قبل خمس سنوات، فكرت للمرة الأولى في تعلم قيادة السيارة، ولكني كنت خائفة جدًا، فأنا لا أتخيل أن أركب هذه “البتاعة الحديد” وأتحكم بها وأسير وسط السيارات والناس، أخشى أن أصطدم بسيارة أو أصدم إنسانًا. ظلت الفكرة تغدو على رأسي وتروح. ومنذ أربعة أشهر، حلَّ الحماس مكان الخوف حيث شعرت بالحاجة إلى شيء يمنحني سهولة وحرية في الحركة، خصوصًا عندما رزقني الله بطفلي الثاني.
ذهبت إلى أحد مكاتب تعليم قيادة السيارات، وحجزت الدورة. في الحصة الأولى كنت متحمسة ومطمئنة، وكانت المدربة سعيدة بي، وترى استقبالي للتعليم جيدًا. ومع أن كلامها شجعني إلا أن الخوف بدأ يتسرب إلى قلبي في الحصص التالية، لكني تجاهلت مشاعري. كنت أحاول أن أكون على قدر توقعاتها التي بنتها عني من الحصة الأولى، وأن أنفذ كل ما تطلبه مني مهما كان خوفي ودرجة استعدادي لتنفيذه. انعكس ذلك طبعًا على قيادتي، فشعرت هي بالإحباط، وبدأت أرى أنني بطيئة في التعلم، وأنني بحاجة إلى أن أضغط على نفسي حتى أكون أسرع. هذه المشاعر من التوتر والخوف والإحباط والشك في نفسي، تسببت في ارتكابي أخطاء كثيرة كللها اصطدامي بسيارة، ولكن الحمد لله الذي قدَّر ولطف.
عُدت إلى المنزل في قمة الخوف والإحباط والخزي، وأنا أقول لنفسي: ها هي مخاوفك يا هدى تبين أنها حقيقية، فاليوم اصطدمت بسيارة وغدًا تصدمين إنسانًا وربما تقتلينه. أنا غبية، تسببت في تلف بسيارة المدربة. كيف سأقود سيارة في الأماكن المزدحمة بالسيارات والمارة، وفي المشاوير الطويلة؟ من اﻷفضل أن أتوقف وأُخرج اﻷمر من رأسي.
ولكن زوجي كان بجواري يدعمني ويشجعني. فظللت أردد كلامه لنفسي باقي اليوم: من الطبيعي أن ترتكبي أخطاء وأنت تتعلمين شيئًا جديدًا، من اﻷفضل أن تحدث اﻷخطاء وأنت تتعلمين في شوارع هادئة وبينما تقودين ببطء، وارد حتى لمن احترف قيادة السيارة أن يخطئ أو يصطدم بغيره، أنتِ دائمًا تشعرين باﻹحباط وأنتِ تتعلمين شيئًا جديدًا، هل تذكرين التريكو؟ تذكرين كيف بدأتِ بحماس، ثم مررت بفترة من اﻹحباط والتعثر وارتكاب أخطاء كثيرة، ولكن عندما تجاوزت تلك المرحلة واصلتِ جيدًا!
ظلت مشاعري طوال الدورة تتأرجح بين الإحباط والثقة، والحماس والخوف، ولكني اتخذت عدة قرارات. قررت ألا أسمح ﻷحد أن يفقدني احترامي لنفسي أو يهز ثقتي بها، فأنا أستحق الاحترام والقبول دائمًا، حتى عندما أخطئ، ثم من قال إنني بطيئة التعلم؟ لكل واحد سرعته. وأنا سأقبل سرعتي وأحترمها، وسأطلب من المدربة ألا تعبأ ببطئي ما دمت أتقدم. كنت أقول لها هذا الكلام عندما كانت تقارنني بغيري من المتدربات، حتى قلت لها ذات مرة “أنا اتعلمت مقارنش نفسي بحد لأن ربنا خلق كل واحد له قدراته، بس الكلام المفيد: هي فلانة اتعاملت مع خوفها إزاي؟”.
قررت أن أقبل شعوري بالخوف، وألا أنكره أو ألوم نفسي عليه، ولكن أركز على مستواي الحالي وأدفع نفسي خطوة واحدة للأمام. سأعلم أن خوفي زائد فقط عندما يجمدني مكاني. أنا شجاعة، ليس لأنني لا أشعر بالخوف، ولكن لأنني أشعر بالخوف، وأواصل التعلم.
قررت أن أشجع نفسي دون أن أنتظر تشجيعًا من أحد، وألا أدع الرغبة الطفولية القديمة في أن أثبت للآخرين أني “شاطرة” تحركني، وأن أقول “لا” لأي كلام محبِط. ذات مرة قالت لي المدربة “طول ما إنتي مش عارفة تتحكمي في الدريكسيون مش هتفلحي ومش هتنفعي”، فرددت عليها بتلقائية وثقة “لأ، هفلح وهنفع، ما أنا بتعلم أهو وبحاول”. وفي يوم آخر قالت لي “أنا بقيت أخاف منك يا هدى” أوقفت السيارة وقلت لها “أنا أصلاً خايفة، خوفك بيتنقل لي وبيزود خوفي. وعدم ثقتك فيّ بتقلقني لأنك إنتي اللي بتعلميني مش واثقة فيّ، فلو تحبي إحنا ممكن نوقف لحد كده”.
مع قرب انتهاء الدورة، أصبحت مدربتي أكثر إيجابية وتشجيعًا وتطمينًا وقبولاً. هذا على الرغم من أنها قالت لي ملاحظة غريبة، وهي أنني عندما تشجعني أتراخى. أنا أؤمن تمام الإيمان أن اللوم والتثبيط والانتقاص لا يأتي بنتائج إيجابية. وتفسيري هو الخوف من التراجع أو من عدم إتقان المهارات الجديدة التي تعلمتها، ما يجعلني أتراجع خطوة للوراء، ثم أستجمع شجاعتي وأواصل التقدم من حيث وقفت وليس من الصفر. وهذا يشبه كثيرًا ما يحدث في التعافي والتطور الذاتي، حيث يحدث بطريقة التقدم ثلاث خطوات والرجوع خطوتين، فتكون المحصلة أنك تقدمت خطوة وليس أنك لم تتقدم على الإطلاق.
ذلك لأن التعافي أصلاً يحدث على مراحل، حيث نعيد اكتشافنا لأنفسنا كل مرة على مستوى أعمق. نعم ربما يكون الواحد قد تغلب على خوفه في مساحة ما من حياته مثلاً، ولكنه يكتشف فيما بعد أنه لا يزال يخاف من أشياء أخرى غير تلك التي كان يخشاها في الماضي.
تجربتي هذه في تعلم القيادة جعلتني أكثر قبولاً لابنتي وتعاطفًا معها وهي تقول إنها لا تريد أن تذهب إلى الحضانة، ثم تعود منها سعيدة. شعرت بها لأنني وإن كنت أعود من حصص تعلم القيادة شاعرة بالقوة، إلا أنني أبذل مجهودًا نفسيًا وعصبيًا كبيرًا فيها. تعلمت أيضًا كيف أكون أكثر احترامًا لخوفها وأكثر قدرة على التعامل معه. فبعض المخاوف لا يكون واضحًا لصاحبها أنها غير منطقية كما يكون ذلك واضحًا للآخرين. لقد خبرت ذلك، وما كان يساعدني على تجاوز تلك المخاوف هو التحدث معي بشكل منطقي وهادئ، دون التهوين منها أو لومي عليها.
أحمد الله على ستره وعلى قوته التي أمدني بها، وأشعر بالامتنان لزوجي لدعمه، وأحيي نفسي على شجاعتي ومثابرتي ووعيي بنفسي. لقد كانت تلك الأيام العشرة خطوة في طريق تعلمي قيادة السيارة، وقيادة نفسي أيضًا.