أنا بنت.. إذًا بتجيلي الدورة

1313

أنا كبرت..

لسة فاكرة سنة 97 لما جت مدرستنا حملة “أنا كبرت” -اللي كانت برعاية “أولويز”- عشان يدونا محاضرة عن الدورة الشهرية (آه اسمها كده على فكرة) وقتها سألونا مين فينا جاتلها الدورة، ووسط ما يقرب من 60 بنت، واحدة بس اللي رفعت إيديها. طبعًا كان واضح إن النتيجة مغلوطة وإن فيه بنات كتير جاتلهم بس مكسوفين يقولوا، كأن دي حاجة تدعو للإحراج! وقتها مكانتش البيريود لسه جاتلي، فاستغربت هم بينكروا ليه، أو إيه المُخجل في إنهم يعترفوا بحاجة زي كده. لكن كان برضو فيه بنات تانية شايفة إن صاحبتنا اللي اعترفت على نفسها معندهاش حياء وتَعَدِّت خط أحمر كبير.

 

بعد سنة إلا شوية جاتلي صاحبتنا لأول مرة.. أنا لسة فاكرة اليوم ده، كنت في أجازة تانية إعدادي وكنا في بيت خالتي، وعلى عكس اللي بقراه عن مشاعر البنات تزامنًا مع الحدَث ده من قلق أو خوف أو حتى لخبطة، أنا ساعتها فرحت جدًا، مش عارفة كان فيه شعور بالوجع ولا لأ، بس الأكيد إن لو كان فيه فحماسي للحدث وإني كبرت فعلاً ودخلت طور جديد من أطوار الأنوثة خلاني مستمتعة وشغوفة بالمرحلة الجديدة أكتر من الاستسلام للتفكير في الألم.

 

وده خلَّى فكرة “أنا عندي البيريود” متبقاش بُعبع بالنسبالي خاصةً إن المرحلة دي مكانش ليها أي تبعات أو محاذير اتحطِّت عشان أنا خلاص مبقتش طفلة زي الأول، بالعكس فضلت بلبس نفس لبسي، بتعامل بنفس الطريقة مع اللي حواليّ، بمارس كل الرياضات اللي مشتركة فيها، يمكن الفرق الوحيد اللي حصل في حياتي كان إني بدأت أفكر في خطوة الحجاب.. أنا اللي فكرت مش أهلي اللي اقترحوا عليّ.

 

أعتقد كل ده ساهم في إني من جوايا أكون مقتنعة إن الدورة الشهرية حدث طبيعي وعادي، بتمر بيه كل البنات، وبالتالي مفيهوش ما يدعو للدهشة، مشاكلي الوحيدة معاه بتتمثل في إنه مؤلم جسمانيًا ومصحوب بتغيرات هرمونية بنت ستين في سبعين -بتزيد حدتها مع السن- وده بينتج عنه إن الواحدة مع كل دورة بتكون حساسة بزيادة وخلقها في مناخيرها، وبالتالي بتخانق دبان وشها، لكن جو عيب وميصحش وإزاي الناس تعرف إن عندك البيريود ده عمره ما خطر على بالي.

 

هل كل البنات بتفكر بالطريقة دي؟ لا خالص، وده غريب، بس عامةً البنات على الأغلب بيمروا بكذا مرحلة، وهم كالتالي:

 

– في الأول بيكونوا محرجين إن عندهم البيريود أو إنها بتجيلهم أصلاً، كأنها وصمة عار، خاصةً إنها متعلقة بعضو “خادش للحياء”، وبالتالي مبيجيبوش سيرتها، بعدها بيكبروا شوية ويبدؤوا يتكلموا عنها في الخفاء وبصوت واطي، ومش بعيد يدوها أسماء رمزية زي “ستو الحاجة” اللي شوفناه في فيلم أحلى الأوقات، أو “فوزية” وهو اسم دارج معرفش جه منين، بس مسمَّع وكتير بيتعاملوا بيه، ده غير اسمها الشيك شوية والمعتاد “البيريود”.

 

– مع أواخر العشرينات وأوائل التلاتينات، أو مع الجواز والخلفة وسنينها، بنكبر أكتر ونبدأ نفكر إن فيه إيه يا جماعة؟ مالكم أوفر كده؟! الدورة حاجة عادية وبتجيلنا أكتر من أدوار البرد والصداع، وده يخليها جزء من الروتين بتاعنا، بالإضافة لتأثيرها الواضح والصريح على حياتنا، واللي بيخَلِّي جُمَل زي “معلش أصل أنا عندي البيريود” أو “أصل البيريود قربت”إجابات كافية ووافية لكتير من الأسئلة والصراعات وردود الأفعال اللي بنتصرفها في الوقت ده من كل شهر. تزامنًا مع المرحلة دي بتبدأ التابوهات القديمة تتكسَّر، ويتم تسمية الأشياء بأسمائها الأصلية، من باب إن لا حياء في العلم، وإن اللي شايف مصطلح “الدورة الشهرية” عيب أو بيخدش حياءه يبقى هو اللي فيه حاجة في مخه -مشيها في مخه- مش العكس.

 

ومع انتشار الفلسفة دي بشكل مكتوب في مقالات زي كده، أو بشكل شخصي بين الصحاب اللي شايفين البيريود حاجة متكسفهمش، بدأنا نشوف حوالينا نماذج لبنات مبتحسش بخجل من إنهم يعترفوا إن عندهم “ظروف” قدام أي حد، سواء من الأهل والصحاب أو الدكاترة أو حتى زملاء العمل.

 

وبقى كمان فيه بنات وستات في رمضان عندهم الشجاعة لما يفطروا -عشان ربنا مديهم الرخصة دي- يقولوا ده علنًا أو يتصرفوا بناءً على أساسها، مش من باب العند والتحدي وخلاص على قد ما ده بيحصل في سياقه الدرامي، وإن كانت النتيجة لسه على الأغلب بتكون هلع ومصمصة شفايف من المحيطين، تصحبها أقوال مأثورة زي “يا لهوي” و”يا خرابي” وأسئلة من نوعية ليه وإمتى وإزاي.

 

طبعًا أنا مش بجبر حد يغير طريقة تفكيره، كل واحد حُر ما لم يضُر، لكن لسه بيصعب ع الواحد من البنات تحديدًا لما يكونوا أكتر ناس بتعلَّق المشانق للبنات اللي زيهم، أو يستغربوا من صراحتهم ويقعدوا ينظرّوا عليهم، وإزاي جاتلهم الجرأة يقولوا كده! علمًا بأن الاستهجان لا علاقة له بالسن ولا بالثقافة على قد ما هو نابع من القناعات الشخصية.

 

على سبيل المثال: لسه من كام يوم كنت في عيادة، ودكتورتي بتكلمني عن إجراء طبي معين، فبقولها لا مش هينفع لأن هيكون عندي البيريود ساعتها، وإذ فجأةً وشها ضرب ألوان وراحت مبرقالي -لأن على مسافة مننا كان واقف دكتور تاني- ولقيتها بتقولي مينفعش تقولي كده أحسن الدكتور يسمعك، فأنا الحقيقة استغربتها زي ما استغربتني بالظبط، وبصيتلها من فوق لتحت وقولتلها عادي فيه إيه؟ هو ده سر؟ ما هي بتجيلنا كلنا! وضحكت وسيبتها ومشيت.

 

طبعًا الغرض من الكلام ده مش إننا لزمًا وحتمًا ولا بد نتكلم صراحةً عن الجزئية دي في حياتنا، أو نمشي ماسكين ميكروفونات وكل ما تجيلنا البيريود نزعق ونقول “يا أم نياظي صحي نياظي قوليله البتاعة جت”، وإلا نبقى جهلة ومش من بتوع الحريات، على قد ما هو في إننا نعرف ونعترف إن الدورة الشهرية ليست مدعاة للخجل، دي ظرف صحي عالمي، من ناحية إن مش إحنا أصلاً اللي مسببينه لنفسنا، ومن ناحية تانية مفيش ما يستدعي من إننا نتعامل معاه باعتباره محرج أو قليل الأدب.

 

أما الأهم فإننا يا ريت نحاول على قد ما نقدر -في مُختَلَف تفاصيل حياتنا- نسّمِّي الأشياء بأسمائها، ونربي أولادنا على كده، لأن ده بيخلي التفاصيل الصغيرة وما يترتب عليها من تعبيرنا عن مشاعرنا وحالاتنا سواء الصحية أو المزاجية أمر عادي وبسيط وميستحقش الوقوف عنده كتير، لكن التحايل والمداراة وجو الرموز والسيم هو اللي بيدي الحاجة حجم أكبر من حجمها، وبيخلي الخيالات المريضة تشتغل، فتنقلب الآية ونفتكر إن الناس المتصالحة مع نفسها قالعة برقع الحيا، بدل ما نشوفهم واضحين ودماغهم مش تاعباهم.

المقالة السابقةما هي أسس وطريقة تسعير المنتجات اليدوية
المقالة القادمةالحيض في الثقافات المختلفة بين النجاسة والتقديس
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا