الجراج سيل Garage sale، هو واحد من أدوات الحياة التقليدية في الكثير جدًا من الدول، والمقصود به سوق شخصية غير رسمية، يلجأ لها الناس عندما يقررون الانتقال من بيت لآخر أو من مدينة لأخرى، أو حتى على سبيل التخلص الدوري من “الكراكيب” الزائدة عن حاجتهم في البيوت، وفي ساعات كثيرة من أجل الحصول على مال كافٍ لسداد الفواتير المتأخرة. كل ما يتطلبه الأمر منهم مائدة أو ملاءة بسيطة أمام المنزل، أو في الحديقة، أو في الجراج، ولهذا ينسب إليه الاسم، فهوGarage sale أوYard sale .
كيف بدأت الفكرة؟
كتبت على صفحتي الشخصية على الفيسبوك أني أتمنى لو كانت فكرة الجراج سيل garage sale، من الأفكار المنتشرة في مصر، وأن لديَّ في منزلي الكثير من الأغراض التي أريد أن أتخلص منها ولا أعرف طريقة مناسبة، شجعني أصدقائي على إنشاء جروب على الفيسبوك، وتصوير وعرض أشيائي. مثل أي عروسة مصرية أصيلة، تزوجت بجهاز كامل العدة يشمل أدق التفاصيل التي من الممكن أن أحتاجها ذات يوم، حتى لو كان هذا اليوم بعد سنوات وسنوات. مر على هذه الذكرى أكثر من 5 سنوات وما زال لديَّ عشرات فناجين القهوة والشاي التي لم تستخدم، ولكن هذه ليست بداية الفكرة.
الفكرة بدأت مع خطوات طفلتي الأولى، التي كانت -ولا زالت- تأتي على الأخضر واليابس في طريقها، بهدف الاستكشاف الطفولي الجميل البريء، والذي يدمر معه كل أحلامي في بيت منظم ومجمل كما يقول كتالوج البيوت المصرية، بصالوناتها وأنتيكاتها وبلوراتها. بدأت في رفع كل الأشياء القابلة للكسر، ووضعتها على السفرة، التي أصبح سطحها مردومًا بالأغراض التي أخاف عليها من الخطر، ولكني لم أسلم أيضًا من الحوادث التي بدأت بمحاولات شد المفرش، ولم تنته بتسلق الكراسي ورص الكتب رأسيًا للوقوف عليها واستكشاف الأغراض المختبئة عاليًا والمستعصية على طولها القصير.
كان ما يحركني هو دافعين أساسيين:
الأول: أني أريد أن أتخلص من الزحام القاتل داخل الدولاب وفوقه وتحت السرير وفي كل الأزقة وعلى كل الأسطح، بالذات كمية الأنتيكات المكومة على السفرة والمعرضة للخطر في كل لحظة. وبدلاً من التفكير في زيادة أماكن التخزين، فكرت في التخلص من الأشياء التي تشغل أماكن التخزين المتاحة، وقررت أن الأنسب أن أحترم مساحة شقتي وإمكانياتها، وأعيد تعريف علاقتي بالأشياء وأحدد أهميتها بالنسبة لي، وأقرر أيها له الأهمية الكافية للاحتفاظ به، وأيها آن الأوان لوداعه.
الثاني: أن الواقع يفرض عليَّ الاستغناء عن غرفة المعيشة، وتجهيزها كغرفة أطفال. وهنا قررت التخلي عن الصالون أو الأنتريه، وتحويل البيت كله لـ”غرفة معيشة”، مهيأة لراحتنا واستخدامنا الحقيقي، واحتياجنا النفسي للبراح والهواء والشمس.
التحدي كان تجهيز غرفة أطفال من الصفر، وإعادة تجهيز الشقة كلها لتصبح غرفة معيشة، وليست أنتريه مصري منمق بالكريستال، في ظل أسعار مجنونة وميزانية مضغوطة.
من الفضفضة إلى جروب على الفيسبوك
تحت إلحاح من العديد من الأصدقاء لتفعيل الفكرة، أنشأت الجروب، وبدأنا بإضافة الدوائر المقربة من الأصدقاء، وكان الهدف من الجروب هو تنسيق يوم مشترك لعمل جراج سيل، بدأنا فيه بنشر صور الأشياء الكبيرة وثقيلة الوزن التي سيكون من الصعب أن تتحرك للعرض في مكان آخر، كلما صوَّرت إحدانا أشياءها، شجعت عشرات بعدها. وفي غضون أيام كانت هناك هوجة جماعية من المقربات لفتح كل صناديق الكراكيب والتخلص من كل ما يمكن التخلص منه.
ماذا بعت؟
كل شيء مر عليه عام أو أكثر ولم يدخل لدائرة الاستعمال، ولا بحثت عنه في مخزنه عرضته للبيع.
– ستائر ونجف ومرايات كانت مخزنة منذ 4 سنوات بعد العزال.
– أدوات مطبخ لم تستخدم أو مستخدمة استخدام بسيط (أطقم شاي وقهوة وعدد من أطقم الكاسات المرصوصة في النيش).
– الكثير جدًا من الأنتيكات والتابلوهات والكريستالات، بعضها مستخدم وبعضها كان هدايا ولم أستخرجها حتى من علبها.
– ملابس طفلتي التي لم تعد مناسبة، وعدد من لعبها.
– عدد من الأحذية طفيفة الاستخدام وهي في حالة أكثر من ممتازة.
– بالإضافة إلى عدد من قطع الملابس التي اشتريتها ولم أنزع حتى عنها التيكيت، وهي في الحقيقة زائدة تمامًا عن احتياجي، وتشغل مساحة لا داعي لها من دولابي.
– الأكسسوارات والعطور وأدوات التجميل التي اشتريتها ولم أستخدمها، أو اكتشفت بعد شرائها أنها غير مناسبة لذوقي أو بشرتي.
– أدوات مكتبية وأقلام ودفاتر كان تجميعها هوسًا خالصًا وليس لها استخدام حقيقي في حياتي.
وغيرها الكثير من عشرات التفاصيل التي لم يعد لها وظيفة في حياتي، وهي تشغل حيزًا غير مفيد من مساحات التخزين في شقتي.
كيف؟ وأين؟
لأني لست من ذوات البال الطويل، أو الوقت الكافي لمتابعة العرض والبيع أونلاين أو عبر جروب الفيسبوك، ولأن تجربة البيع أمام البيوت ليست دارجة في محيطنا، بحثنا عن مكان مناسب لعمل معرض يجمع المتحمسات للتخلص من كراكيبهن.. وقد كان.
استأجرنا مساحات للعرض من ساقية الصاوي، وحملنا حقائب الكراكيب بعد فرز كل أركان شققنا، وعرضناها للبيع بأسعار بسيطة، متفقات على أن الأسعار المعقولة هي فقط ما تضمن لنا جميعا الخروج بصفقة رابحة، لأنها فقط هي ما تضمن لنا جميعًا بيع الكراكيب المركونة بلا ثمن، وشراء احتياجات بثمن معقول وفوز حقيقي.
هل كانت التجربة مفيدة؟
نعم.. كانت مفيدة على أكثر من وجه:
– من الناحية المادية، استفدت بثمن الأشياء التي بعتها في تأثيت غرفة الأطفال وتجديد الكثير من التفاصيل في الشقة.
– من الناحية النفسية، بدأت أستمتع ببراح الشقة، ولمعان الأسطح، وتنظيم الخزانات، حتى أني لم أعد أتقبل أن أعيد تخزين أشياء أخرى وأعيد الكَرة من جديد.
– على مستوى السلوك، بدأت في التفكير آلاف المرات قبل شراء أي شيء جديد، وأضغط على نفسي للحصول على إجابة صادقة، إذا كنت أحتاجه فعلاً، أم أريده؟
– على المستوى الاقتصادي، اعتنقت تمامًا فكرة بيع وشراء المستعمل، كأنسب حل في كثير جدًا من الحالات، وأعتقد أنها تصلح لخلق سوق شعبية موازية بمعايير مختلفة، نتفق نحن عليها.
أعتقد أني سأكرر التجربة بشكل دوري. وتتملكني ثقة ويقين، أن جيلنا الذي كان يتهم دائمًا بأنه “يغرق في شبر مية”، لا زال لديه الكثير من الأفكار للخروج من أقفاص الظروف الاقتصادية التي تضيق علينا كل يوم، بل ونزيد على ذلك بالتعرف على أنفسنا أكثر وأكثر، وتحديد احتياجاتنا وتوضيح أولوياتنا كل يوم عن سابقه.