الانسجام مع الله

1158

بقلم: رفيق رائف

 

العنوان بيخضّ صح؟

يمكن علشان تعودنا نشوف الله في قالب مصمت من القواعد واللوازم؛ أو يمكن علشان خلقنا صورة لله وهو علطول قاسي وغضبان ومتضايق مننا طول الوقت. فبالتالي صارت علاقتنا مع الله بيطغى عليها الخوف والرعب، أكثر مما فيها من حب وقرب وعلاقة صادقة بيه. بقينا حتى بنلبس وُشُوش و”ماسكات” قُدامه واحنا بنصلي، ونقول الكلام اللي حافظينه وبس علشان منوجعش دماغنا. وبالتالي منكونش على طبيعتنا معاه.

الإنسان من ساعة ماتخلق، وهو جوَّاه احتياج عميق لوجود كيان أعلى وأكبر وأقوى منه، يكون أكثر حكمة وأكثر معرفة منه، ويكون كامل في كل شيء. بالتالي، يعرف يلجأ له ويتحامى فيه وقت الخطر، ويعرف كمان يلاقي عنده إجابات لأسئلته الوجودية عن معنى الحياة وعن ازاى يعيشها.

الخديعة الكبرى

لكن في اعتقادي أن الإنسان كان دايمًا عرضة للخديعة الكبرى؛ وهي أنه يصنع شكل إله مزيف، يعنى إله هو اللي عامل صورته وشكله، وهو اللي راسم شخصيته وصفاته. علشان يعرف يحطه في قالب معين؛ وبالتالي يعرف يتعامل معاه ويلاقي عنده تلبية احتياجاته بالطريقة اللي هو عايزها. يمكن كان الإنسان زمان  بيصنع آلهة من الحجارة أو الطين، لكني بشوف أن حتى دلوقتي الإنسان أوقات كثيرة بيخلق صورة عن الله، بتكون أقرب للأصنام منها للإله الحقيقي. الصنم بيكون مصمت ومش بيتفاعل معاه في واقعه، ومش مهتم بيه وبيرضى بشوية الطقوس اللي بيعملها وخلاص، وكذلك الصورة اللي في دماغه. بينما الله يتميز بأنه كيان حي موجود وبيتفاعل معانا في حياتنا ومهتم بينا فعلًا مش بعيد عننا.

رُوحانية حقيقية ورُوحانية مزيفة

يمكن دا هو اللي بيفرق الرُّوحانية الحقيقة عن الرُّوحانية المزيفة .. أيوه بالظبط، مش كل أشكال الروحانية حقيقية؛ أوقات كثيرة بتكون مزيفة. زي الفرق بين الذهب الأصلي والمزيف، يمكن يكون ليهم نفس الشكل من برَّا، لكن معدنهم بيبان مع الوقت، أو تحت الاختبار. الروحانية المزيفة عادة الإنسان بيستخبى وراها علشان هي بترضي أغراضه واحتياجاته من غير تعب، بتخليه ميتغيرش تغيير حقيقي من  جوَّاه لكن يكتفي بالحاجات اللي بيعملها من برَّا.

الروحانية الحقيقة هي اللي بتقرب الإنسان من نفسه أكثر، بتخليه يتصالح معاها أكثر، يحتضنها وهي مش كاملة ومعيوبة ومقصرة، ويساعدها أنها تتغير علشان بيحبها مش علشان بيكرهها. بينما الروحانية المزيفة بتخليه يدين نفسه على طول ، غضبان منها طول الوقت وبيطالبها تكون كاملة علشان يرضى عليها.

“- ما دينك يا زوربا؟
= الدين هو كل ما يقربني من ذاتي .. من الحقيقة” (أحمد مجدى، رواه زوربا)

الروحانية الحقيقية بتساعد الإنسان يقبل ضعفه ومحدوديته، مش بتطالبه أنه يكون كامل أو شاطر على طول، بتساعده يكون إنسان، لا أكثر ولا أقل. إنسان أوقات بيغلط، ويراجع نفسه ويغيّر منها. إنسان أوقات بيتلخبط في صوت الله، وأوقات حتى بيتوه عنه، وأوقات ثانية بيقرب منه.

وزي ما الروحانية الحقيقية بتصالح الإنسان على نفسه أكثر، فهي بتصالحه على اللي حواليه كمان.  بتشجعه أكثر أنه يشوف بعين الله اللي خلقهم، أنه يكون في سلام معاهم ومع المخلوقات والحيوانات والطبيعة من حواليه. الروحانية الحقيقية بتخلي الإنسان مشغول بسؤال: “كيف أساعد الناس اللي حواليا؟”، بينما المزيفة بتخليه مشغول بسؤال: “كيف أدين وأعاقب الناس اللي حواليا؟”.

الروحانية الحقيقية بتوسع روح الإنسان، بتخلي عينه تشوف المختلف عنه ويقبله مش يقيمه. الروحانية الحقيقية بتساعد الإنسان يشوف حياته كرحلة، أكثر منها امتحان أو ابتلاء. في الرحلة الإنسان بيمشي شوية، ويقعد شوية، ويتوه شوية، ويرتاح شوية، ويقع أوقات شوية، ويتكعبل شوية، ويراجع الخريطة بتاعته شوية، ويتساءل ويحتار شوية. إنما في الامتحان فهو دايمًا متوتر أنه لازم تكون عنده الإجابة الصح؛ يا إما هيكون فاشل روحيًا، لازم ينجز ويحل ويخلص أكبر قدر ممكن من الطقوس علشان ياخد درجات أعلى ويضمن نتيجة الامتحان.

أكثر من مجرد كتالوج

الروحانية المزيفة عادة بتدفع الإنسان أنه يدوّر على كتالوج؛ “أعمل ايه في الموقف دا؟”، “ايه الصح وايه الغلط؟” ، “أمشي ورا مين؟”.

أكيد مش بقول إن وجود الكتالوج أو القواعد غلط، لكن بشوف أن الروحانية الحقيقة بتدفع الإنسان أنه ميقفش عند سؤال: “ماذا يجب أن أفعل؟”. لكن ينضج ويسأل سؤال أكثر عمقًا: “مَن يجب أن أكون؟” . لأني ممكن أكون بعمل حاجات تبان من برَّا كويسة وتمام ماشية مع القواعد، لكن من الداخل هي مليانة خبث ورياء، زي الفرق بين الذهب الفالصو والحقيقي. الروحانية الحقيقية بتدفع الإنسان أنه يتغير من جواه، بينما المزيفة بتركز بس على التغيير الخارجي. 

الروحانية الحقيقية بتخلي الإنسان أكثر خفة وأكثر مرونة في التعامل مع الحياة، مع أزماتها وتحدياتها. وبتخليه أكثر خفة برضه في أنه يلاقي رحلته الخاصة مع الله، زي الدرويش اللي بيرقص وهو ذائب في حضور الله وشاعر بيه ومتواصل معاه ومع نفسه.

” – كيف أرقص مع الله يا زوربا؟

= هو معك، كلمه بما تريد. 

احكِ له ما يحزنك،

اضحك معه، ألق عليه آخر النكات.

ضع يدك على كتفيه،

لا تخجل، فهو صديق متواضع”. (أحمد مجدى، رواه زوربا)

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.

 

المقالة السابقةقصتي مع الذنب
المقالة القادمةزاوية كاميرا

3 تعليقات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا