بالعام الجديد سأحتفل

700

 

بقلم/ منار رمضان

 

دومًا يكون إخفاقنا وفشلنا جزءًا لا يتجزأ من الحياة. قديمًا كنت الفتاة التي تفتح للحزن شبابيك من المرح والرقص الهيستيري، فيضطر الحزن للهروب بعيدًا أمام انطلاقي اللا محدود على أنغام الموسيقى، أيًّا كان نوع الموسيقى، عربيًا غربيًا، مهما كان لحنها هادئًا أم صاخبًا، كنت دائمًا أتبع طقوسي الخاصة، ابتداء من ارتداء ثياب مرحة تبهجني وتبهج عيني، إلى وضع ميكاب صاخب مجنون يلائمني و يلائم دائمًا حالي المجنونة، إلى تشغيل الكاسيت بأعلى صوت على أغانٍ منعشة ومبهجة، وأطلق العنان لجسدي ليبدأ بالصراخ.

 

أرتفع لأعلى وأنزل سريعًا لأنفض غبار الحزن من عينَي، أدور في دوائر لا نهائية حتى أصيب الأفكار “الغلسة” بالدوار وألقيها بعيدًا جدًا عني، حتى حينما كان يداهمني المرض كنت أقاومه بتلك الطقوس، مهما كانت شدته، فهي قط لم تخذلني يومًا، دائمًا كانت رفيقة لي، وحيدة كنت أو وسط أصدقائي أو عائلتي.

 

أما الآن فقد تيبس الجسد المرن النشط، ولم يعد يقوى على الدوران، أحاول جاهدة أن أدعوه يومًا ما لإحدى جلساتنا السعيدة، ونستعيد جزءًا من ذكرياتنا، لكنه لا يلبي الدعوة. القلب لم يعد يخرج من بين الضلوع من قوة التمايل والدوران، بل أصبح ساكنًا هادئًا ها هنا مكانه.

 

الميكاب لم يعد جزءًا من المرح والعفرتة، بل أصبح عادة تصاحب الخروج من المنزل فقط، لإخفاء هالات سوداء ووجه أضافت عليه السنين جزءًا من البهتان والجفاف، وترميمًا لجزء من الثقة. حتى الملابس المبهجة العجيبة أصبح ارتداؤها مصدرًا للكآبة، حين أواجه حقيقة أنني لم أعد تلك الرشيقة صاحبة الجسد المثالي الخالي من العيوب.

 

أواجه حقيقة أنني استبدلت حالة النشاط والمرح والتنطيط، بالخمول والكسل، فللكنبة معي قصص وحكايا لا تُعد، أصبحت رفيقتي في تخطي نوبات الحزن التي أصبحت أكثر هدوءًا، محتضنة البيبسي وأكياس الشيبسي بالطماطم لأواجه العالم أجمع بفيلم أجنبي يسافر بي بعيدًا عن كل تلك الأحزان غير المبررة.

 

أجدني هناك بين جبال آيرلندا الخضراء أملؤني بهواها العليل، أو وسط ثلوج في أعلى الجبال أواجه تحدي البقاء على قيد الحياة. أحيانًا أكون في عصور قديمة مرتدية فستاني ذا الجيبونة الضخمة وأرتدي قبعات تحمل ورودًا وريشًا، وأمشي أتباهى بمجوهراتي الثمينة، وأحيانًا أستمتع برقصة تانجو مجنونة على أنغام موسيقى لاتينية تطرد شياطيني خارجًا.

 

ربما لم أعد تلك الرشيقة الصاخبة المجنونة، لكنني حتى الآن قادرة أن أطوِّع حزني وأقيده قدر الإمكان، فأمنيتي للعام الجديد أن أطرد كل عاداتي السيئة، أكسر زجاجات البيبسي وأحرق أكياس الشيبسي وأمزق تلك الكنبة اللعينة، أن أستطيع العودة لتلك الفتاة المرحة وأن أملأ المنزل بالصخب والرقص ولو ليوم واحد، حتى أكسر الحاجز الذي بناه الزمن بيني وبينه.. أن أفاجئني دومًا بالهدايا الجميلة هي فكرة اتبعتها في عيد ميلادي وأتمنى تنفيذها من فترة لأخرى.

 

من اليوم لن أنتظر من أي كان مفاجآتي وإسعادي، بل سأسعى أن أبهجني وأسعدني، وأن أشتري لي الهدايا التي أتمناها، فليس من العدل أن أصيبني بإحباط لمجرد أنني منتظرة مفاجأة من شخص ما، إذًا سأفاجأني بالهدايا التي تسعدني دومًا من وقت لآخر.

 

أمنية أخرى أتمناها، وهي تعلم الكروشيه، أحب أن أرى إنتاجي يملأ المنزل، أن أضفي من ألواني المبهجة على تفاصيل المنزل، أن أحيك لصغيري من صنع يدي ملابس ترتديه قبل أن يرتديها، فتغلفه بحبي وتحميه بدعواتي.

 

اعتدت بداية كل عام جديد أن أهتم بالاحتفال وارتداء الأحمر ونفخ البلالين، لكني هذا العام أهديتني أجندة جميلة، سافرت بي لبلاد زرتها وبلاد أتمنى أن أسافر إليها في عامي الجديد، وبدأت بوضع قائمة بكل تلك الأمور التي أريد فعلها في عامي الجديد، ساعدتني على تذكر أغلب ذكرياتي الجميلة لعام مضى، وعادات أخرى سيئة أسعى لتوديعها. شعرت بمدى أهمية تنظيم الأفكار والأحلام قبل بداية العام الجديد، فأنا قررت أن الاحتفال هذه السنة لن يكون للعام الجديد، ولكن سيكون لي.

 

لا زلت قادرة أن أطوِّع حزني وأقيده قدر الإمكان

ا

المقالة السابقة15 اكتشاف عن الحياة الزوجية
المقالة القادمةالمسامح كريم
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا