صباح جديد وسؤال مكرر
تتسم هذه الفترة بالقلق وبمخاوف من الحاضر والمستقبل وكيف سيسير الأمر، وأحيانًا يبدو الأمر طبيعيًا ومنطقيًا، ولكنه فجأة يتحول لنوبات هلع وحالات من الفزع، فكيف يستقيم المشهد بين الخوف الصحي والحرص الضروري المبرر، والخوف الذي قد يصل عند البعض إلى حالة من القلق الشديد المرهق نفسيًا وجسديًا؟ لذلك علينا أن ننظر إلى الأمر عن قرب لنرى ما هو منطقي وما هو فائق لقدرتنا على التحمل.
صباح يوم من أيام الحظر وسؤال عن عدد حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19. كم وصلت عدد حالات الإصابة؟ وكم عدد الوفيات؟ ماذا قالت منظمة الصحة العالمية؟ هل هناك مصل قادم في الطريق؟ ولماذا لا تفرض الدولة الحظر الكامل؟ لا لن يفيد الحظر الكامل بل سيزيد الوضع الاقتصادي سوءًا. هذا الاسبوع هو أخطر أسبوع في انتشار الوباء. لكن نحن في أمان، الأرقام تدل على أننا ما زلنا في مرحلة القدرة على السيطرة. عدد الوفيات يزيد هذا يعني أننا في خطر، لا نحن من مجتمعات العالم الثالت ومناعتنا قوية وقد يرفق بنا القدر هذه المرة، لا بد أن نلزم البيوت، العمالة اليومية، شركات القطاع الخاص والخسارة الاقتصادية وتسريح العاملين، المؤامرات العالمية، مجهودات الدولة العظيمة، عدم التزام القادمين من الخارج بالحجر الصحي، قرارات وزير التعليم عن الامتحانات والمشروعات.
هل اكتفينا هذا الصباح أم ما زال هناك مجال لمزيد من الأسئلة والبحث؟!
ما هو الخوف الصحي وغير الصحي
متابعة الأخبار سلوك منطقي ولكن السماع لكل الآراء ومتابعة عشرات المصادر وتصديق كل ما يقال قد يؤدي إلى نوبات من الهلع المتتالية
الخوف يكاد يكون من أهم المشاعر لدينا، فأساس كل مجهوداتنا في الحياة هو الخوف، نحن نزرع ونبني ونتعلم ونعمل لخوفنا من المستقبل ومن الاحتياج، لذلك الخوف ضروري وبدونه ستختل نظم الحياة، ولكن ماذا يحدث إذا كان الخوف هو المحرك الوحيد أو هو الشعور المهيمن علينا؟ هنا أيضًا سيحدث الخلل، فهيمنة الخوف ستؤدي في النهاية إلى شلل في الحركة الجسدية وانهيار الصحة النفسية.
فمثلاً إجراءات الوقاية من المرض تستدعي غسيل الأيدي، لكن لا يعني هذا أن نغسل أيدينا بالصابون والكحول والكلور كل فترة زمنية قصيرة ونحن جالسون في البيت لم نذهب لأي مكان مشكوك في وجود إصابه به، فالحالة الأولى هي تجسيد للخوف الصحي من العدوى واتباع ما هو ضروري، أما الأخرى فقد تؤدي إلى هلع النظافة الذي يؤثر سلبًا على صحتنا، وضياع ساعات في محاولة السيطرة على المخاوف. أيضًا متابعة الأخبار سلوك منطقي ولكن السماع لكل الآراء ومتابعة عشرات المصادر وتصديق كل ما يقال بغض النظر عن موضوعيته قد يؤدي إلى نوبات من الهلع المتتالية.
خسائر الخوف غير الصحي
عادة تكون الخسائر معظمها على المدى الطويل، ولكن مع الخوف الذي يصل أحيانًا إلى مرحلة الهلع فخسائره أقرب، فعلى سبيل المثال لا الحصر، الخسائر الجسدية تبدأ باضطرابات النوم، اضطرابات المعدة، ضيق التنفس، شلل في حركة الجسم، آلام في عضلات مختلفة في الجسم مثل الظهر والكتفين والساق.
الخسائر النفسية تبدأ بتصارع الأفكار، فقدان الاتصال بالواقع، عدم القدرة على السيطرة على السلوكيات، العصبية، التجنب، العزلة، التهرب من المسؤوليات، وصولاً إلى نوبة هلع تجتاح الأخضر واليابس.
كيف نواجه الخوف غير الصحي
دعونا نعترف في البدابة أن تلك الفترة ضاغطة على الجميع، كل شيء يبدو غامضًا ولا توجد معلومة حقيقية عن ميعاد انتهاء الأزمة، لذلك فنحن في هذا الوضع معًا ولفترة غير معلومة، ولا بد أن نضع خطة لكيفية إدارة أنفسنا حتى وإن تطلب الأمر بعضًا من المجهود المرهق في البداية، فنحن نشعر جميعًا أن الجلوس في منازلنا كل هذه الفترة قد يقلل من دافعيتنا، الأيام تشبه بعضها والاختيارات التي نتحايل بها على الوقت تنفد، ولكن حقيقة الوضع أنه سيستمر لفترة، فماذا من الممكن أن نفعل؟
أولاً: الاسترخاء العضلي
قبل أن نفكر كيف ندير الأزمة لا بد أن نستعد بنفسية قابلة للتفاعل، وهنا يأتي دور الاسترخاء العضلي، وهذا يختلف بعض الشيء عن تدريبات التأمل، فتمارين الاسترخاء العضلي تعمل على انبساط العضلات التي تتفاعل مع القلق، مثل عضلات البطن والظهر والأكتاف والذراعين والساقين، كما تعمل على تنظيم التنفس بشكل يسمح بدخول كمية كافية من الأكسجين الكافي لتهدئه الشعور بالقلق، (هناك العديد من الفيديوهات التي تشرح تمارين الاسترخاء بشكل صحيح)، هذا التمرين لا يستغرق الكثير من الوقت، فمدته من 5 إلى 10 دقائق، ولكن سوف تشعر بعده بفرق ملحوظ في هدوء الأفكار والمشاعر والاسترخاء الجسدي.
لا تضع في خطتك اليومية قراءة كتاب، ولكن ورقة واحدة تكفي ليوم واحد وأخرى لليوم التالي
ثانيًا: لا تبدأ بخطة مكثفة
الكثير من الخطط لإدارة الوقت لا تستمر، بسبب أنها كانت من البداية مليئة بالأنشطة التي تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد، فلا تضع في خطتك اليومية قراءة كتاب، ولكن ورقة تكفي ليوم واحد وأخرى لليوم التالي، أو من الممكن تقريب المعنى لمثال قيادة السيارة، فمن الطبيعي أن تتحرك السيارة في البداية على السرعة الأولى، وإن حدث وحاولنا فجأة أن تنطلق على السرعة الرابعة فربما يحترق الموتور.
ثالثًا: خمس مجالات هي الأهم في يومك
1. صحتك
حاول أن تفعل أي شيء يخدم هذا المجال، ابدأ بالاهتمام بشرب المياه، أو إعداد طبق من الخضراوات. في يوم آخر حاول ممارسة تمرين لمدة ربع ساعة، أو لتكن رقصة على أغنية، وكما قلنا من قبل ابدأ ولو بشيء بسيط.
مكالمة يومية لصديق أو بعض من الفضفضة مع أحد افراد الأسرة يكفي لجعل يومك أفضل
2. المشاركة الاجتماعية
مشاركة مشاعرنا مع الآخرين يعتبر من أفضل طرق الوقاية من الاضطرابات النفسية، فالتعبير عن الضيق أو الغضب أو الخوف للأشخاص المقربين لنا بمثابة تنفيس صحي يساعد على التخفيف من حدة تلك المشاعر، فمكالمة يومية لصديق أو بعض من الفضفضة مع أحد افراد الأسرة يكفي لجعل يومك أفضل على مستوى الشعور.
3. التواصل الروحاني
فمهما كانت عقيدتك أو التزامك بطقوس هذه العقيدة، فالأهم هو وجود تواصل بأي شكل، الحديث مع الله وكأنه حاضر وقريب هو نوع من التواصل، التأمل، العبادات، قراءة الكتب المقدسة، الدعاء، فالتواصل الروحاني يجعلنا نشعر بالأمان والهدوء وأن هناك من نلجأ له ومن نثق بوجوده جانبنا.
4. التنمية المعرفية
اهتمامنا بزيادة المعرفة والثقافة بشكل عام يشعرنا بالإنجاز، فمعلومة بسيطة كل يوم أفضل من أيام تمر دون إضافة شيء جديد، كالفيديوهات التعليمية المبسطة، المقالات، بضع ورقات من كتاب مكتوب بلغة بسيطة، المناقشات الثقافية مع الأصدقاء، حضور المحاضرات والورش المتاحة بكثرة الآن من خلال مواقع التواصل.
البشر القادرون على الاستمتاع هم الأقل عرضة للانهيار والأكثر قدرة على العمل.
5. المتعة
الترفيه لا يعتبر مجالاً إضافيًا ليس له أهمية، فبعض من الوقت دون فعل شيء له قيمة غير البهجة والمتعة هو أمر ضروري، البشر القادرون على الاستمتاع هم الأقل عرضة للانهيار والأكثر قدرة على العمل.
فى النهاية القلق سمة طبيبعة لأي فترة ضاغطة، فلا داعي لمحاربته والقضاء عليه، فهذا الهدف يكاد يكون مستحيل الوصول إليه، ولكن التعامل مع الخوف والقلق برفق وبشكل تدريجي، والاهتمام بملء الوقت ليس بكم الأنشطة، ولكن بالكيفية والأثر الناتج عنها، قد يؤدي إلى مزيد من أيام الحظر الأقل قلقًا والأكثر شعورًا بالسكينة.
اقرأ أيضًا: تخلصي من القلق: 10 أشياء تشغلِك عن التفكير في كورونا