التعلُّق

102

 

بقلم: رفيق رائف

 

كثيرًا ما يتم لصق ملصقات خاطئة على الاعتمادية؛ بوصفها غير صحيَّة على الدوام، وكأن الإنسان يجب أن يكون مُستقلًا بذاته غيرَ محتاج لأيّ أحد في أي وقت.

وننسى أنَّ هناك أشكالًا كثيرةً للتعلق وللاعتمادية؛ فهناك اعتمادية صحية، وهناك أشكال للتعلق مختلفة .. وكل شكل للتعلق يحمل بداخله مخاوفه، ويحمل احتياجاته أيضًا؛ فلا يجب أن نتسرع لوصف علاقاتنا بأنها اعتمادية أو أنها مريضة، فقط لأن بها بعض أشكال التعلق .. فالتعلق طبيعة إنسانية  نحيا بها جميعنا، وإذا ما وُجد إنسان بدون أشياء أو أشخاص يتعلق بهم، فلابد أن به خللًا ما.

الفكرة -يا صديقي- هي التعامل مع نمط التعلق الخاص بك، وأن تجعله أكثر فاعليةً لك في العلاقات. فكلما كان الأشخاص يعتمدون على بعضهم بكفاءة وفاعلية (Effective Attachment)؛ شجَّعَهم ذلك على الاعتماد على نفسهم أكثر، وعلى أن يصبحوا في سلام مع احتياجتهم أكثر.

فاعلية التعلق قد يكون لها أشكال كثيرة؛ فهي تشبع الإنسان، وتطمئنه أن هناك أشخاصًا يمكنه أن يعتمد عليهم، وتشجعه على طلب المساعدة والمعونة منهم. تذكَّرْ: التواصل الآمِن مع الآخر يشعل تواصلًا آمنًا داخل الإنسان نفسه.

أما عن أنماط التعلق؛ فهي تدل على الطرق التي تعوَّدنا أن نتعامل بها مع العلاقات القريبة والحميمة منذ صغرنا. هناك ثلاثة أنماط عامة للتعلق: تعلق آمِن، تعلق قَلِق، وتعلق تجنُّبي. هدفنا في القطع القادمة إضفاء لمحات على كل نمط؛ حتى نستطيع فهم أنفسنا، وفهم ديناميكيات علاقاتنا، وبالأخص تلك الحميمة منها.

وهذه الأفكار مترجمة من كتاب Attached للكاتبين “أمير ليفين” و”ريشيل هيللير”. هي مجرد أفكار مختصرة فلا تشخِّصْ نفسَك من خلالها، فقط استعملها للرؤية والتفكير، وتذكَّرْ: الإنسان أغنى بكثير من النظريات.

 

  •       التعلق القَلِق

يحب الإنسان أن يكون قريبًا جدًا -وباستمرار- من شريكه في العلاقة. يستطيع أن يقترب بعمق من شريكه، لكنه يخاف -معظم الوقت- أن يكون شريكه غير راغب في نفس درجة القُرب منه. تستهلكه العلاقات كثيرًا، وتشغل باله معظمَ يومه. يكون الإنسان حسَّاسًا جدًا لأية تغيُّرات قد تحدث في مزاج شريكه أو في أفعاله. كنتيجة لذلك، قد يقول أشياء يندم عليها لاحقًا (قد يهاجم الآخر على عدم اهتمامه به عند أول بادرة لذلك).

إذا كان الشريك الآخر قادرًا على توفير الأمان والطمأنينة الكافيين؛ فإنه يستطيع شيئًا فشيئًا أن يشعر بالشبع، وبالتالي بقلق أقل تجاه العلاقة وتجاه فقدان شريكه.

 

  •       التعلق التجنُّبي

في ذلك النمط، يكون من المهم جدًا للإنسان أن يحافظ على استقلاله. وفى الأغلب، يفضل ذلك الاستقرار عن العلاقات الحميمة. بالرغم من رغبته في أن يكون قريبًا من الآخر؛ إلا أنه يشعر بعدم الراحة عندما يقترب منه ذلك الآخرُ أكثرَ من اللازم، ويميل إلى أن يبقى شريكه على مسافة منه. لا يقضي الكثير من الوقت في التفكير في العلاقة، أو في القلق عمَّا إذا كان مرفوضًا من قِبَل شريكه. يميل إلى عدم مشاركة دواخله كثيرًا، وبالتالي عادة يشعر القريبون منه بأنه بعيد عاطفيًّا عنهم.

 

  •       التعلق الآمِن

يستطيع الإنسان -بسهولة- أن يكون دافئًا ومُحبًّا في علاقاته. يستطيع أن يستمتع باختبار الحميمية والقُرب بدون أن يُغرق في قلق مُزمِن عنها. يأخذ الإنسان علاقاته على محمل الجد، لكنه لا ينزعج منها بسهولة. يستطيع التعبير عن احتياجاته من الآخر ومشاعره تجاهه بحرية، ويستطيع أن يلحظ استجابات شريكه المختلفة له. يشارك الأشياء الجيدة والسيئة مع شريكه، ويستطيع أن يكون متاحًا عندما يحتاجه شريكه.

 

تذكَّرْ أنَّ:

تاريخنا في العلاقات القديمة منذ الصغر يُشكِّل -بشكل كبير- علاقاتِنا الحالية، ويُشكِّل كيفية تفاعلنا مع مخاوفنا ومع احتياجاتنا في تلك العلاقات. ما سبق مجرد علامات على الطريق حتى تتبصَّرَ عن نفسك وعن علاقاتك، وليست دعوةً للصق علامات على نفسك أو إحساسك بالخزي. إذا ما كان لديك مشكلة في علاقة ما، ربما لا تكون تلك مشكلة بك أو بشريكك، بل قد تكون مشكلة مخاوفك التي لم تجد طمأنينةً لها في الأساس، ربما تحتاج أن تتعامل مع مخاوفك بشكل مختلف، أو أن تجد شريكًا لا يشعل كل هذه المخاوف بداخلك. وربما كانت المشكلة في التفاهم على حجم وشكل المساحات التي بينكما. علاقاتنا معقدة لأنها غنية، لأنها مرايا لما بداخلنا من تعقيدات وخيوط شتَّى. فلا تتعجَّلْ بالحُكم على علاقاتك، بل حاوِلْ أن تفهمَها. وأول تلك العلاقات التي تحتاج أن تفهمها هي علاقتك بنفسك.

 

المراجعة اللغوية/ عبد المنعم أديب.

المقالة السابقةسينجل يحتفل بالفلانتين
المقالة القادمةالحب وسنينه

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا