أنا مت موتات أحسن من دي بكتيييييييييييير

292

لم يكن أبي قاسيا ولكنه كان يعتقد أنه لكي يتمكن من تربية خمسة أبناء عليه أن يتحلي ببعض “جمودية” القلب.

هذه الفكرة جعلت من يومي الدراسي الأول يوما لا ينسى في تاريخ حياتي. حتى الآن أذكره كلما مررت بموقف صعب وأضحك ضحكة الممثل المشهور في فيلمه المعروف وأنا أردد “أنا مت موتات أحسن من دي بكتييييييير”

لظروف سفر عائلتي لم أستطع الإلتحاق بالدراسة إلا بعد بدءها بحوالي أسبوع كامل. أوصلني أبي لباب المدرسة ووقف معي وسألني “حافظة يا هبة عنوان البيت؟”

وعندما أجب بالإيجاب قال لي “خلصي وأرجعي ولو ماعرفتيش توصلي أسألي أي حد كبير على العنوان وإمشي زي ما هايقول لك.”

لم ينتظرني. لم يتفق لي مع أتوبيس المدرسة. لم يرتب لي مع أولاد الجيران لأعود معهم.

كنت وحدي.

طفلة صغيرة في طريق طويل لم تذهب إليه في حياتها قط.

خوف من المباني العالية وضياع في الطريق الطويل .. لكني في النهاية وصلت البيت.

وتعودت أن أعود للبيت كل يوم وحدي. أحل مشاكلي في المدرسة وحدي. أتفق على دروسي وحدي. أتشاجر مع وملائي وحدي. أمتحن وحدي. وأذهب لمعرفة نتيجة نهاية الدراسة وحدي.

وكذلك صار أخوتي جميعا.

الآن حينما أرى كيف تعامل صديقاتي أبناءهن أتعجب. كيف يذهبن بأطفالهن للمدرسة وينتظروهم عند الرجوع. كيف يرتبن مواعيد الدروس والنادي والمناسبات العائلية. كيف يقمن بأعمال المنزل والتسوق والمذاكرة للأطفال ليلا.

حينما أري كل هذا أعرف كيف قام أبي بتهيئة الجو لأمي للقيام بأعمال المنزل الأساسية دون أن يضغط عليها بمسئوليات إضافية خارج المنزل وذلك بأن علمنا كيف نعتمد على أنفسنا وكيف ندافع عن أنفسنا في العالم الخارجي.

لكني في الوقت نفسه أشفق على صديقاتي. وأقدر تماما خوفهن وتعلقهن بأبناهن. فعندما كنت صغيرة وكنت أخطو خطواتي الأولى في العالم الخارجي لم نكن نعلم شيئا عن حوادث الخطف والقتل والتحرش بالأطفال وإغتصابهم أيضا.

لم يكن مجتمعنا قد توحش لهذه الدرجة. كان أبي يأمن أن تمشي ابنته الصغيرة في شارع لم تذهب إليه قط وإن ضلت فأكيد أي من المارة سوف يعيدها آمنة لمنزلها الذي تحفظ عنوانه.

كبرت وأصبحت قوية. أعتمد على نفسي في كل شئ. قدم لي أهلي الكثير من الدعم والتفهم وأيضا الحرية.

تلقيت الكثير من الصدمات في حياتي. الشخصية منها والعملية. عانيت كثيرا وشعرت بالضياع والخوف لكنه لم يكن كشعوري بالخوف والضياع في أول يوم لي بالمدرسة.

خوفي في ذلك اليوم البعيد وقدرتي على العودة سالمة للبيت علماني أني أستطيع أن أتجاوز أي خوف وأن أعود لأمني.

ما عدت أخاف شيئا وما عدت أهاب من طريق غريب أمشيه وحدي سواء في عمل أو علاقة.

وحينما يتأزم الأمر كثيرا أضحك وأتذكر يومي الأول بالمدرسة وأنا أقول “أنا مت موتات أحسن من دي بكتييييييير” وأثق بقوتي وقدرتي على الاستمرار.

المقالة السابقةأولى جامعة – بكالوريوس رايح جاي
المقالة القادمةمبحبش المدرسة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا