الخطوات ال20 لحب نفسك لأنها تستحق

1722

إهداء إلى نهى رضا

 

وأنا في الغربة، أرسلت لي نهى خطابًا ورقيًا طويلًا، جاء فيه كلام كثير جميل، ومن ضمنه نصيحتها بأن أحب نفسي. تعجبت، لكن قليلًا، ولم يكفني عجبي أن أحاول البحث أو سؤالها عن معنى ما قالته. بعدها بفترة، كتبت على مدونتي نادبة حظي العاثر في علاقاتي -هي من طرف واحد لكن دعنا نسميها “علاقات”– فردّت عليّ إحدى المتابعات برسالة طويلة فيها أن أحب نفسي أيضًا!

 

هنا ثُرت تمامًا، لأن هذه العبارة ليست أي كلام يقوله الناس وخلاص، لا بد أنها تعني شيئًا ما! وسألت جوجل العزيز، فآتاني بعدة إجابات، سأعرض قليلًا منها هنا، علّني أستفيد ولو حبة صغيرين.

 

مقدمة طويلة وبعض الأساطير:

أولًا: هناك فرق بين حبكِ لنفسكِ والغرور، بالعكس، فإن الغرور يعني أنكِ لا تحبين نفسكِ جيدًا، لأنكِ ساعتها لن تتقبلي النصيحة، ولن تعترفي بوجود جوانب من المستحسن تعديلها، ولن ترفقي بالآخرين، بينما حبك لنفسك يعني تقبّلك لها كما هي، بنقائصها واكتمالاتها، ثم يفيض جزء من هذا الحب على الآخرين.

 

نقطة أخرى مهمة عن الأساطير المتعلقة بحب النفس: أنكِ بمجرد سماعك لهاتين الكلمتين العطف والمعطوف عليه، ستثير في ذهنك إحساسًا مستهجنًا، نوعًا من “أحب نفسي؟ دي متستاهلش” أو “أنا وحشة أساسًا”، ويرجع هذا إلى امتلاء عقلك بأفكار شخصية هدّامة لجزء طويل من الوقت. التحسين الذاتي مهم وأساسي، نعرف ذلك، لكن مخاطبة نفسك بمقولات سلبية طوال الوقت لن يوصلِك إلى أي شيء.

تعرفي على: اساطير عن الحب لم تعرفيها

ثانيًا: يجب أن تحبي نفسك جيدًا حتى تأتي لكِ الثقة بها. أذكر في رواية “الباب المفتوح” للطيفة الزيات* أن حسين بعث بخطاب إلى ليلى، يقول لها فيه “وأنا أحبك وأريد منك أن تحبيني، ولكني لا أريد منك أن تفني كيانك في كياني ولا في كيان أي إنسان. ولا أريد لك أن تستمدي ثقتك في نفسك وفي الحياة مني أو من أي إنسان. أريد لك كيانك الخاص المستقل، والثقة التي تنبعث من النفس لا من الآخرين.

 

وإذ ذاك -عندما يتحقق لك هذا- لن يستطيع أحد أن يحطمك لا أنا ولا أي مخلوق. إذ ذاك فقط، تستطيعين أن تلطمي من يلطمك وتستأنفي المسير. وإذ ذاك فقط تستطيعين أن تربطي كيانك بكيان الآخرين، فيزدهر كيانك وينمو ويتجدد، وإذ ذاك فقط تحققين السعادة فأنتِ تعيسة يا حبيبتي، وقد حاولتِ، ولم تستطيعي، أن تخفي عني تعاستك.”

 

وبناءً على هذا، يجب أن تحبي نفسك لتستمدي من هذا الحب الثقة بالنفس، لقول وفِعل ما ترينه صائبًا، دون انتظار الموافقة من الآخرين أو الاستحسان من المجتمع. لذلك، لا بد أن تأخذي قرارًا واعيًا، قرارًا ترددينه بينك وبين نفسك، بأنك ستحبينها، وستفعلين اللازم لتقبلها وحبها كما هي، وستتوقفي عن إبداء الملاحظات السلبية في حقها.

 

ثالثًا: عندما لا تحبين نفسكِ، فإنكِ بهذا ترسلين رسالة للكون بأنكِ لا تستحقين الحب، ولا أي مشاعر إيجابية، وأنكِ كمٌ مهمل، وتودّين لو كنتِ لا مرئية، شفافة ينظر الناس عبرك. وبالفعل قد يفعل البعض هذا، وتجدينهم يأخذون بزمام المبادرة في حياتك الخاصة، كقول أبي لي إنه قدّم لي في شركة كذا التي افتتحت جديدًا في شارعنا، وقال لهم إني قد “أشتغل أي حاجة” لمجرد أن الشركة قريبة من المنزل! لم يأخذ رأيي، لم يصارحني، بل افترض أني سأقبل بناءً على معطيات في ذهنه، والتي قد لا تكون صحيحة في ذهني بالضرورة.

 

عبّري عن نفسك بقوة، تلك القوة التي تعكس حبّك لنفسك وسعيك للأفضل لها، وإيمانك أنكِ تستحقين الأحسن والأجود والأكثر، لمَ لا؟ هذا ليس طمعًا، أو هو طمع حميد، وما له؟ ما دمتِ لا تأخذين حق أحد أو تعتدين عليه، سو وات؟

 

الخطوات العملية لحب نفسك:

1- تقبلي نفسكِ كما هي، وارضي بحقيقة أنكِ غير كاملة. لا مانع من بعض النقائص أو الزلات الشخصية، فإن قبولك بأخطائك لن يعني أنكِ لن تغيري منها، بالعكس، هذا يشير إلى أنكِ رفيقة بنفسك على الرغم من كل عيوبها. أحبي نفسك بسبب الخير الذي ينبع منها والأفعال الطيبة التي تقوم بها. ذكّري نفسك بخصالك الحميدة، واعتزي بها. لا تضعي نصب عينك النقائص وتقولين هذا هو أنا، أو تلتفتي للسلبيات دون الإيجابيات. كوني عادلة، بحق الله!

 

2- قللّي من النقد الذاتي: إذا كان صوتِك الداخلي يقلل من قيمتكِ ويثير انتقاداتك اللاذعة عند أقل هفوة، فتعلمي ألا تنصتي إليه. أصوات مثل: “إنتي فاكرة نفسك هتفلحي؟ كان غيرك أشطر” أو “يا تخينة يا تخينة عمرك ما هتلاقي عريس”! توقفي عن أن تكوني مسيئة لنفسك! لو حاول الآخرون شيئًا ولم يفلحوا، ما العيب في تجربته أنتِ بنفسك؟ لربما تفلحين! ثم ما عيب زيادة الوزن؟ ما دامت لم تصل إلى حدّ خطر، من يريد أن يحيا حياة موديلات العرض من جوع مستمر وحرمان من أبسط الأشياء وأبهجها؟

 

3- فكّري في أن تصبحي حنونة وطيبة على نفسك، لأن وفقًا لهذه الأفكار ستبدئين في اتخاذ خطوات إيجابية نحو دعم قرارك وتمكين ذاتك.

 

4- اعترفي بمجهودك. لا يهم أن تصلي إلى القمة، بل المهم ما يحدث أثناء السعي لبلوغها، فلو لم تطاليها ما المشكلة؟ المهم أنكِ قمتِ بما عليكِ، وبذلتِ أقصى جهدك، وأرضيتِ ضميرك. سو وات؟

 

5- تخلصي من القلق الدائم بخصوص كل شيء. تذكري أن القلق لن يخلق الأشياء ويجعلها تحدث، بل أفعالك هي ما تقوم بذلك! تذكري: “اشتغلي” بدلًا من “اقلقي”. لو مسألة القلق المستمر خارجة عن إرادتك، اطلبي مساعدة متخصص، وبدلًا من القلق، فكري فيما يمكن عمله لتحسين الوضع.

 

6- ثقي في نفسك. ضعي ثقتك في قدراتك تملكين الكثير منها. يعني أنا مثلًا، لم أكن أعلم أني يمكنني الكتابة، حتى نشرت لي “الشروق” أول مقال، وأعجب الناس جدًا. أنا نفسي اندهشت، لم أكتب شيئًا استثنائيًا! لكن العملية كلها، الكتابة ووضع أفكاري في صيغة كلمات، البحث قليلًا، إعادة الصياغة، ثم إثارة انتظار النشر.. كل هذا أخبرني: نعم يمكنني أن أكتب! ليه لأ؟

 

يمكنكِ أن تحدثي تغييرات مهمة، حتى لو على مستوى المحيط الصغير الذي تحيين فيه. تغيير بسيط في الديكور، نبتة جديدة، حتى لو كانت نعناعًا أو نوعًا من البصل الأخضر، تغيير لمبة، قراءة كتاب جديد ومنعش.. يمكنكِ دعم نفسكِ بتصوّر النتائج المرجوّة، فستحفزّك على تحقيقها. ليه لأ؟

 

7- وهذه نقطة مهمة جدًا: سامحي نفسكِ على كل أخطائك الماضية، وعلى ميراث طفولتك. ليس بيدك تغيير الماضي، تذكري هذا جيدًا. ما حدث قد ولّى، وما يتبقى منه محاولة تعلّم ألا يقع مثله ثانية، وذكرى بيدكِ أن تجعلينها عادية، أو ممضة. 

 

بالنسبة إلى ميراث طفولتك: لا تعاقبي نفسك على أخطائك، والأكثر أهمية: لا تعاقبيها على أخطاء الآخرين! كل ما تعرضتِ له من إساءة معاملة، حتى بمجرد الصراخ في وجهك، ليس خطئك، ولن تُلامي عليه. حاولي التصالح مع الماضي، وابحثي عن كيف تُصالحين الطفلة بداخلك عن كل ما حدث في حقها.

 

8- كوني أمينة وصادقة مع نفسكِ حيال مشاعرك. لا تكذبي على نفسك أو تدفني مشاعرك السلبية، وبدلًا من ذلك، فإن الاعتراف بما تشعرين به يعرّفك على أفكارك، الأمر الذي يمكنك من تغييرها، وبهذا يحدث النضج العاطفي والنمو الذاتي. تذكري أن الأفكار تولّد المشاعر، وبتغيير الأفكار تتغير المشاعر. وبشكل عام: متزعليش.

 

9- اعلمي أن الله يحبك. هناك مجادلات كثيرة حول صحة هذه المقولة، لكن تفنيدها والبحث فيها ليس مجالنا حاليًا. فلنفترض صحتها: الله لم يخلقنا ليعذبنا، وأنه تعالى راحمنا في الدنيا والآخرة. حاولي أن تحبي المخلوق الذي من كثرة حب الله له خلقه لكي ينظر إلى وجهه تعالى في الآخرة، وينعم بصحبة رسله في الدار الباقية. فكّري في هذه العبارة واتخذي قرارك.

 

10- أعيدي صياغة كل الجمل السلبية التي تأتي على بالك بخصوص ذاتك إلى جمل إيجابية، وكرريها على نفسكِ بصوت عالٍ عدة مرات في اليوم. ستصدقينها، وستتصرفين بناءً عليها. جرّبي.

 

11- عبّري عن امتنانك. يمكنك أن تشعري بالامتنان لأنكِ بخير وما زلتِ حية، وهناك الكثير في استطاعتك تقديمه لتغيري حياتك نحو الأحسن.

 

12- احمي أحلامك وحاولي تحقيقها. ليه لأ؟

 

13- استرخي. خصصي وقتا لحمّام طويل دافئ مع أملاح البحر مثلًا، أو بعبوة شاور جيل جديدة رائحتها أعجبتك جدًا في السوبر ماركت فقررتي شراءها، أو مع تشغيل موسيقى هادئة تُشعرك أن كل شيء تحت السيطرة، والأفضل ممكن دائمًا.

 

14- اعتني بجسدك: كُلي جيدًا ونامي جيدًا ومارسي التمرينات الرياضية. ضعي الكريمات المرطبة وشيئًا من الألوان في وجهك وأظافرك كل حين وآخر، تعطّري بالروائح الطبيعية مثل الياسمين أو الفلّ أو الريحان، ابتسمي لوجهك في المرآة كثيرًا وقولي لنفسك بأنكِ جميلة، لأنكِ حقًا كذلك.

 

15- اعطي لنفسك إجازة، فعندما يكون قلبكِ مثقلًا تكون السلبية هي السائدة. لمحمود درويش بيتًا شِعريًا يقول فيه: “إن نظرتَ إلى وردةٍ دون أن توجعكْ/ وفرحتَ بها، قل لقلبك: شكرًا!”. خذي هدنة من الحياة وعالجي قلبك بكلام طيب وأفلام جميلة وموسيقى مفرحة، وستصبحين بخير. لو لا، اطلبي مساعدة متخصص. ما عيب الأطباء النفسيين؟

 

16- توقفي عن أن تطلبي الرضا والاستحسان من المجتمع حولكِ على كل أفعالك. المجتمع يشمل أسرتك في المنزل وزملاء العمل أو المدرسة وصولًا للرجل الذي طلع الميني باص بعدك وحدجك بنظراته. تذكري قصة جحا وحماره، ومقولة “الناس عمرها ما كانت مبسوطة” في مسرحية تخاريف.

 

17- حاوطي نفسكِ بناس حلوة. اقطعي فورًا أي علاقة لكِ بأي بطيخة قرعة تقلل من قيمتك باستمرار أو تقارنك بآخرين أحسن منكِ أو أطول منكِ أو أنجح منكِ أو عندهم أولاد أكثر منكِ. تذكري أنكِ نسخة وحيدة من نفسك، نسخة حصرية وأصيلة، ولستِ تقليدًا لأحد. فكوني نفسكِ، ولتجتذبي لدائرتك المحبين العطوفين المعترفين بالاختلافات الشخصية والحق الإنساني في التميز والحب والرعاية.

 

18- اشتغلي ما تحبين. اتركي الأعمال التي تكرهينها ولا تقولي “عشان عايزة فلوس”. ابحثي جيدًا، ستجدين شيئًا ما يناسبكِ، لو لم يكن في هذه البلد، فأرض الله واسعة.

 

19- في مقال سابق لغادة محمود، قالت إن الصورة النمطية للأم المصرية هي المرأة العاملة في طاحونة البيت والأولاد وعملها الخارجي والزوج الذي لا يرضى والأم الناقدة، دون وقت لنفسها. لو نشأتِ على أن سعادة الآخرين هي المهمة وتجاهلتِ نفسكِ، فقد حان الوقت للتغيير. نفسكِ مهمة مثل الآخرين أو أكثر أهمية منهم، حتى لو كانوا أولادك. اقتطعي وقتًا لكِ للتعبير عن حبكِ لذاتك، مثل ممارسة هواياتك كالقراءة أو الرسم أو التطريز، وزوري صديقاتك باستمرار دون اصطحاب الأولاد لتتمكني من الكلام بحرية، وخذي تمشيات طويلة في مكان صالح للمشي مثل حديقة أو كورنيش نهر أو بحر. مارسي التأمل بكثرة وحاولي أن تكتبي، الكتابة ترتب ما بالدماغ من أفكار.

 

20- وهذه نقطة في غاية الأهمية: بسبب الأحداث الظالمة التي تقع في بلد تقتل أولادها، يصاب بعضٌ منا باضطراب كرب ما بعد الصدمة، أو اعتلال نفسي آخر يشبهه. في هذا الاضطراب يتغرّب الشخص عن نفسه تمامًا، إذ تبدو ككيان منفصل عنه، وينسى ما كان يحبه أو لا يحبه، ينسى مفضلاته الشخصية وما يريد تحقيقه ومن هو في أصل الأمر. وربما يتجه نحو كراهية نفسه، لأنها “بهذا الضعف” الذي سمح لها بأن تتأذى من أفعال شخص أو آخر. تلك العِلة لا بد من معالجتها عند طبيب نفسي متخصص، حتى يتمكن صاحبها من معاملة نفسه بشيء من الرفق، وقد ينتج عن العلاج حبه لنفسه “على ضعفها” وبشريتها العادية.

 

هيييه! انتهى المقال.. بس كده خلاص.

__________________

* ترد هذه الرواية والفيلم المقتبس عنها في كتاباتي كثيرًا لأني تأثرت بهما جدًا، وجاءتني في وقت كنت محتاجة إليها جدًا، جدًا. فمعلش، لا أقصد أن أثير مللك، فاحتمليني قليلًا لو سمحتِ.

المقالة السابقةبابا حبيبي.. رسالة من أعماق قلبي إلى بابا حبيبي
المقالة القادمةإزاي تخليك في حالك؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا