الأخيرة توصل لمجتمعاتنا، وألاقيها بتتناقش حوليا عادي؛ ابتديت بصراحة أفكر فيها، وأقلِّبها يمين وشمال، وأناقشها بالعقل والمنطق. لحد ما وصلت لقناعة أنها كذبة شريرة. مش بس بسبب الردود المنطقية والعلمية على الأفكار غير المنطقية، لكن كمان لأن قلبي وعقلي وكياني كله ارتاح لحقيقة وجود كبير للكون ده!
أفتكر مرة زمان حد كبير في السن من عيلتنا توفى. وساعتها واحدة من العيلة قالت وهي بتعيط بحرقة: “كل الكبار بيمشوا”! وقتها كنت أنا صغيرة، وهي بالنسبة لي حد كبير. ولما سمعت وجعها ده، فهمت ساعتها أن كلنا -مهما كبرنا- بنحتاج لكبير! الصغيرين والكبار بيحتاجوا لكبير. ده حتى المثل بيقول: “اللي مالوش كبير، يشتري له كبير”.
دلوقتي أنا أكبر ممَّا كنت وقتها، وفهمت الحقيقة دي أكثر: إن كل ما بنكبر، كل ما احتياجنا للكبير بيبقى أكبر؛ لأن الكبار كُباراتهم بيقلُّوا. الصغيرين عندهم كبار كثير: فيه بابا وماما، وجدو وتيتا، وطنط وعمو، إلخ.. لكن الكبار كبراتهم قليلين! ومع الوقت الصغيرين بيكبروا، وبيبقى متوقع منهم أنهم يبقوا هُم الكبار. ويبصوا حواليهم مايلقوش لنفسهم كبار! علشان كده هانفضل محتاجين لله كبيرنا، وكبير كبارتنا، وكبير الكون كله، واللي قدامه بنحس بصغرنا وضآلتنا. وأنا بأحب أفكر في ربنا أنه الكبير. أكبر كبير، وأقدر قدير، وأعظم عظيم! وكل يوم بأشوف بوضوح أن الله كبير ويده كبيرة، وشايلني بيها وشايل فيها كل حاجة تخصني. وقدرت على مر سنين أرتاح في الفكرة دي: أنه شايلني وشايل شيلتي.
واحنا صغيرين بيبقى سهل علينا نعترف بالخوف أكثر من لمَّا بنكبر! سهل طفل صغير يقول أنا خايف. خايف من الضلمة، خايف من العفريت، خايف من الصوت العالي! عادي ومقبول. بس نكبر، بيبقى الاعتراف بالخوف أصعب، رغم أننا مش بنبطّل نخاف!
المشكلة بقى أني كبرت، لكن إحساس أني لسه صغيرة وبخاف مارحش! لسه فيه حاجات بتخوّف وحاجات كثيرة بتحيَّر وبتقلق وبتوتر وبتعوّلني الهمّ!
اللي بيساعدني بجد قدام الحاجات دي إيماني أن الله كبير. أكبر مني و من اللي بيخوفني. الله أكبر من كل مخاوفي ومن أصعب كوابيسي؛ إذا متقدرة من الناس أو مستهونين بيها، وسواء كانت مخاوف منطقية أو مش منطقية، مبررة أو مش مبررة. عارفين الكبار لما يستهونوا أو يتريقوا بالحاجات العبيطة اللي بتخوف الصغيرين! الله الكبير مابيعملش كده معايا. دايمًا بأتخيل أن الحاجات اللي بتخوف جايه تخبط على باب قلبي، وأنا من الرعب مش قادرة أفتح! بس أفكر أن ربنا معايا، فأتخيل كأني بأتحامى فيه وأستخبى وراه، وأسيبه هو اللي يفتح لها. وأنا بأفكر في الله الكبير الأكبر من كل الأهوال، اللي بأحس قدامها أني قزم قدام عملاق جبار! الله أكبر من الخوف، من المرض، ومن الوحدة، ومن الموت.
والضلمة؟ آه من الخوف من الضلمة!
كبرت وعرفت أن الضلمة مش بس بالليل، أو لما النور يقطع فجأة. كبرت وتأكدت أن الواحد ممكن يحس بضلمة في وسط النهار وفي عز الشمس!
لما أفكر في المستقبل، في المجهول، في اللي ممكن يحصل، واللي ممكن مايحصلش، في القرارات اللي لازم آخذها والمحتاجة شجاعة علشان أتحمل توابعها؛ بأحس كأني داخلة على نفق طويل ضلمة. ويا عالم ايه اللي هايحصل لي جواه! .. لكن أرجع وأفكر في الله الكبير أنه يقدر ينور لي نور، ويقدر كمان يحسسني بوجوده حتى لو النور فضل مش موجود؛ لأنه هو النور.
والمسئوليات والالتزامات والأحلام والطموحات بتاع عالم الكبار!
كتير بأحس أني صغيرة قوي قُدامها، وأنها ثقيلة قوي على كتفي! تخيل لو شنطة سفر كبيرة وثقيلة قوي، وبتطلب من طفل صغير يشيلها. حرام، مش كده!! تعجيز، صح؟! .. أحيانًا بأحس نفس الإحساس ده قدام الالتزامات والمسئوليات دي! حتى لو شاطرة وجدعة وعارفة أتحمل مسئولياتي وألتزم بالالتزمات اللي عليَّ؛ أعمل ايه قُدام الأحلام والطموحات والأماني كمان؟! لأن قُدامها بيبان عجزي الحقيقي وضعفي وتقصيري وقلة حيلتي! بس بأرجع أفكر في الله كبيري، اللي أكبر من المسئوليات الثقيلة اللي على كتفي، وأكبر من إمكانياتي القليلة قُدامها، وأكبر من أحلامي وطموحاتي وأمنياتي!
بحاول أفتكر وأفكر نفسي، قُدام كل حاجة كبيرة وثقيلة وصعبة بأقابلها لوحدي أن الله أكبر. وأن الله مش بس أكبر كبير، لكنه كمان كبيري أنا، كبيري بشكل شخصي.
افتكرْ قُدام كل شنطة ثقيلة مطلوب منك تشيلها، وبتئنّ وأنت بتعافر وبتحاول؛ أن الله أكبر من إمكانياتك وكل اللي تقدر عليه، وأنه أكبر من مسئولياتك والتزاماتك وكل المطلوب منك. ولما الدنيا تضيق عليك، افتكرْ أنه أكبر من الدنيا اللي ضاقت عليك دي!
المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.