ابني العزيز فلان

1004

انجي ابراهيم

تم نشرة في 03/06/2017

وقت القراءة : 3 دقيقة

 

مرحبًا يا ولد، سامحني إذا ناديتك “فلان”، فأنا لا أثق أي اسم أريد أن أختاره لك أنا وأبوك، بالأحرى أنا لست واثقة من رغبتي في إنجابك من الأساس في هذا الوقت من عمر العالم، أما ما أعرفه يقينًا أنني أريدك ابنًا ذكرًا، يكبر ليكون رجلاً. ليس لكراهية في البنات، على العكس تمامًا، أنا أحبهن أكثر، ولكنني لا أريد لقطعة مني أن تتعذب، لذلك أريد أن أنجبك أنت.

 

ابني “فلان”، أنا لست أمًا رائعة، ولا حتى امرأة رائعة، ولا أريدك أنت الآخر رائعًا، أريدك أن تكون فقط رجلاً صحيحًا، لذلك دعني هنا أخبرك ماذا أتمنى من الله أن يمنحني فيك، وماذا أطلب منه أن يساعدني في غرسه داخلك، وماذا أتضرع له أن تكون.

 

ابني “فلان”، أنا الآن أقترب من الثلاثين، أنت لا زلت في علم الغيب، لا أعرف متى سأحمَل فيك وأنجبك، لكنني أعرف ما أريده منك، أنا لا أريد أن أرهقك ولا أطلب منك المستحيل، أنا فقط أخبرك عن الرجال الحقيقيين، وأريدك أن تكون منهم.

 

هل تعرف لماذا أتمنى -لو قُدِّر لي الإنجاب- أن أحصل عليك أنت ولا أحصل على فتاة؟ أنا أريدك أنت لأنك فاعل، لأنك تستطيع أن تكون ما تريده، حياتك ستكون أسهل من حياتي كثيرًا، في هذا المجتمع أستطيع أن أطمئن عليك أكثر من اطمئناني على فتاة، المشكلة يا “فلان” أنني أخشى عليك أن تتلوث، أن تكون أنت نفسك جزءًا من الشر الذي أخشى على الفتيات منه، أخشى أن تتلون بلون المجتمع القاتم وتتركهم يضعون عليك بصماتهم القبيحة، أخشى أن يكون صوتك عاليًا وحاجباك معقودين، أخشى أن تستسهل كلمة “لا” وأن تقتنع أن فرض سيطرتك على الآخرين هو طريقك الآمن، أخشى أن يصبح قلبك جامدًا وتهزأ مني أو من زوجتك عندما نبكي من إعلان تليفزيوني قصير.

 

أنا لا أريدك مائعًا لتعجبني، على العكس تمامًا يا حبيبي، أنا أريدك كامل الرجولة، ولذلك أتمنى عليك أن تحتفظ بنصفي الذي يسكن داخلك، أنت مكون من نصفين، أنا وأبيك، أبوك سيمنحك كل القوة، واسمح لي أن أمنحك بعضًا من الضعف.

 

سوف أروي لك شيئًا صغيرًا يا “فلان”، منذ بضعة أيام شكوت لأبيك أن أحد مستحضرات التجميل القليلة التي أستخدمها نفد، وأنني لا أعرف من أين يمكنني أن أشتريه، بعدها بأيام جاء أبوك من العمل حاملاً كتيبًا لإحدى شركات التجميل الشهيرة، وأخبرني أنه ذهب لمكتبهم الذي يقع على ناصية شارعنا ليأتيني به، وطلب مني أن أختار ما أريده وأنه سيذهب لشرائه، لأنه يعرف مكان البيع بجوار عمله، أبوك ليس ملاكًا بالمناسبة، له أخطاؤه، ولكنك لن تعرف قدر الامتنان والأمان اللذين شعرت بهما عندما جاءني بالكتيب، لم يشعر بالإحراج، لم يخجل من أن يدخل لمكان لا يبيع شيئًا سوى مستحضرات التجميل الأنثوية، هو رأى أنه مكتمل الرجولة للحد الذي يجعله غير عابئ بوجهات نظر الآخرين.

 

هل تعرف معنى ما فعله أبوك؟ هل تعرف الفرق بين فعلته تلك وفعلة آخر يخجل أن يشتري لزوجته من الصيدلية فوط صحية أثناء دورتها الشهرية؟ هل تعرف الفرق بين الرجل الحقيقي والرجل الملوث؟

 

أنا أريدك حقيقيًا جدًا، مقتنعًا تمامًا أن قلبك يمكنه أن يرشدك، أريدك أن تقتنص كل الفرص التي تبقي على إنسانيتك، أنت إنسان في المقام الأول، الرجل والمرأة تصنيف بيولوجي لا نعبأ به كثيرًا، أريدك أنت أيضًا ألا تكترث له، لن أسمح لك أن تقول يومًا “أنا رجل لا يمكن أن أفعل كذا وكذا”، يومها -ربما- ستكون صفعتي الوحيدة على قلبك.

 

أنا أريدك واثقًا من نفسك يا “فلان”، لا تسمح لأحدهم أن يملي عليك ماذا يجب أن تفعل، أنت مستقل، سنربيك على أنك رجل بإمكانه أن يفعل كل شيء، أنت لست ناقصًا حتى تعجز عن صنع طبق من البيض المقلي، ولست أضعف من أن تذهب للسوق وتشتري أكياسًا ثقيلة، أنت لست مخطئًا حتى تدافع عن نفسك بصوت عالٍ، ولست أقل مني أو من زوجتك حتى تعتمد على إحدانا.

 

نعم يا “فلان”، من يفعل هذه الأشياء ليس قويًا وليس رجلاً حقيقيًا، من يفعل هذه الأشياء إنسانًا غير واثق من نفسه، وأنا أريدك واثقًا جدًا، واثقًا للدرجة التي لا تعجزك عن فعل أي شيء يقوم بفعله أي إنسان آخر بغض النظر عن تصنيفه البيولوجي.

 

لا تحبس قلبك يا حبيبي، جرّب كل شيء، لا تضع نفسك في صندوق مغلق مكتوب على بابه “رجولة”، أنت أكبر من هذا الصندوق الذي سيحاول الجميع حشرك داخله، أنت لا تستحق هذا التقييد، الرجولة الحقيقية هي أن تكون فاعلاً حقًا، مبادرًا أولاً، لا يقف أمامك شيء تعجز عن فعله، سوف يحاولون خداعك كثيرًا ويخبرونك أنك لا يجب أن تفعل أشياء كثيرة، سيحرمونك متعتها يا حبيبي، أنا لا أريدك محرومًا من أي شيء، أريدك أن تستمتع بكل تفصيلة تستطيع أن تعيشها.

 

لا تجعلهم يُعلِّبونك، أنت لست سردينًا يا “فلان”، أنت حر، هم ليسوا أحرارًا، ينقصهم الكثير جدًا، يفوتهم يوميًا أشياء جميلة لا تجعلها تفوتك، لا تستمع لافتراءاتهم عن الرجولة، الرجولة الحقيقية تكمن في قلبك أنت، في قوتك وضعفك، في صوتك الخشن وفي دموعك الساخنة، في تركيزك الشديد وفي تعبك المفاجئ، في عضلاتك القوية وفي قلبك الرقيق، الرجولة الحقيقية أكبر من كل ما سيحاولون أن يقولوه لك، استمع لي أنا ولا تستسلم لهم.

 

هم يريدون لك أن تكون نصفًا وأنا أريدك كاملاً، بربك قل لي، من منا يحبك أكثر ويستحق أن تستمع له؟!

المقالة السابقةلأن الصفات ليست لصيقة بـ”جندر”
المقالة القادمةالقميص الأبيض ينفع مع البنطلون الأسود
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا