المسامح كريم

1026

بقلم/ كارين عزت

 

أول ما طلع على الساحة لفظة “تنمر” كتير مننا، وأنا منهم، استبعدت نفسي من القضية؛ أنا معنديش أطفال ومش مُدرِّسة فتقريبًا مليش دور في القصة دي، ونفس الكلام حصل قبله مع التحرش، وكأن جوايا صوت بيقولي متكبريش المواضيع، إنتي شوفتي حاجة؟ ده إنتي حالك أحسن من غيرك كتير! وحتى لو كنتي اتعرضتي لتنمر زمان، فخلاص إنتي دلوقتي شخصية مختلفة و”المسامح كريم”.

 

لما التنمر بيكون من مدرس في المدرسة أو زمايل لينا، بيكون سهل علينا إننا نقر بيه ولو بعد زمن، جايز وإحنا بندينهم وبنكِن مرارة تجاههم. لكن لما بيكون التنمر ده من أقرب الناس لينا زي إخواتنا أو ناس قريبة مننا في العيلة أو أي حد بنحبه وإحنا صغيرين، عادة بيكون صعب نقر بيه حتى أو نفتكره، وكأنه بيستخبى مننا في حتة في اللا وعي. بس الحقيقة شئنا أم أبينا هو هيأثر على علاقتنا بيهم وعلى علاقتنا بنفسنا.

 

أفتكر وأنا صغيرة، كنت طفلة هادية مبتتكلمش خالص، حتى اتكلمت متأخر وكانوا فاكريني هبقى خرسا، على عكس أختي اللي كانت بتلعب مع الناس كلها وبتتكلم مع أي حد حتى لو متعرفوش. كنت دايمًا بيتسأل “إنتي في السايلنت مود؟ ليه بتعيطي في صمت؟ يا حرام غلبانة ومبتعرفش تاخد حقها”، أو كلام زي “متبقيش حساسة بزيادة وتزعلي من كل حاجة، متبقيش حمبلية، مش كل حاجة تعيطي”، مع الأخذ في الاعتبار إني مكنتش طفلة زنانة، وحتى لما بعيط بعيط في صمت.

 

كبرت وأنا مقتنعة تمامًا إن انطوائيتي دي عقبة في شخصيتي، محتاجة أتخطاها عشان أكون شخص ناجح، وكوني حساسة ده يخليني مرفوضة. وفي وقت حاولت أبقى “دبش” زيادة عشان أتجنب إني أكون حساسة، وكأني بتمرجح في طرفي بندول، من حساسة بزيادة لعديمة الإحساس. والحقيقة إن ده خلاني مش قابلة نفسي في أوقات كتير وأنا في سن المراهقة، وبخاف أخش أي مجتمعات لأني حاسة إني مستاهلش أتقبل، وحاسة إن أنا فعلاً رخمة زيادة، وكتير عليّ إنكم تحبوني.

 

ده لأن وإحنا صغيرين بنتعامل مع أهالينا على إنهم مصدر السلطة وهما اللي كلامهم أكيد صح، فإذا قالوا إنك فاشل، فحتمًا إنت فاشل ولا مجال لإصلاحك، ويمكن كمان نحمِّل الكلام اللي قالوه أكتر مما يحتمل، ولو حطوك في مقارنة مع حد من قرايبك أو إخواتك، وطلعت منها خسران، هتفضل طول عمرك شايف نفسك أقل من الشخص ده، إما هتاخد موقف سلبي بالحقد تجاهه ومحاولة التقليل منه وانتقاد إنجازاته وإما هتبدأ تتسابق إنك على طول تكون أحسن منه في الحاجة اللي اتقارنتم فيها أو في حاجة تاني عشان تعوض.

 

بنكبر وبنخاف نفكر إن الكلام ده وجعنا، وبنبدأ نديهم أعذار، وكأننا بننفي حق إننا نتوجع ونقول “آه”، ما دام الشخص اللي غلط فينا ده قريب لينا وله أفضال تانية كتير علينا، وبنكتفي بجملة “المسامح كريم”، كأننا كده سامحنا خلاص.

 

بس اللي اكتشفته إن التسامح أو الغفران خبرة إنسانية أعمق وأسمى من إننا نختذلها في كلمتين، وإن الغفران سكة، مش مجرد كلمتين إني مسامحهم وخلاص، وأول السكة دي إني أدرك أصلاً الكلام اللي اتقالي إيه، وأفكر كان تأثيره إيه عليّ، ويا ترى إيه ممكن يكون تأثيره عليّ دلوقتي، في الوقت ده من حقي أحس بغضب ناحيتهم وأبقى بتجنب أكلمهم، وده فعلاً حصل، وبعديها أبدأ أفكر في النتايج دي، وهل أنا مستعد أدفع تمن النتايج دب ولا لأ، وإزاي.

 

سمعت قبل كده محاضرة في Tedx، المحاضر قال إن لو حد جه عندك البيت وكسر كرسي، إنت ممكن تخليه يدفع تمنه، وممكن تقوله فداك، وده معناه إنك إنت هتدفع التمن. فالغفران هو قرار إرادي إني هقبل أتحمل تمن الغلطة اللي اتعملت فيَّ عشان أقدر أطلِق الشخص اللي غلط فيَّ. بس الحقيقة إني كمان بطلِق نفسي وأحررها من إنها تكون محبوسة في الإساءة أو في الوجع اللي رابطها بالشخص ده.

 

لحد دلوقتي أنا الشخص الانطوائي اللي بيحب الناس، بس بيشحن أكتر وهو لوحده، ومبقتش مكسوفة من كده، بالعكس، أنا شايفة إن ده أكتر mix مناسب لإمكانياتي التانية وحتى لشغلي. أعتقد إني عمري ما كنت هعرف أحب نفسي إلا لما عرفت إيه سبب كرهي ليها، وعرفت كمان أغفر للأشخاص اللي يمكن، بدون وعي آذوني. لكن اديت لنفسي فرصة أعبر عن وجعي وأغضب وأمشي في سكة الغفران اللي كانت سكة مكلفة، والتمن اللي دفعته يمكن كانت سنين أنا مش ناجحة فيها على مستوى العلاقات الشخصية، ويمكن كانت إني أتحمل وجع السكة دي، بس الحقيقة النتيجة تستاهل، وهفضل ممتنة للناس اللي ساعدوني أمشي السكة دي.

 

فيديو TedX

The meaning of forgiveness | Wassem Sabry | TEDxAinShamsU

 

https://www.youtube.com/watch?v=90vQr53xvVI

المقالة السابقةبالعام الجديد سأحتفل
المقالة القادمةدور البرد الذي منحني الإلهام والقوة
نون
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا