“أزمة منتصف العمر”.. حائرات في منتصف الطريق

935

تظل فترة العشرينيات هي الفترة التي تكون فيها النساء مفعمات بالأمل والطموح والرغبة في السفر والحب والعمل والمال، وتجربة كل شيء، إلى أن تأتي الثلاثينيات، والتي يعتقد البعض أنها فترة تقييم لما قمن به في العشرينيات والقيام بأشياء لم يجربنها بعد، وإتمام أشياء شرعن فيها من قبل، أو تغيير مسار الرحلة ككل، إلى أن يصلن إلى مرحلة الأربعينيات، منتصف الرحلة، منتصف ما كن يعتقدن أنه من عشرين عامًا المستقبل البعيد.

 

الآن وهن في الأربعينيات ماذا تبقى لهن من الصورة الإيجابية والإنجازات التي خططن لها في السابق؟ ماذا تبقى لهن من شغف العشرينيات ومثابرة الثلاثينيات؟ ما هي درجة رضاهن عما فعلن؟ هل حققن ما أردن؟ الأربعينيات هي المرحلة التي سيجدن أنفسهن محاطات فيها بهذا الكم من علامات الاستفهام، دوامة من الأسئلة حول أوضاعهن وجدوى حياتهن وعلاقاتهن.

 

في علم النفس يُعرَف هذا الشعور “بأزمة منتصف العمر”، وعادة ما تبدأ هذه المرحلة مع بداية الأربعينيات وتمتد إلى منتصف الستينيات، وبحسب تعريف “كارليونج” الطبيب النفسي السويسري وأول من أشار إلى ذلك الشعور، فإن هذه المرحلة تعد عملية طبيعية من عمليات النضج، فمعظم النساء يواجهن نوعًا من التحول العاطفي خلال تلك الفترة من الحياة، التحول الذي قد يدفعهن إلى تقييم حياتهن ككل، بالإضافة إلى رغبتهن المُلِحَّة في إجراء بعض التعديلات عليها.

 

لحظة التغيير

في الحقيقة إن لحظة التغيير لا تأتي من فراغ، فوفقًا لعلماء النفس هي لحظة مؤجلة منذ أواخر العشرينيات أو نهاية ما يسمى “ببداية سن البلوغ”، تلك اللحظة التي تتخلى فيها النساء عن أفكارهن السحرية التي كانت تميزهن طوال فترة الطفولة، عالم الأحلام الجميل، بل هي أيضًا لحظة نهاية الأفكار المتمردة، التي كانت تسيطر عليهن طوال فترة المراهقة، فترة التمرد على الآباء والأمهات وتكرار عبارات مثل “لن أصبح مثلهم أبدًا”، في هذه الفترة يجدن أن أحلام الطفولة والمراهقة تتبخر، يجدن أنفسهن في مواجهة مباشرة مع الحقائق القاسية “لحياة الكبار” (الحياة التي لم يعتقدن أبدًا أنها ستصبح حياتهن) كضغوط العمل والمسؤولية والأبناء.

 

بداية الأزمة

تبدأ الأزمة الحقيقية للنساء تحديدًا عندما يبدأ الأبناء في التقدم بالسن والانفصال التدريجي وتكوين حياتهم المستقلة، أو عندما يتوقف هؤلاء النساء قليلاً ويتخففن من أعباء العمل وصراعاته، حينها يصبح هناك متسع من الوقت للنظر في المرآة، فيتفاجأن بظهور خطوط العمر وخصلات الشعر الأبيض التي غافلتهن في خضم صراعاتهن اليومية، ومع أول صافرة إنذار تطلقها أجسادهن معلنة دخولهن مرحلة عمرية مختلفة (كانقطاع الدورة الشهرية)، مما يعني الكثير من التغيرات البيولوجية والنفسية، ما يدفعهن لإعادة حساباتهن في كل شيء مررن بيه طوال تلك الرحلة.

 

بالنسبة للنساء العاملات فسيجدن أنفسهن أمام تساؤل، هو: ماذا قدم لي العمل؟ ما الذي حققه لي على صعيد الإشباع النفسي والرضا؟ في المقابل ستواجه النساء ربات البيوت تساؤلات من قبيل كيف تركت حياتي تمر ما بين المطبخ والتنظيف دون أن أفعل شيئًا ذا قيمة لنفسي؟

 

كيف تحمين نفسك من نفسك؟!

هي لحظة فاصلة ستشعرين فيها أنك فقدتِ نفسك وعليكِ استرجاعها بأي شكل، حتى لو اضطرَّك الأمر إلى التضحية، والخروج من البقعة الآمنة التي حافظتِ عليها طوال سنوات عمرك المنصرمة، هذا الشعور قد يدفعك للاكتئاب والشعور بالفشل والرغبة في الهروب لإيجاد نفسك الحقيقية، في الحقيقة لا أحد ينكر عليكِ هذا الحق في التغيير والبدء من جديد، ولكن لا تدعي ذلك الشعور يدفعك إلى التقليل مما قمتِ بإنجازه.

 

اجعلي نفسك سيدة الموقف.. اجعليها لحظة لصالحك، لا تطلقي عليها “أزمة”، إنها لحظة تغيير وترتيب أوراق، فقط عليكِ ألا تغرقي نفسك في مشاعرك السلبية، ابدئي بالقراءة المتخصصة عن تلك المرحلة، افهمي ما سوف تمرين به على المستوى البيولوجي والنفسي، استشيري طبيبًا نفسيًا إذا لزم الأمر؛ عدم فهمك لما سوف تمرين به من الممكن أن يدفعك لاتخاذ قرارت حاسمة للتغيير قد تضر بحياتك وتصيبك بالندم لاحقًا.

 

اهتمي بنفسك، لا تهمليها، إن لم تكن ممارسة الرياضة على جدول مهامك سارعي بالاشتراك في إحدى صالات الألعاب الرياضية، الرياضة لا تُحسِّن مظهر الجسد فقط، ولكن هي أمر هام من أجل صحتك النفسية. إذا كنتِ من السيدات اللائي يقلقهن أمر علامات التقدم في العمر فعليكِ أن تتيقني أن الجمال ينبع من الداخل، كما أن القليل من البوتكس لن يضر أحد.

 

حصر حياتك بين دفتي العمل والبيت من الأمور التي ستجعلك فريسة سهلة لاكتئاب منتصف العمر (وللاكتئاب في أي وقت عمومًا)؛ من الضروري أن تكون لكِ مساحتك الخاصة التي تفرغين فيها ضغوط العمل والبيت والمسؤوليات، ليس بالضرورة أن تكون هذه الحياة الخاصة شيئًا ضخمًا أو أمرًا مكلفًا، فمن الممكن أن تكون لقاءً أسبوعيًا أو حتى شهريًا مع أصدقائك، قراءة كتاب ممتع، أو التمشية لمرة أو مرتين أسبوعيًا، أو عمل أي شيء تحبينه حتى وإن كان بسيطًا.

 

الاستمرار في العلاقات المسيئة أكبر الأسباب التي ستجعلك طوال الوقت على حافة الانهيار. تخلصي من كل ما هو مؤذٍ لقلبك وروحك؛ الحياة قصيرة والأمان العاطفي مهم سواء كان في شكل علاقة عاطفية أو علاقات صداقة.

 

في النهاية.. أزمة منتصف العمر ما هي إلا محطة في رحلة حياتك، يجب أن تعبرينها بسلام وتوزان، لا تجعليها بؤرة مظلمة، ولكن دعوة لإيقاظ شغفك بالحياة.

 

مصدر 1

مصدر 2

http://www.bodyandsoul.com.au/mind-body/wellbeing/female-midlife-crisis/news-story/a5f991ed0a8b947745d3541e59de0bcc

 

https://www.psychologytoday.com/blog/wander-woman/201105/what-female-mid-life-crisis-looks

المقالة السابقة“الرحلة”.. حين تنكشف الأسرار من حولنا هل نُسامِح؟
المقالة القادمةأحب الطقوس إذا ما استطعت إليها سبيلاً
صحفية وكاتبة مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا