“الحديث عن أحزانك يمكن أن يساعدك على التخلص منها”. تعتبر هذه هي العبارة الأشهر تداولاً في مراكز الإرشاد النفسي وبين المرشدين الروحيين وفي حلقات الدعم النفسي، على الرغم من أن العبارة تبدو منطقية وسهلة التطبيق ونتائجها مضمونة، على الأقل في تخفيف ثِقل المشاعر السلبية التي تمرين بها، فإن الحقيقة عكس ذلك، هناك ما يدفعك للصمت وتجاهل كل ما يحدث، فبدلاً من البوح بما يدور بداخلك وطلب الدعم تجدين نفسك قد لجأتِ إلى بعض الحيل النفسية، كالإنكار والانسحاب والعزلة، لكن ما الذي يدفعك لإخفاء مشاعرك والخوف من البوح بها؟
ما الذي يدفعك للصمت؟
القبول الاجتماعي:
أحيانًا قد تدفعك رغبتك في أن تكوني شخصًا مقبولاً من الأشخاص المحيطين بك إلى كتمان مشاعرك السلبية وعدم البوح بها، خوفًا من أن تقللي رصيدك من الحب والاحترام لدى الآخرين، خصوصًا إذا كان الأمر متعلقًا بالحديث عن أمور قد تعتقدين أنها مشينة أو مخجلة، الصمت عن البوح بما يثقل صدورنا على حساب ذواتنا وصحتنا النفسية.
عليهم أن يعرفوا بمفردهم
الخطأ الشائع الذي تقع فيه معظم النساء، هو توقعهن أن الآخرين على دراية بما يدور بداخلهن، كيف يشعرن وماذا يحتجن وما الذي يؤلمهن، على الرغم من عدم إفصاحهن عن مشاعرهن، لذلك يفضلن الصمت ويجدن مبررًا له، ومع ذلك يشعرن بالاستياء لأن الناس لا يهتمون باحتياجاتهن ومشاعرهن، مما يدفعهن للمزيد من العزلة والصمت.
الخوف على صورتنا الإيجابية
يعتقد البعض خطأ أن مشاعر كالغيرة والكُره والقلق والغضب مشاعر مشينة لا يجب الإفصاح عنها، والحل الأنسب في التعامل معها هو إخفاؤها وعدم الإفصاح عنها، حتى نحافظ على صورتنا الإيجابية عن أنفسنا، إلا أن التعامل بهذه الطريقة سيجعل الأمور تسوء. مشاعر كالغضب والغيرة والكُره مشاعر طبيعية يشعر بها الجميع، وما عكس ذلك سيكون ضد الطبيعة البشرية والفطرة. الحل الأمثل للتخلص منها هو التعبير عنها ومشاركتها مع من تثقين بهم، حتى لا تصبح جزءًا من شخصيتك.
عدم الثقة بالنفس
عدم الثقة بالنفس وتدني احترام الذات من الأمور التي قد تدفعك إلى تفضيل دائرة الصمت واعتبارها دائرتك الآمنة، اعتقادًا منك أنه لا حق لك في التعبير عن مشاعرك وطلب المساعدة والدعم من الآخرين، بل يجب عليك دائمًا العمل على إرضاء الآخرين وتلبية توقعاتهم.
الشعور بالإحباط واليأس
الشعور بأنه لا فائدة من الحكي والبوح لأن شيئًا لن يتغير، يزيد الأمور سوءًا ويجعلها تتفاقم. حالة اليأس والاستسلام هذه ستدفعك للتمسك أكثر بالصمت وكتم مشاعرك، والذي بدوره سوف يؤثر على سلامتك النفسية.
الخوف من المواجهة
ابتلاع مشاعرك السلبية قد يجعلك في مأمن من الصراعات والضغوط النفسية، ربما لفترة بسيطة، لكنه مع الوقت ستزداد المشكلات في التعقيد، فالخوف من الإفصاح عن المشكلة لن يساعدك على حلها، كما أن الخوف من التعبير عن مشاعر الغضب من تصرفات الآخرين لن يجعلهم يحسنوا إليكِ. واجهي وعبري عن نفسك.
كيف نتغلب على الخوف من الحكي؟
الذكاء العاطفي
القدرة على صياغة المشاعر والتعبير عنها بدقة مهارة لا يتمتع بها الكثير، إلا أنها أهم خطوة في طريق سلامتك النفسية والصحية، وتساعدك على البوح والتعبير عما يزعجك، وترتيب مشاعرك والتخلص من المشاعر السلبية ودعم نفسك.
