طول عمري مبعرفش أتحرك وأنا لوحدي.
طول عمري بحب اللمة، والصحاب.. حتى وأنا رايحة المدرسة زمان كنت بحب أشوف واحدة صاحبتي إنشالله تمشي معايا نُص السِكة بس.
كنت بحس الطريق كل يوم حد غريب بتعرف عليه من أول وجديد.. ومحتاجة كل يوم معايا حد أعرفه عشان الوَحشة. ولما آجي أخرج عمري ما كنت باخد بالي الشارع رايح من فين لفين طول ما معايا واحدة صاحبتي.
كل اهتمامي بينصبّ على كلامنا وضحكنا وهزارنا.
الآيس كريم اللي ف إيدينا.
وكلام الحُب أو اللت والعجن ع المدرّسين والشلة الفلانية والعلانية.
وحتى لما كبرت.. عمري ما فكّرت إني أروح مكان لوحدي.. ولو خرجت لوحدي يوم بيبقى أسوأ وقت يعدّي عليّ.
تخيل!
من فترة بسيطة.. وبعد ما بقيت بنت كبيرة -أو سِت كبيرة- فاهمة وعاقلة وبلا بلا بلا.
مبقاش ينفع أعتمد على حد، لأن كل واحد فيه اللي مكفيه باختصار.
بس برضو مشاوير الدكاترة والحضانة وخلافه كانوا أتقل من قدم فيل أسطوري على قلبي!
وأخيرًا.. حاجة دقّت جوة دماغي: “ليه مخرجش لوحدي وأبقى مبسوطة؟”.
خرجت.
مشوار لوسط البلد.. أبعد ما يمكن عن مكان سكني. ومع ذلك استمتعت بشكل غريب.
اللي حصل خلاني على وشك العياط رغم انبساطي.
يا جماعة أنا استمتعت بكل خطوة ماشياها ع الأرض.
كل ركن أو عمارة أو يافطة بعدّي عليها، وباخد بالي منها عشان أعرف هرجع إزاي.
غير العادي خالص.
ولقيت الونس حواليّ ف كل حاجة، والأفكار كتير.. مش زهقانة.. مش لوحدي.. فيه ناس.. فيه بيوت.. فيه حروف ويفط تعمل بيهم لعب.. حتى نفسي اتفتحت أسأل على صحاب بقالي سنين معرفش عنهم حاجة.
أنا مش معتمدة على حد غير نفسي.
اشتريت بيبسي ومشيت بشربه وأدندن ف الشارع:
“آه يا لاللي يا لاللي يا لاللي.. يا بو العيون السود يا خِلّي”.
مكنتش قادرة أمسك نفسي من الابتسام طول الوقت.
وف نفس الوقت كنت متغاظة من كل العُمر اللي عدّا وأنا مش واخدة بالي من هواية حلوة أقدر أعملها.. ولوحدي!
فاكرة إني ف مرة كنت متضايقة أوي وقررت آخد أجازة من الشغل وأقضي اليوم برة.. لوحدي.. رعب!
وخرجت.. مبقيتش عارفة أعمل إيه.. ورجعت مخنوقة أكتر.. معرفتش أفك وأستمتع زي بعض الناس بالهدوء لوحدي.. كنت محتاجة ونس.
أنا اتعلمت أتونس بنفسي، عشان أنا وَنَس، أتونس بالناس اللي ف الشارع ومعرفهمش، وكل ما أحتاج حِس أسأل حد أروح المكان ده إزاي لو سمحت.. وأكمّل مشي.. وأشرب البيبسي وأدندن بأغنية جديدة تونسني.