“ولازم البوفتيك..عشان محدش يقول حاجة”.
الجملة المشهورة التي قالها عبد المنعم مدبولي لكريمة مختار في فيلم الحفيد بعد ما طلبت منه بط وحمام، طلبت بوفتيك
ولما سألها “ليه البفتيك؟” كان الرد “عشان محدش يقول حاجة”.
كلام الناس.. وأغلبنا يخاف كلام الناس، خصوصًا في مجتمعنا الشرقي. في حياتي رأيت كيف أثّر الخوف من كلام الناس في حياة الكثيرين.
أتذكر منهم إحدى صديقاتي الجميلات كانت مخطوبة لشاب، وخلال فترة الخطوبة اكتشفت الكثير من العيوب التي يستحيل معها الحياة، وباستشارة العديد من الأصدقاء نصحها الكثيرون بأن تفسخ الخطبة، وعندما طلبت ذلك من أسرتها ثارت أمها وقالت “ماذا سيقول عنا الناس بعد ما دخل وطلع في بيتنا كل هذه الفترة؟” وأقنعتها أن سمعتها ستسوء وسوف يقولون عنها ما لا يليق، ولن يُقبل أحد على التقدم لخطبتها مرة أخرى، رضخت الفتاة لكلام والدتها وتزوجت وفشلت في زواجها، وعندما طلبت الطلاق لاستحالة العيش كانت نفس الأقوال، “ماذ سيقول الناس؟ سوف يقولون عنك مطلقة ولن يرحموكِ” وهي الآن تعيش ممررة في بيت الزوجية بسبب كلام الناس، ولا يشعر الناس بما تتذوقه يوميًا من ألم وتعب.
لا أنسى إحدى العائلات في مدينتي الصغيرة من سنوات أصرت على العريس أن يشتري شبكة بمبلغ كبير جدًا، لأن بنت خالة العروس اشترت شبكة بمبلغ كبير قائلين “الناس تاكل وشنا لو جبنا للبنت أقل من بنت خالتها”، مما جعل الشاب المسكين يبيع ما يملك من أراضٍ زراعية وأملاك بأرخص الأسعار حتى يستطيع شراء هذه الشبكة المُبالغ فيها التي تليق بهذه الأسرة ويفوز بفتاته التي أحبها من كل قلبه.
وعلى الجانب الآخر رأيت آخرين تحدّوا هذا الأمر، ولم يخافوا من كلام الناس لأنهم ينفذون ما يؤمنون به.
إحدى صديقاتي المثقفات أحبت شابًا ناجحًا جدًا في حياته العملية، ولكنه كان يحمل مؤهلاً أقل منها، ورفض أهلها بشدة الشاب بحجة كيف وأنت فتاة تحملين مؤهلاً عاليًا تتزوجين من شخص يحمل مؤهل متوسط؟ ماذا سيقول عنا الناس؟ وبعد الكثير من المحاولات والمشاحنات ومحاولة الكثيرون إثناءها عن هذا الزواج. أصرت الفتاة وتزوجت الشاب الذي أحبها والآن يعيشان في سلام يستمتعمان بحياتهما، وكلما رأيتهما أشعر بكم السعادة والتفاهم بينهما.
أؤمن أن حياة كل شخص وظروفه مختلفة عن الآخر. ما يصلح لي قد لا يصلح لغيري، وكل شخص يستطيع أن يحدد ويقرر ما يسعده وما يشقيه، وعلينا أن نفكر جيدًا ماذا نريد وليس ماذا سيقول الناس.
لنشتري ما نحب وما يسدد احتياجنا ويريحنا، ما هو في حدود إمكانياتنا ودخلنا وليس ما يرهقنا ماديًا ويجعلنا مديونين لكي يعجب الناس.
من يسعى لإرضاء الناس لن يجني إلا المتاعب، كما فعل جحا في قصته الشهيرة مع حماره، فلم يسلم في كل الأحوال من كلام الناس ونقدهم وتجريحهم. لنجعل مقياس تفكيرنا هو قناعتنا.
لذلك لنفعل ما نرضى عنه، ما نؤمن به، ولا نحمّل أنفسنا أكثر من اللازم حتى نحظى ببعض المديح الزائف.
يمكننا أن نكتفي بالبط والحمام ولا داعي للبوفتيك، وليقل الناس ما يقولون، فكل شخص له رؤيته الخاصة.