إلى نسمة.. عن الأجنحة المتكسرة

409

.إنجي إبراهيم

………………………………….
عزيزتي نسمة تليمة، أنت قطعًا لا تعرفينني بشكل شخصي، ربما قرأتِ لي مقالاً هنا أو هناك، لكنك لا تعرفيني يا نسمة، أما أنا فأعرفك.

في البدء رأيت صورًا جميلة تجمعك بهاني زوجك وابنتكما فريدة، كنت أرى أصدقائي يعلقون عليها بحب على صفحتي الرئيسية على فيسبوك، تتبعت الصور إلى عالمك، أنا أهوى التلصص على حيوات الآخرين يا نسمة، أبرر ذلك بأنه يلهمني للكتابة، يلهمني أو لا، المهم أنني تتبعت الصور، رأيتك تشاركين أصدقاءك لحظاتكما السعيدة، رأيتك تحبين هاني برُقيّ، رأيت صوره مع فريدة، وكيف تقدرين تلك الصور حتى لو لم تكوني جزءًا منها، خشيت أن تضيع صفحتك أو أنسى اسمك وكنت قد وقعت في حب صور عائلتك الصغيرة، فأرسلت لك طلبًا للصداقة وقبلتِه بهدوء.

لم أحاول يومًا أن أطوّر علاقتنا، كنت أكتفي بزيارة بين الحين والآخر لرؤية عائلتك الصغيرة والكلمات الجميلة عنها، أشاهدها وأبتسم، وأرحل دون ضوضاء.

رأيتك تقولين إن هاني تحسّن وتطلبين من أصدقائك مواصلة الدعاء، جزعت جدًا، هرعت لصفحتك لأتقصى الأمر، وجدتك قبلها تخبرينهم أنه مريض، يومها دعوت الله كثيرًا جدًا، دعوت بصدق أن يتحسّن هاني، ورحلت مرة أخرى دون حتى أن أترك تعليقًا.

بعدها بيومين، رأيتهم يواسونك فيه، رأيت الكثيرين ينعون هاني عبد الراضي، ويشدّون من أزر نسمة تليمة، بكيت يومها، بكيت كثيرًا يا نسمة، بكيت وأنا أضع يدي على قلبي، بكيت ولم أجد أي شيء على لساني أدعو به لك، بكيت ورحلت دون أن أرسل لك أي تعزية.

نسمة.. لا أستطيع أن أزعم أنني أشعر بك، أنا لا أستطيع أصلاً تخيّل مدى الوجع، ولكنني بشكل ما أتفهمه، أيام كثيرة أتمدد في الفراش ناظرة إلى السقف، أحاول أن أفكر بماذا يمكن أن أدعو الله من أجلك، أفكر كثيرًا جدًا، يشرد ذهني عن الدعاء وأجدني أفكر في الفقد.

لا أعرف لماذا أشعر أنني أحب بنفس أسلوبك، لست رقيقة مثلك، ولا أعرفك جيدًا ولكنني أشعر أنني أحمل في قلبي حبًا مثل الذي تحملينه لهاني تمامًا، أشعر أنني أحب زوجي بطريقتك، ولأنني خرقاء جدًا فإن عقلي لا يكف عن تصوّر فقدانه، يوجعني قلبي جدًا يا نسمة، فأتخيل أنني أعرف وجعك، يتشتت ذهني تمامًا وأفكر فيكِ، في كل مرة أعود لوعيي فأجد أنني واضعة يدي على قلبي، كأنني أخاف أن أفقده إن فقدت حبيبي، فأدعو الله لك أن يسد الفجوة في قلبك.

أقرأ رسائلك إليه بعد الرحيل، أجلد نفسي بها، أقرؤها جميعًا وأعيد قراءتها مرات، سامحيني يا نسمة إن دعوت الله لك في بعض الأوقات أن يمنحك حبًا آخر، سامحيني أرجوك، فأنا أتراجع عن الدعوة فورًا وأدعو لك بدلاً منها أن يرزقك السكينة.

لم أعد أفوّت الكثير من الوقت بين زياراتي لصفحتك، أجد الكثير من الحب والدعوات، أرى صور فريدة، أعرف أخبارك، أرى صورتك مع هاني ما زالت تتصدر المشهد، أشعر بحزنك الهادئ، حزنك نبيل جدًا يا نسمة، نبيل للدرجة التي تجعلني لا أضغط حتى على زر الإعجاب عندما أراكِ تمارسين عملك بنجاح، أشعر أن وجودي يلوث المشهد من حولك، ماذا أعرف أنا عن كل هذا النبل الذي تعيشين به.

هل تتصورين أنني لو رأيت لك أو لهاني أو فريدة صورة فردية على صفحة أخرى غير صفحتك لن أعرفكم؟ أنا لم أدقق من قبل في ملامحك أو ملامحه، كنت أكتفي بمشهد جميل باسم، كما أتذكر عن الأسر السعيدة في كتاب القراءة، لم أحاول أن أعرف أكثر أو أدقق أكثر، اكتفيت فقط بالدعاء لكم من بعيد أن تظلوا سعداء.

أعرفك قوية يا نسمة، وأعرف أيضًا أن الكثير من الصراخ والعويل يستنزف طاقة الحزن فتنفد، أما أنت فقوتك تمنحك القدرة على الحزن الهادئ، الحزن المستقر الذي أدعو الله أن ينفد ويترك لك ذكرى الحب فقط، أن تظلي تذكرين هاني دون أن تبكي سرًا ودون أن تخافي على فريدة.

عزيزتي نسمة.. أكتب لك هذا الخطاب بعد كل التعازي، لا لأجدد حزنك، فقط أكتبه لأخبرك أنني لم أستكمل حياتي بعادية بعد فقدك لحبيبك، أنا أذكر وجعك، أشعر بفؤادك الفارغ، أنا أتفهم حزنك يا نسمة، وأدعو الله دائمًا أن يجبر الكسر.

ملحوظة: وجدت الدعوة المناسبة، أعدك أن أواظب عليها، سوف أدعو لك بجملة قرأتها مرة عن جبران خليل جبران، كان يقول “أشفق يا رب وشدد جميع الأجنحة المتكسرة”.

رسالة عزاء إلى صديقتي التي لا أعرفها نسمة تليمة

المقالة السابقةأبو السعود الإبياري.. صانع البهجة الوقور
المقالة القادمةالذنب الذي ينهش قلوب الأمهات
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا