السيدة سلكان

447

انجي ابراهيم

تم نشرة في 11/24/2016

وقت القراءة : 3 دقيقة

 

فلاش باك:

كان فيه بنت صغيرة في أوائل سنين الابتدائي، جدها راح ياخدها مرة من المدرسة، فهي قالتله تعالى همشيك من سكة تانية أطول بس أحلى وجديدة، هو سمع كلامها لأنه كده كده عارف الطريق، يعني أكيد مش هيتوه، بدل ما تمشي شمال خدته ومشيت يمين، وفضلت ماشية لحد ما قربوا على آخر الشارع، دخلت من جنب مسجد بين عمارتين، مرصوف بالسيراميك في الشارع، وده كان شيء مبهر بالنسبة لها، وبين العمارتين عاملين مظلة للمصلين، عدوا من هناك ولفوا حوالين الشارع من برة عشان يروحوا بيتها، السكة كانت أبعد من الطريق الأساسي اللي بتمشي منه كل يوم، بس هي كانت بتستعرض قوة ذاكرتها للمكان اللي أمها مشتها منه مرة واحدة بس، وكانت مبسوطة أوي بنفسها، ومعجبة إنها عرّفت جدو شارع مكانش يعرفه قبل كده.

 

عودة للوقت الحاضر:

البنت دي كانت أنا، عشت عمري كله في إسكندرية وحفظت كل شوارعها تقريبًا، والمكان اللي معرفوش كنت ببقى عارفة إزاي أوصله من أقرب منطقة، دي كانت إحدى نقاط القوة اللي بيرتكز عليها شعوري بالأمان، إن عمري ما هتوه ولا هضيع، فكرة طفولية شوية، بس كانت مهمة بالنسبة ليّ وكنت بفخر بيها طول الوقت.

 

عدّى الوقت، وكبرت واتجوزت، واتنقلت للحياة في القاهرة، أكتر حاجة كانت شاغلة بالي قبل الانتقال إني هكون غريبة، معرفش الأماكن ولا وسايل المواصلات، معرفش فين بيتراح إزاي. ده كان موضوع مأزمني فعلاً، ولما جيت القاهرة بالفعل اكتشفت مشكلة كبيرة جدًا في الاتجاهات، أنا لحد النهارده معرفش مدينة نصر دي على يميني ولا على شمالي، كنت -وما زلت- بعتمد على جوزي كتير جدًا إنه يقولي أروح المكان الفلاني إزاي، هو كمان الحقيقة كان بيشجعني، يعني ولا مرة قالي لأ مش هتعرفي تروحي واستني أنا أوديكي، كان بيوصفلي ولسان حاله بيقول “سيري يا نورماندي”.

 

عدّى على انتقالنا للقاهرة سنتين، وامبارح بس اكتشفت إني حققت انتصار كبير أوي مكنتش واخدة بالي منه، وقررت أستمتع بيه وأنا بكتب المقال ده وبشرب كوباية شاي بالنعناع. امبارح كان معايا عنوان معرفش عنه أي حاجة غير إنه في العباسية، نزلت وقررت إني هوصل، عمري ما كنت البنت اللي بتاخد تاكسي من الباب للباب، ومش بعد ما أكبر كده وأقرب ع التلاتين هبقى مدمنة تاكسيات، ده غير إن البنزين غِلي كمان، فقررت إني هوصل العنوان اللي معرفوش.

 

بعد ما خلصت مشواري وأنا في طريقي للبيت، كنت بستعيد نفس إحساس البنت الصغيرة اللي مشيت بجدها من طريق ميعرفوش، وكانت فخورة أوي بقدراتها.

 

امبارح أنا كنت فخورة بقدرتي على الانتصار على وسع القاهرة المخيف وتداخل شوارعها، لما ملقتش مواصلة من على أول الشارع توصلني حي العباسية سألت السواقين ممكن أركب منين، وركبت مواصلة تانية خالص هتوصلني لموقف ممكن ألاقي منه ميكروباصات توصلني، ساعتها رجعلي شوية من إحساس الأمان اللي كنت بحسه في إسكندرية، إني هعرف أوصل لأقرب نقطة توصلني لوجهتي، وفعلاً عملت كده، ونزلت ركبت مواصلة تانية، وصلتني مكان تالت معرفوش، سألت الناس وعرفت إني محتاجة آخد تاكسي يوصلني عند العنوان بالظبط، وبالفعل عملت كده، ووصلت من غير ما أتوه، ومن غير ما أتوتر، ومن غير ما أحس بالضياع.

 

يمكن يكون موقف بسيط، وحاجة صغيرة أوي، بس الحاجات دي هي اللي بتخلي الدنيا حلوة، الانتصارات الصغيرة اللي بتحسسنا إننا لسه قادرين نواجه صعوبة الدنيا، وإننا لما ننتصر على حاجات تافهة وبسيطة هنقدر ننتصر في حاجات أكبر بكتير.

 

خوفي من طرق القاهرة ومواصلاتها كان ممكن يعطلني عن الاستمتاع بحاجات كتير، مكنتش هبقى عارفة أتحرك من البيت لوحدي، ولو كنت فضلت خايفة عمري ما كنت هسلك فيها، بس أنا اتعلمت أسلك زمان في أي سكة، فإيه اللي ممكن يغير ده دلوقتي؟ بالعكس، لازم موهبة السلكان تتنمَّى عشان أنتصر على كل المواصلات الشريرة والطرق الطويلة.

 

قررت أستمتع بموهبة السلكان، وسميت نفسي السيدة سلكان، وامبارح كنت بفكر في إن اللي يعرف يسلك في القاهرة وهو مش من سكانها الأصليين يقدر يسلك في أي مكان تاني في العالم. ده ادّاني دفعة قوية أوي إني أقدر أنتصر على حاجات كتير، وقررت أستمتع بده، وندمت إني مستمتعتش بكل مرة قدرت أسلك فيها وأوصل من غير تاكسي من تحت البيت للمكان اللي أنا عايزاه، واكتشفت إنها حاجة بسيطة أوي لكن تستاهل إني أقف عندها وأستمتع بيها.

 

اكتشفت إني دلوقتي أقدر أروح معظم الأماكن في القاهرة، حتى لو عمري ما خطيتها قبل كده، يكفي بس إني أكون عارفة أقرب نقطة للمكان اللي محتاجة أروحه، وبعد كده هسلك يعني هسلك، ده أنا السيدة سلكان بجلالة قدرها، قاهرة إيه دي اللي تقهرني؟! فشر.

المقالة السابقةكيف تحققين حلمك؟
المقالة القادمةأخطاؤك طريقك إلى النجاح
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا