من قلب الليالي الصعبة.. وحتى نلتقي أوصيك بنفسك خيرًا

1676

بقلم: روهندا مجدي عوض

ها أنا أكتُب إليك ولأول مرة تتبعثر الكلمات يمينًا ويسارًا. بروحٍ هشة ضعيفة تتضرع لربها كل ليلة أن تكون في قوافل النجاة، يُطاردنا شبح الفراق كل يوم، إلا أننا نتماسك ونُحسِن الظن بالله. في الليالي الصعبة وضع غريب لم نُعاصره من قبل، ولم نألفه بعد ولا نعلم متى سينتهي وماذا ينتظرنا! تفصلنا آلاف الأميال عمن نُحِب بعد أن باعدت الغربة بيننا وبينهم، كلٌ منا على جبهته يترقبُ النتائج يومًا بعد يوم، نتبادل الرسائل والمكالمات الهاتفية في محاولة لتخفيف العبء.

طالت المدة وزاد الشوق لمن نحب، الجميع يترقب منتظرًا لم الشمل مرة أخرى. كل منا اشتاق إلى روتينه الذي لطالما شكى منه مئات المرات، الآن فقط أدركنا نعمة ما كنا فيه.

وماذا عن الأحداث المصيرية في حياة كل منا؟

الخطط طويلة المدى أصبحت سرابًا نراها كل ليلة ونُجدد الأمل فيها، إلا أننا لا نعلم متى يحين موعد تحقيقها في هذه الليالي الصعبة.

– أخي وصديقي في عامه الأخير في الجامعة. فشلت جميع مُخططاته لجعله ذكرى مُميزة، الآن لا يطمح إلا في شهادة تخرجه فاقدًا الأمل في حفل تخرج يليق به ويتوج مساعيه.

– أما عن صديقتي التي اقترب موعد زفافها تتحدث بيأس وقلق لم أعهدهما من قبل فيها، بعد أن توقفت كل التجهيزات. تُرى هل ستحتفل به كما يروق لها أم أن مصيره التأجيل؟

– وماذا عن صديقي الذي حصل مؤخرًا على شهادة إتمام الخدمة العسكرية، وقد انتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، الآن يجلس مُكبل  الأيدي، أي فرص عمل ستسنح له في هذا التوقيت الحرِج؟ وماذا لو طالت المدة أكثر وأكثر؟

اقرئي أيضًا: شكرا صديقتي: أجمل رسالة شكر لصديقتي الغالية

– على الجانب الآخر صديقتي تنتظر مولودها الأول خلال أيام، وسط تساؤلات عديدة عن كيفية الاحتفال بهذا الحدث، هل ستذهب الفئة المُقربة لتُلقي نظرة وتُبارك المولود بعد انتظار دام لأشهر، أم سيكتفي الجميع بمباركات تليفونية حرصًا على سلامتهم؟ هل ستشفع لنا غيابنا عنها في فرحتها الأولى بعد أن خططنا معًا لهذا اليوم؟

– والعطاء؟! ماذا عن الجيش الأبيض والجيش الأسود وجيش الحدود، هل تكفيه عبارات الشكر والمدح على صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات الإخباريه؟ لا والله، لم ولن تكفي أبدًا، فخلف الكواليس أُسرة كاملة تنتظر عودة بطلها بسلام، وتدعو الله كل ليلة أن يحفظه من كل سوء.

– وماذا عن جاري العزيز وقد هنأته قبل أشهر على افتتاح مشروعه الجديد، كيف ألقاه اليوم؟ أي كلمات ستُهدِئ روعه وتُطمئن قلبه؟ فهو لم يحصد ثمار جهده وتجارته بعد. الآن يجلس كل يوم في يأس وضعف ولا يتمتم إلا بالدعوات لله.

– أما عن صديقي الذي يُسدي نصائحه عشرات المرات كل يوم بضرورة الاستفاده القصوى من هذه الفترة، معه حق وأعلم جيدًا ضرورة ذلك وأغبطه على استمرارية إنتاجه، وحضور ذهنه، أشكر لك جميل صُنعك، ولكن دعني وشأني حتى أعود إلى كامل اتزاني النفسي والعقلي.

– وماذا عن فرق التطوع التي تبذل قصارى جهدها في هذا الوقت من كل عام لإطعام المساكين وتوفير احتياجاتهم قبل رمضان.

أعلم أن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة وعلى عاتقنا ايضًا، ومع ذلك لا زال البعض مُتخاذِلاً، يظن أن القلق سيُنقِص من مروءته شيئًا، والبعض الآخر كلما هممت بتوبيخه سألني بقلة حيله وصوت مُرتعِش: كيف تفرض عليَّ البقاء في منزلي دون عمل وأنا لا أملك قوت يومي، وأنت لا تملك حلاً بديلاً؟

– أما عن صديقي الذي يجلس على أريكته منذ أسبوع يحتسي كوب الشاي ويُتابع حلقات مسلسله القديم للمرة الثالثة، أعلم جيدًا أنك مللت وأن الفترة طالت، أنا أيضًا مللت كثيرًا ولكن لا تبتئس، فرمضان سيُحدِث الفارق ستهدأ نفسك ويطمئن قلبك، ويذهب همك وغمك.

– أما عن صديقي الذي يقرأ الآن، أشتقتُ إليك كثيرًا، وفي هذه الليالي الصعبة أوصيك بنفسك خيرًا.. إلى أن ألقاك مجددًا.

اقرأ أيضًا: الحب في زمن الكورونا: صور الفرج والرحمة من قلب الكارثة

المقالة السابقةأمهات في ليالي الحظر: لا يوجد متسع للضحك ولا البكاء
المقالة القادمةمع تصاعد مخاوف الحظر: ما هو الخوف الصحي وغير الصحي؟
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا