إلى زوجة أبي.. شكرًا لاهتمامك

3206

رحاب

تم نشرة في 04/09/2017

 

ليست الصورة الذهنية لزوجة الأب طيبة للغاية في مصر، إنها تلك السيدة التي خرجت لأجلها الكثير من الأمثال الشعبية التي لا أحبذ استخدامها، لأنها لا تخدم الرسالة التي أرغب في توجيهها إلى “أبلة ماجدة”، زوجة أبي العزيزة.

العلاقة بيني وبين الـ”أبلة ماجدة” معقدة للغاية، فهي من ناحية زوجة أبي من بعد أمي، و من ناحية أخرى، هي والدة أشقائي الثلاثة، كما أنها تلك السيدة التي تعرف الكثير عني، بل أكثر مما ينبغي لزوجة أب أن تعرفه عن نجلة زوجها الوحيدة من زواجه الأول.

 

الكثير من المواقف السخيفة والأحداث الصعبة مرت بتلك العلاقة، إلا أننا كنا ننجح في كل مرة، أن نعبر بعلاقتنا إلى فضاء أرحب، سنوات معرفتي بها، هي سنوات عمري الـ27 بالضبط، انقطعت العلاقات عدد غير قليل من المرات، لكنها كانت تتعامل معي عقب كل عودة كأن شيئًا لم يكن، لا تجيد “أبلة ماجدة” الاحتفاظ في قلبها بالأحداث، إنها تنسى سريعًا، لا يهمها من كان السبب أو ماذا حدث، هي لا تجيد العتاب أيضًا ولا تُفضله، فقط ترغب في ذلك التواصل بينها وبين الجميع أن يبقى قائمًا بلا فواصل أو معوقات.

اقرئي أيضًا: أنا لا أحب أبي، لماذا؟ وماذا أفعل؟

“أبلة ماجدة” هي الوحيدة التي تعلم أنني لا أحب الجبنة، لم تحاول في مرة أن تتجاهل تلك الحقيقة وتقدمه لي على سبيل الجهل، هي أيضًا تعلم أنني أكره المخلل وأكاد أتقيأ إذا رأيته أمامي، الكثيرون يعرفون تلك الحقيقة، لكنها الوحيدة بعد أمي التي كانت تجيد إخفاءه  في كل مرة نجلس إلى الطعام، بل وتستبعده في أحيان كثيرة إكرامًا لي، كي أتناول طعامي بشهية.

 

تعرف زوجة أبي جيدًا الأطعمة التي أُفضِّل وتحرص على إعدادها إذا ما صادف وزُرتها، هي من تبادر عادة بالاتصال بي، دون أن تضع في حسبانها من اتصل في المرة الأخيرة، لعل ذلك ما يدفعها في كل مرة إلى سؤالي ببراءة “يا بنتي إنتي مبتفتكريناش خالص؟”، لتعقبه بالكثير من الأسئلة عن حالي وأمي، وتخبرني عن جديدها.

 

“إنتي مش عاجباني خالص” تقولها لي من وقت لآخر لتُعرب عن خيبة أملها في هذا القدر من الإنهاك الذي أبدو عليه، لتُشجعني على مزيد من العناية بنفسي، لتختتم حديثها بتلك الجملة التي تخرج بنبرة صادقة للغاية “خدي بالك من نفسك يا بنتي”.

 

عناية امتدت لصغيري المصاب بحساسية متعددة للأطعمة، حيث يعجز الجميع عن إحصاء الأطعمة المحرمة عليه سواي، إلا أنها عبر أحاديث عديدة بدت مهتمة للغاية بأن تفهم، تتصل  لتخبرني بحب “ابنك وحشني”، وتدعونا “لازم تيجو تتغدوا معانا.. أنا ما بصدق أشوفكم”، صحيح أن لديها ثلاثة أبناء وحفيدة، لكنها لا تخفي ذلك الحب الجارف لصغيري الذي تعتبر نفسها جدة له، بل وتضحي بالتزمها الصارم بالسمن البلدي في الأطعمة التي تعدها، لتضع مكانها زيتًا فقط كي يتمكن صغيري ذو العامين من تناول طعامه بسلام.

 

الكثير من التفاصيل الصغيرة جدًا تتقن الـ”أبلة ماجدة” العناية بها، تفاجئني في كل مرة أنها لم تنس ما أحب وما أكره، تفتح معي أحاديث عديدة وتسَر إليَّ بالكثير، كأنني صديقة ولست مجرد زائرة تأخذها الالتزامات والأحداث اليومية الصاخبة من السؤال عمن تحب.

 

لا يغيب عن مخيلتي تلك المرة التي سافرت بصحبتها وأبي وأشقائي إلى الإسكندرية لنقضي قرابة الأسبوع، وقتها نصحني أبي بأن أناديها “ماما”، وقد فعلت، صحيح أن لدى عودتي ثارت ثائرة أمي أن أعطي لقبها الحبيب لغيرها، أيًّا كان، إلا أنني لا أنسى أيضًا أنني تمكنت من فعل ذلك بسهولة شديدة، حيث حققت لي، ولو لأسبوع، المعنى الكامل للأمومة من عناية ورعاية واهتمام.

 

مزيد من الأحداث مرت بتلك العلاقة، لا أقول إنها جانية أو مجنٍ عليها، فقط هي بشر أخطأت وأصابت، لكنها نجحت في النهاية أن تجمعني وزوجي وابني إلى جوارها وأبي بشكل شبه دوري على مائدة واحدة، نحكي من حولها ونضحك من قلوبنا كعائلة، لذا أردت أن أكتب إلى تلك السيدة الطيبة لكي أخبرها أن شكرًا على كل هذا الحرص والاهتمام والعناية.

المقالة السابقةلكل أم لأول مرة: نصائح هامة للأمهات في تربية الأولاد والبنات
المقالة القادمةفالقلوب دائمًا هي الحكَم الأول
رحاب لؤي
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا