ياسمين
إن لنفسك عليك حقًا.
إحنا جينا الدنيا دي عشان نعيش مبسوطين>
إن لم تكن سعيدًا، فلن تستطيع أن تُسعِد غيرك.
هذه هي بعض الثوابت التي أومن بها، وأحاول أن أطبقها على نفسي من وقت لآخر، لأن “اللي ملوش خير في نفسه، ملوش خير في حد”، وبما أن فاقد الشيء لا يعطيه إذًا من حقي أن أمنح نفسي بعض البراح والمُتَنَفَّس كي أستطيع مواصلة الحياة في هذا العالم الجامد.
من هذا المنطلق تحمست كثيرًا حين رشحت لي صديقة ما ورشة سايكودراما، تقدمها الدكتورة سحر الموجي، التي أخبرتكم سابقًا كيف أعتبرها أمي الروحية. وبالرغم من شروط الورشة التي تتطلب تفرغًا شبه تام ثلاثة أيام متتالية، وهو الأمر الصعب بالنسبة لي باعتباري زوجةً وأمًا لطفلة عندها حضانة وتمارين بشكل يومي تقريبًا، لكني قررت منح نفسي إجازة من كل شيء هذه الأيام الثلاثة، على أمل أن أجد بالورشة ما تتغذى عليه روحي، فتعود لتتألق وتتفتَّح من جديد.. وقد كان.
ولكن قبل استكمال ما أحدثته بي الورشة وبعض مراحلها، دعوني أولاً أشرح لكم باختصار ما هي السايكودراما، وما الهدف منها.
السايكودراما هي مصطلح مَعنيٌّ إلى حدٍ كبير بالدراما النفسية، حيث العلاج النفسي باستخدام الدراما، إذ تلجأ إلى تجسيد المشاعر والانفعالات والمواقف التي يستحضرها أصحابها بطريقة مسرحية تجعل من الأسهل استكشاف النفس وفهم دوافعها ونقاط ضعفها، والأهم التصالح مع الكثير مما نعجز عن التصالح معه.
المحطة الأولى: لا أحكام ولا نصائح
نحن نحتاج إلى مرفأ آمن بلا أحكام ولا نصائح، فقط تَقَبُّل مُطلَق وغير مشروط.. حسنًا هذا هو أحد الأشياء المُلهمة والمهمة التي تُقدمها ورش السايكودراما لمن يحضرونها، بل هو أحد شروط الانضمام إليها، أن تجبر نفسك على عدم إصدار أحكام تجاه الآخرين مهما بدا منهم، وألا تقف منهم موقف الواعظ العلّامة، المُدهش أن الآخرين يفعلون معك الشيء نفسه.
ما يترتب عليه الشعور بأن مكان الورشة على صِغَره رحب تمامًا، إنساني عن جدارة، ودرامي بامتياز، فما أن يبدأ اليوم ونغلق خلفنا باب الحجرة حتى ينتابنا شعورٌ بالأمان والألفة، ويصبح بإمكاننا التعرِّي من كل الوشوش التي نواجه بها العالم، فلا نكون سوى أنفسنا الهشة والحقيقية دون قلق من نقد أو عدم تَفَهُّم. بالطبع الأمر ليس سهلاً، إذ يستلزم الكثير من التلقائية، وترك الروح والجسد حُرَّين يفعلان ما يحلو لهما، لكنه كذلك ليس مستحيلاً إذا ما تركنا أنفسنا على سجيتها.
المحطة الثانية: التلقائية هي رد فعل جديد لموقف متكرر أو رد فعل مناسب لموقف جديد
كان هذا هو ثاني درس تعلمته من السايكودرما، خصوصًا أنني طوال الوقت آخذ نفس ردود الأفعال ثم أنتظر بمنتهى الغشومية نتائج مختلفة، ومع عدم تحقق ذلك صِرت أقرب إلى الروبوت، الذي يتحرك ويتفاعل بل وينفعل دون أي شغف أو حماس.
لذا كان من المدهش أن أستمع لهذه الجملة، بهذه الصياغة الواضحة، فأضع يدي على شيء هام ينقصني رغم بديهيته.. التلقائية! لأعي أهمية التجاوب المختلف مع المواقف الحياتية على تكرارها وروتينها، حتى لا تنطفئ داخلنا جذوة الحياة دون داعٍ.
المحطة الثالثة: دايرة القوة
داخل كل شخص منا كَمٌّ هائل من القوى، تخيلوا أن نستحضر القوة الأهم لدى كل شخص من الحضور، ومن ثَمّ تجسيد تلك القوة بشكل ملموس ومحسوس ومُلوَّن، لنصبح في النهاية أمام دائرة كبيرة تندمج فيها كل الألوان معًا.
قد يبدو هذا الكلام نظريًا للغاية، أو روحانيًا جدًا، لكن وحدهم من كانوا هناك سيمكنهم استشعار الوجود الفعلي والحقيقي لكل هذا الكَم الهائل من الطاقات، حَد القدرة على الاستناد إلى قوى بعضنا بعض، فنستقوى بها نحن أيضًا مَن لا نملكها، والأهم استغلال تلك الدائرة فيما بعد في تفريغ أوجاعنا على من استشعرنا فيهم قدرتهم على تَحَمُّل ذلك بناءً على قوتهم الخاصة.
المحطة الرابعة: Cards Of Soul
في هذه المحطة تمنحنا المُدربة مجموعة كروت ذات أشكال معينة، وتسألنا أن نختار منها ما نشعر بأننا نتماهى معه وأنه يُشبهنا لأسباب تخُصنا وحدنا، بعدها نبدأ في وضع تلك الكروت بمكان مَرئي بحيث يُمكننا خلال الأيام الثلاثة إعادة مطالعتها والتعرُّف على مشاعرنا الجديدة تجاهها، مع التطور الذي تُحدثه فينا تلك الرحلة التي نقطعها داخل أنفسنا.
المحطة الخامسة: خريطة الروح
بورقة وقلم يقوم كل منا بشكل كروكي أو رُبما طفولي برسم خريطته الداخلية، واضعًا مشاعره وأحلامه، أو حتى رُبما ماضيه على الورق، تمامًا كما نرى أنفسنا في هذه اللحظة، تُجبرنا تلك الخطوة على الخروج من الصورة لبرهة ورؤية الحدوتة من الخارج.
ومع كل خريطة وطريق مُحتمَل تُضيئ لنا الأفكار عتمة المجهول الموحِش، فنتآنس بأرواحنا ونستمد الأمل من الذات، على أن نعود في نهاية الورشة لمعاينة نفس الخريطة بعد أن نكون قد قطعنا شوطًا أكبر مع أنفسنا أو فتحنا لنا سِككًا جديدة كنا ظنناها موصدة للأبد.
المحطة السادسة: Internal Family System
هذه المحطة تحتاج للشرح العملي أكثر منه نظريًا، لكن يكفي أن أخبركم أن بداخل كل فرد منا أجزاء كثيرة تُشَكِّلنا، بين الأجزاء التي تتحمل المسؤولية وتتحكم في مقاليد الأمور، وأخرى تُلهينا وتُبعدنا عما يُقلقنا فلا نواجه ونحترف الهروب.
هناك أيضًا الجزء المعني بالألم، والذي يحرص أغلبنا على إخفائه جيدًا، يأتي كل ذلك جنبًا إلى جنب مع الذات الأساسية، محور الأحداث والشاهد الداخلي الذي يرى بعين الراوي كل ما يجري داخلنا، فينقله إلينا دون أحكام أو تزييف.
هذه الخريطة نمتلكها جميعًا بطريقة ما، حتى أن البعض يُدركها وحده فعلاً، لكن الأمر أنها حين تُجسد أمامنا مسرحيًا لا يُمكن أن ننساها أبدًا، لتصبح الرؤية بعدها أوضح والتعامل مع أجزائنا الداخلية أكثر سلاسة وحرفية.
المحطة السابعة: يا أهلاً بالدراما
هنا تتجلى عبقرية السايكودراما، وشجاعة المرء لمواجهة عفاريته الخاصة، إذ يقوم البعض بتجسيد مشاهد درامية من حياتهم يؤديها أمامهم مشترك معه آخرون يختارونهم بأنفسهم، ثم يجلسون مع البقية يشاهدون الحدوتة لأول مرة دون أن يكونوا منغمسين فيها، ومع تداعِي المشاهد والمواقف تتغيَّر حال صاحب القصة، فيستدعي مشاعر ومواقف أخرى، ربُما هو نفسه لم يكن على دراية بوجودها داخله.
ثم حين تنتهي الدراما إن كان الشخص محظوظًا/ صادقًا بما يكفي سيجد نفسه شخصًا آخر خلاف من خاض التجربة بالبداية، ليشهد الجميع نقطة تحوّل فارقة ليست بحياة صاحب القصة وحده، بل وحياة كل من عايش الحكاية فتماس معها، أو حتى لمجرد كونه هناك شاهدًا على تلك المعجزة.
كل ذلك وأكثر اختبرته في ورشة السايكودراما التي تُقدمها مؤسسة دوم، يأتي ذلك مُغلَّفًا بتمارين وحركات توقظ الجسد من سُباته العميق، فإذا به هو الآخر كيان منفصل له متطلبات وأحلام وليس محض وسيلة انتقال نستخدمها.
كانت هذه هي طريقتي لتدليل نفسي هذا العام، وفي حين قد يجد البعض تلك الورشة لا تناسب نمط تفكيره، أو سترهقه نفسيًا أكثر، وجدتها أنا وسيلة عظيمة لإعادة اكتشاف الذات والتصالح معها، والأهم للتعامل مع روحي بطريقة مباشرة وعميقة كنت أحتاجها حقًا.