يطلق على القدرة على تحديد المشاعر والتعبير عنها مصطلح “الذكاء العاطفي”، بالنسبة لمعظم الناس، فإن الذكاء العاطفي (EQ) أكثر أهمية من ذكاء الشخص (IQ)، خصوصًا في تحقيق النجاح في الحياة الخاصة والمهنية. نشأ مصطلح الذكاء العاطفي بالأساس عام 1990 على يد عالمَي النفس “ماير” و”سالوفي”، ولاقى شهرة واسعة في العام 1995، بعد أن نشر الكاتب “دانيال جولمان” كتابًا بعنوان الذكاء العاطفي.
كيف يساعدك الذكاء العاطفي في التعبير عن مشاعرك؟
نشرت جامعة هارفرد دراسة للدكتور “هوارد غاردنر”، توضح أن للذكاء العاطفي عدة مهارات أساسية، هي التي تساعد الفرد على ترتيب مشاعره والوصول إلى مرحلة البوح والتعبير عنها بمنتهى الوضوح والدقة.
مهارات الذكاء العاطفي (EQ)
1- الوعي الذاتي
القدرة على التعرف على العاطفة وتحديد ما تشعرين به بدقة، يعتبر المفتاح الحقيقي للوعي بذاتك ومشاعرك الحقيقية، ويساعدك على تقييم عواطفك، وعدم المبالغة سواء بتضخيمها أو تسطيحها وتجاهلها، الأمر الذي يجعلك أكثر قدرة على التعبير والبوح بها بسلاسة. وللوصول إلى تلك المرحلة لا بد أن تمرين بعدة مراحل، كالوعي العاطفي، وهو القدرة على معرفة مشاعرك، سواء كانت غضبًا أو كرهًا أو خوفًا، بالإضافة إلى مرحلة الثقة بالنفس واحترام الذات، فيجب أن تكوني على يقين بأن المرور بمثل تلك المشاعر أمر طبيعي ولا يقلل من احترامك لذاتك أو احترام الآخرين لك.
2- السيطرة على مشاعرك
هناك بعض الأحداث التي يمر بها الإنسان تجعله ينغمس في مشاعر معينة كالغضب والقلق، في هذه الحالة يجب أن توجهي سؤالاً واحدًا إلى نفسك: متى سينتهي كل هذا؟ لذلك يجب عليكِ أن تلجئي لبعض التقنيات التي ستساعدك في التخفيف من مشاعرك السلبية، كإعادة صياغة المشكلة بشكل إيجابي، التعامل معها بمرونة، محاولة استقطاب أفكار جديدة تساعدك على تجاوز تلك المرحلة.
3- الدعم
من المهم لكِ أن تتعرفي على من هم دوائرك الآمنة، من هم مصادر الطاقة والدعم الإيجابي لكِ، المشاعر الإيجابية التي ستحصلين عليها من الأشخاص المحيطين بك تعتبر هي المحرك الأساسي لتعزيز ثقتك بنفسك وقدرتك على صياغة أفكارك والتعبير عنها بشكل أفضل.
4- المهارات الاجتماعية
إن تنمية المهارات الشخصية الجيدة هي بمثابة النجاح في حياتك الخاصة والمهنية، القدرة على التواصل مع الآخرين بشكل أفضل ستساعدك على إيجاد دوائرك الآمنة واختيارهم بشكل صحيح.
نصيحتي الشخصية لكِ: لا تبكي في الحمام
في كثير من الأوقات نحتاج للتعبير عن مشاعرنا، لكننا نخشى الضعف والعجز وأن تخوننا الكلمات، فنذهب إلى “الحمام”، دائرة كل النساء الآمنة، نبكي ونرفض المواجهة والبوح، إلا أن الصمت والحزن والبكاء لا يولد إلا الحزن والأفكار المشوهة.
دعي مشاعرك تخرج وتتدفق، تخلصي مما يؤلمك، أفسحي المجال لولادة مشاعر إيجابية، مرني نفسك على الحكي، سواء من خلال الكتابة، أو لغة الجسد، أو التحدث مع أشخاص آخرين.
لا تتحدثي فقط عما يزعجك، تحدثي عما يلمسك ويسعدك، حققي توزانك العاطفي، خذي الوقت الكافي لإخبار نفسك والآخرين بأنك سعيدة، ابذلي قصارى جهدك، ليس بالضرورة أن تكون الأحداث السعيدة أشياء خارقة، قد يستغرق الأمر بعض الوقت لتنمية هذه العادة، إلا أن الأمر يستحق الانتظار والمحاولة.. لا تقللي من قيمة الحكي والبوح، بالكلام أنتِ لا تفتحين فمك فقط، أنتِ تفتحين قلبك وتطمئنين روحك.
مرجع 1
مرجع 2
https://psychcentral.com/lib/what-is-emotional-intelligence-eq/
https://www.psychologytoday.com/us/blog/emotional-fitness/201311/dont-bury-your-feelings