بقلم/ وفاء مرزوق
إنه ليس ألم الأسنان الذي تشعر به فيعطيك إشارة أن عليك التوجه إلى الطبيب، ولا هو آلام المعدة التي تدفعك إلى تناول الأدوية. لكنه ذلك المرض الخبيث الذي يتسلل داخلك وينمو يومًا بعد يوم دون أن تدري، إنه الاكتئاب.
ذلك المرض الذي قد يسلبك حياتك بأكملها، وتلك ليست صيغة مبالغة، لكنها حقيقة. فالاكتئاب قد يدفعك إلى الانتحار، لأنه يُفقدك المعنى للحياة، والرغبة في استكمالها. هو ذلك الشعور الذي ينتابك كل يوم عند الاستيقاظ بعدم الرغبة في النهوض أو فعل أي شيء على الإطلاق. وهو أيضًا تلك الأمنية الداخلية ليلاً بأن تكون تلك آخر ليلة لك في الحياة. هو أمنية أن تُغلق عينيك هنا وتفتحهما في مكان آخر.
الاكتئاب مرض خبيث بالفعل، فهو يصيبك بأعراض جسدية ليس لها تفسير طبي، فالتحاليل الطبية والإشاعات لا يظهر بها أي شيء غير طبيعي. ولكن نفسك هي العليلة والتي تطلب المساعدة من خلال تلك الأعراض. وللأسف ليس لدينا ثقافة الذهاب إلى طبيب نفسي، فنحن نعتقد أن الذهاب لهذا التخصص يكون في حالة الجنون.
دعني أهمس في أذنك: المجانين لا يذهبون إلى الأطباء المرضى يذهبون، ومن الصعب تصنيف مرض على أنه عيب أو أنه ما كان من المفترض الإصابة به، إذا جاز التعبير، فالاكتئاب من أمراض العصر الأكثر انتشارًا، والمنتحرون أعدادهم في ازدياد يوميًا.
وكما أننا ليس لدينا ثقافة الذهاب إلى طبيب في حالة الإصابة بالاكتئاب، فنحن أيضًا -مع الأسف- لا نساعد من يصابون به. فالبعض يظن أن الاكتئاب مُعدٍ، فإذا استمعت إلى أحدهم قد تُصاب أنت أيضًا بالاكتئاب، لهذا يبتعد البعض. والبعض الآخر يوجه بضع نصائح، والبعض يرى الموضوع برُمته على أنه نوع من “الدلع”، والغالبية يقولون: “إنه حال كل الناس والجميع متعايش معه”.
عزيزي.. المكتئبون يتأثرون جدًا بالكلام الموجه لهم، صدقًا.. أنت تستطيع أن تُحيي نفس شخص من جديد، وتستطيع بكلمة أخرى أن تقطع آخر خيط معلق به في الحياة. فإذا لم يكن بيدك المساعدة أو حتى لا ترغب بها، فعلى الأقل لا تُزِد أثقال هذا الشخص المُثقل بما يكفي.
الاكتئاب هو ذلك المرض الذي يُبطئ من دقات قلبك يومًا بعد الآخر إلى أن يتوقف عن النبض تمامًا. فعليك أن تلاحظ هذا وتطلب المساعدة للتغلب على هذا المرض الخبيث.
الاكتئاب ليس للمُرفهين ولا الأطباء للمجانين.
المجانين لا يذهبون إلى الأطباء.. المرضى يذهبون