إنها لحظة من أصعب اللحظات، تلك التي أختلف فيها مع أحدهم وأنا على يقين بخطئي، ويمنعني كبريائي عن الاعتذار.
أقرر الهروب قائلةَ: ســــــــلام.
ولا يتردد الطرف الآخر في قول نفس الكلمة: ســـــــلام.
ينتهي بيننا الحوار وأشفق على حالي لعدم اهتمام الطرف الآخر بأنه ربما يكون اللقاء الأخير، أو المكالمة الأخيرة.
لماذا لم يسامحني، ويسهّل عليّ الأمر؟
لا أدري.. أقرر الابتعاد حفاظًا على كرامتي، وأنتظر المجهول.
لا يتصل. أتراجع. أعتذر. فلا يقبل الاعتذار.
لماذا؟ لأني تأخرت.
تنتهي العلاقة التي كنت أظنها استثنائية جدًا.
أحبط وأخاف وتنعدم الثقة، وربما أكرر الخطأ من باب العند لا أكثر.
لماذا لم يسامحني؟ أظل أكرر السؤال.. لماذا أكرره؟
لأن الألم لا يُحتمل.. فالإنسان السوي عندما يخطئ ويدرك خطأه فإنه يتألم، والعتاب واللوم يُزيدان هذا الألم تفاقُمًا، والشيء الوحيد الذي يقلل ذلك الألم هو العفو والغفران.
فأكثر الأخطاء التي تؤلمنا حقًا هي تلك الأخطاء التي لا يسامحنا عليها الآخرون.
تلك الأخطاء التي تظل عالقة في الحلق نعاني خلالها بألم مفرط في جل مشاعرنا، ونقف عند أعتاب الأبواب لا نجرؤ على المرور دونها، فنظل ها هنا معلقين نحتضر ببطء.
ورب ذنب كبير مع عفو أصبح بداية لطريق الهداية، وذنب صغير مع إنكار واستبعاد يصبح أول طريق الهاوية.
فإن كان الله يغفر لنا ذنوبنا بهذه البساطة وهو الله عز وجل، فلمَ لا نسامح بعضنا بعضًا بنفس هذه البساطة؟!
قال رجل بعد أن سامحته زوجته على خيانته: عدت إليها أخشى النظر في عين امرأة سواها، عدت إليها مشتاقًا كطفل أبعدوه عن أمه، ولولا قلبها الكبير لازددت قسوة وتجهّما ومارست الرذيلة أبدًا.
ها أنا أقول قولي هذا وأستنكر فعل الورى، وأنسى أني قد أوصدت الباب في وجه كثير من الناس، أحاول حتى أن أتذكر أخطاءهم فلا أستطيع، قد طواها الزمن، ولكن ظل ذلك الأثر بأنهم من المستبعدين.
أُناس انطفأت أنوارهم في قلبي، ولا أذكر السبب، فقط لأني يومًا ما لم أسامحهم على أخطائهم.
ليتني أستطيع أن أسامح كل من أخطؤوا بحقي.. ربما سيكون ذلك شغلي الشاغل في الفترة القادمة.
وليت كل من أخطأت بحقهم يسامحوني.