قصتي مع الحب

1586

قصتي مع الحب

بقلم: آن سامي

كنتُ أحب الحب،
دائمًا ما كنت أبحث عن الونس منذ طفولتي،
قلما نجحت علاقاتي، على الأغلب معظمها لم يكن بالعمق الذي كانت ترجوه نفسي!
كنتُ كالتائهة وسط طرقات عالم بارد المشاعر، أبحث عن رفقة تشبع جوعي للحب.
لا زلت أحتفظ بكم لا بأس به من خطابات الصلوات والتضرعات إلى الله،
أشكوه وحدتي واحتياجي الشديد لمن يرى بي شخصًا جديرًا بالحب.

ومع مرور الأيام توالت الاستجابات،
التقيت بالصحبة الدافئة في
أصدقاء أوفياء،
زوج محب داعم،
تلقيت كلمات المدح والثناء وكلَّ ما لذَّ وطاب من التشجيع المفعم بالحب…

ولكن…
حدث ما لم يكن في الحسبان،
بعد كل ذلك الجوع، جلست على وليمتي الشهية وإذ بي اكتشف أني فاقدة لحاستي الشم والتذوق!!
صرخة مدوية بداخلي تقول “مش مصدقاكم”
يليها تساقط الدمع الساخن على وجهي ولسان حالي “بس نفسي أصدقكوا”!
لازلت جائعة للحب!
لم تكن تخترقني من الداخل تلك الكلمات التي اشتاق لسماعها بشدة!

نظرت حالي وتساءلت كيف لمثل هؤلاء أن يرونني بهذا الجمال؟
أين هو الجمال؟
لم أرَ سوى قبحي…
خزي الماضي وضعف الحاضر…

أتذكر ليالي جلوسي وحيدة في بئر اليأس من نفسي،
التصقت إساءات وخبرات فشل الماضي بجسدي حتى صرت متيقنة أنها أنا!
لا يوجد حب يمكن أن يروي أرضي المشققة…
مهما كثرت كلمات الحب والمحبين من حولي فلن تستطيع أن تمحو حقيقة جوهري القبيح!
أنا غير جديرة بذلك الحب!

وهناك بعيدًا عن الأضواء.. في قمة يأسي في تلك الأعماق الخانقة بدأ حدوث المعجزة!
بدأت باقتراب من لم يهابوا وحشة اليأس، من لم تعَف نفوسهم من عفونة البئر.
نزلوا فقط ليبقوا بجواري..
أريتهم داخلي الملوث، إخفاقاتي… عيوبي وضعفاتي، ولم أكن أعلم إلى أين ستؤول بي تلك الاعترافات ولكن قد طفح الكيل، لم أعد احتمل أن احتفظ بكل ذلك داخلي!
وهنا كانت المفاجأة!
احتووني بحب لم أره من قبل!
بكوا لبكائي وتألموا ليأسي.
لم ينفروا من حقيقتي بل كانت الصدمة حينما أدركت من خلالهم جانب آخر من الحقيقة!

منهم من أمسك بذراعي الملوث وفركه فظهر لوني الحقيقي!!
حينها لم أصدق ما رأته عيني!!
كل تلك السنين وأنا أظن أن لوني هو لون الشحم الأسود.
لون كل إساءة وجهت إلىّ منذ حداثتي.
لون كل كلمة سلبية لُقِّبْت بها يومًا.
وكل كلمة إيجابية لم يُنْطِق بها فانحفر بداخلي عكسها.
كل هذا لم يكن أنا!

ومنهم من مس برفق بجروحي العفنة، طهرها وضمدها بكل حب.
بكل تأنٍّ وصبر..
لم يفقدوا الأمل بي حينما فقدت أنا الأمل بنفسي!
حينها تذوقت ولأول مرة معنى “النعمة”
عَرَّفَها أحدهم قديما بأنها “حاجة ببلاش لواحد ما يستحقهاش”

خرجت من بئري وبدأت رحلتي،
رحلتي في اكتشاف ذاتي الحقيقية الأصيلة المخلوقة على أحسن تقويم..

لم تتركني أشباح الماضي بل كثيرًا ما كانت تلاحقني،
يعلو صوتها حد الضجيج: “فاشلة” … “غبية” … “قليلة” …
لا تتركني إلا وأنا منهكة خائرة القوى.
عدت لبئر اليأس مرة واثنتين في انتكاساتي، ولكن…
شكرًا وحمدًا لله الذي لم يتركني فريسة ليأسي…
الإله المنان المنعم الكريم،
كثيرًا ما أشرق باستنارات في ظلمتي،
لم يكل أو يمل من أن يرسل لي خصيصًا “رسائل الحب”…
من خلال صديقة… كتاب… تعليق عابر من شخص غريب!

أما عن رفقاء الرحلة من البشر، فقلبي ينبض بجزيل الامتنان لهم
“لحم كتافي من خيرهم”،
بصبرهم ومحبتهم التي بلا شروط أو مقابل،
بقلوبهم المفتوحة للإصغاء لآلامي،
ودعمهم بكشف جمالي الحقيقي،
استطعت هزيمة أشباحي!

العجيب أنه خلال تلك الرحلة الشاقة تفتحت مسامي للحب!
عندما انحزت للحياة، انحازت إلىّ!!
وكأني بدأت في تذوق الدنيا من جديد…
أصبح لإرسال واستقبال الحب وقع مختلف عليّ…

ازداد تقديري لأفعال في ظاهرها بسيط لكنها ذات تأثير سحري كالاحتواء، المواجدة، الحضن، الإصغاء، وأغلاهم على قلبي أفعال “النعمة”.

اختلف مفهومي للمعجزة، فالاستنارات في أحلك الليالي من أجمل المعجزات التي كانت قد حدثت لي يومًا!

اختلف ذوقي في الحب!!
فعل الحب المفضل عندي أجده في:
من يصغي لأنيني؛
من يشعر بي؛
من اكشف له أقذر ما فيّ دون لوم أو نظرات احتقار؛
من يكشف لي جمالي الذي لا أراه؛
من يعينني في التعامل مع ضعفاتي التي لا تحتمل؛
من لا يفقد الأمل بي.

ازداد إدراكي للثمن المبذول في الحب.
أن أعبر للآخر خارج أسوار أنانيتي
أن أصغي لأوجاعه التي قد لا تؤلمني إن اجتزت فيها ولكني أتألم لألمه لأنها تؤلمه هو!
أن أحتمل … أن أدعم … بكل ما يمكنني أن أقدمه بمحدوديتي..
ألا احكم … ألا أدين … ألا أنفر … فلكل منَّا ضعفاته وسقطاته … لا يوجد من هو معصوم من الخطأ..

لا زلت أحب الحب؛
أحب من يحبونه، من اختبروا تأثيره اللطيف على حياتهم فخرجوا ينشرونه بين عالم جائع متألم يحتاج بشده إليه..
وأحب ذاك الإله الذي يمن علينا كل صباح بحبه ورحمته وإحسانه،
يملأ خزانات الحب في قلوبنا بحب صافِ نقي بلا حدود، فلا تخور قوانا حين تقسو علينا الدنيا بل نتشدد به ونستعين.

المقالة السابقة….فأنت في الحب
المقالة القادمةعلامات حمراء لا تتجاوزيها
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا