لقاء
تم نشرة في 04/12/2017
وقت القراءة : 2 دقيقة
مرحبًا يا أصدقاء، عودة بعد غياب، هل ما زلتم تذكروني؟
سأتظاهر أنكم تفعلون، وأكمل حديثي، اليوم في هذه المساحة، لن تجدوا مقالاً مني كالمعتاد، هذه المرة أحمل لكم حكاية، فهيا تجمّعوا حولي وأنصتوا لحكاية “الأب الصغير وبنت قلبه”.
كان ياما كان، في زمنٍ ليس ببعيد، كان هناك فتاة في مقتبل العمر، تخطو أولى خطواتها الحقيقة في الحياة، وبعد أن نجت من مذبحة الثانوية العامة، فاختيار كلية مميزة، ثم الانتهاء من العام الدراسي الأول سريعًا، غادرتها عائلتها لبلدٍ آخر. الفتاة الآن وحيدة، غريبة ومغتربة، وتنوء تحت حمل مسؤولية ثقيلة، فلم تجد إلا الفضاء السيبيري طريقًا للهروب من كل ذلك. تعرفت على شتى أشكال البشر، صنعت الكثير من الأصدقاء والصديقات، ثم وجدته، رجلاً يكبرها بثلاثة عشر عامًا. من بداية التعارف، وجدته مختلفًا، قريبًا، يشبهها، وعرفت على الفور أنه سيحتل مكانًا في حياتها. الخيارات تقول إنه سيغدو صديقًا فحبيبًا أو صديقًا فأخًا أكبر، أما ما حدث حقيقةً أنه غدا صديقًا فأبًا.
“الأب الصغير” ضم الفتاة لعائلته الصغيرة، فأصبحت ترى فيهم الحياة بأكملها. شيئًا فشيئًا أصبح السند والدعم، وصارت هي “بنت قلبه”. على يديه أحبت القراءة أكثر، عادت للكتابة بعد سنين انقطاع، سمعت حكاياتٍ كُثر لم تكن تعتقد أنها تحدث في الحياة. معه تفتح وعيها، واتسعت مداركها، وأصبحت الحياة محتملة بعد أن كانت لا تُطاق. ولأن النهايات السعيدة محض خيال، اختلف “الأب الصغير” و”بنت قلبه” على شخصٍ ما، الأمر بدأ بشقٍ صغير في علاقتهما، ثم اتسع مع الأيام ليصير أخدودًا، واحتاجت لأن تهرب مرة أخرى.
اقرئي أيضًا: بابا حبيبي: رسالة إلى بابا حبيبي من أعماق قلبي
في طريق الهروب، وجدت هذه المرة فارس الأحلام، كل شيءٍ فيه كما ترغب وتتمنى، مذهل، ساحر ومميز، فكيف تصمد تلك الصغيرة أمام طوفان السحر هذا، لذا سريعًا ما هامت “بنت قلبه” في الحب، وشعرت أنها تمتلك حظ العالم أجمع حينما بادلها “الفارس” هذا الحب. ولأنها أرادت دومًا أن تبني جسرًا يصلها بـ”الأب الصغير” أخبرت فارسها عنه، علّه يساعدها في ذلك. كانت واهمة بالطبع، فكيف للفارس أن يرى “الأب الصغير” بعينيها، رآه غريبًا يجب أن يُطرد، والأخدود بينهما لم يكن يكفيه، أراده مقبرة يُدفن فيها كأن لم يكن في حياتها أصلاً.
بالترغيب تارة، والحديث عن اللا وعي الذي صوّر الغريب لها أبًا، كان يُحدِّثها “الفارس”، وبالترهيب تارة أخرى يخيرها بين الحب والأب، وأخيرًا بالغضب الذي جعل الفارس يصورها فاسقة تريد رجلاً متزوجًا، مخادعة تخدع نفسها والآخرين بحكاية “الأب الصغير”. ومن هول التهمة الأخيرة، ولكي تنفيها دفنت “بنت قلبه” أباها وعائلته وكل ما يمت لهم بصلة، وفي أعمق نقطة في داخلها دفنت كل ما تعرفه عن نفسها كـ”بنت قلبه”، فاطمئن الفارس وهي لم تطمئن بعد ذلك أبدًا.
اقرئي أيضًا: أنا لا أحب أبي، لماذا؟ وماذا أفعل؟
المقبرة اتسعت لتشمل آخرين، والوحدة في داخلها اتسعت ولم تشمل سواها، مع “الفارس” لم تجد أمنًا ولا ونسًا، فقط وجدت غضبًا وخوفًا. مع كل ارتعادة خوفٍ كانت تتمنى لو كان “الأب الصغير” موجودًا، تتمنى ذلك في داخلها دون أن تجرؤ على التصريح لنفسها، حتى لا تعاودها اتهامات الفسق مرةً أخرى.
كل القرابين التي قدمتها لأجل “الفارس” لم تشفع لاكتمال قصة حبها نحو النهاية السعيدة، تركها خلفه ومضى قُدمًا في حياته. سؤال لم تستطع نسيانه قط، سألته عند الوداع “لماذا لم تترك الأب الصغير في حياتي؟ كم أحتاجه في لحظةٍ كهذه؟ّ”، وظل السؤال معلقًا دون إجابة. عندما ذبحها الفراق كانت “بنت قلبه” تحتاج أباها، وعندما مزقتها الوحدة أرادت ونسه، وعندما أعجزها الحزن احتاجت سنده، لكنها لم تسع لأيٍ منهم. أرادت أن تخوض كل ذلك وحدها، أن تنهض بقوتها، أن تكون شفاءها قبل أن تمد أي جسورٍ تجاه أحد.
ولأن النهايات السعيدة أحيانًا تنجح في الإفلات من الخيال، عندما نهضت “بنت قلبه” من مأساتها، أول ما فعلت في حياتها هو وصل الجسر بينها وبين “الأب الصغير”. ولأن الحب الخالص ينتصر دائمًا، امتد الجسر بينهما في دقائق، وكأنه لم ينقطع لخمسِ سنوات. وفي لحظة الوصل، شعرت “بنت قلبه” كأنها كانت قطعة أحجية ضائعة، تتقاذفها الرياح حتى وجدت طريقها للصورة الكاملة، وجدت طريقها للقلب الذي تنتمي إليه، عادت الفتاة “بنت قلبه” مرةً أخرى.