اطفال متلازمة داون هل يختبرون مشاعر الجنس والرغبة!

5906

في المسار الطبيعي للحياة، ينمو البشر ويمرون بحالات تطور منذ الميلاد وحتى الوفاة. كآباء وأمهات بشكل عام نظل في حالة ترقب ونحن نتابع التطور الطبيعي لأبنائنا، كتطور مهاراتهم النمائية واكتساب اللغة والمشي، وتطور مشاعرهم وأجسادهم ونشاطهم الجنسي، إلا أن حالة الترقب تتحول إلى حالة من القلق عندما ينحرف مسار نمو الطفل عن الشكل الطبيعي له، ويكون من ذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصًا فيما يتعلق بتطور نشاطه الجنسي، فتطوير هوية جنسية آمنة مهمة صعبة للطفل الطبيعي، الأمر الذي يحتاج مجهودًا مضاعفًا في حالة وجود طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة كأطفال متلازمة داون.

ماذا تعني التربية الجنسية؟

وفقًا لتعريف مجلس المعلومات والثقافة الجنسية في الولايات المتحدة الأمريكية (SIECUS)، فإن التربية الجنسية هي عملية تستمر مدى الحياة، للحصول على المعلومات الجنسية المناسبة لكل مرحلة عمرية، مع تأكيد حق جميع البشر في الفهم والمعرفة، خصوصًا أن النشاط الجنسي مُكوِّن هام لمفهومنا الذاتي، وبالتالي فإنه يؤثر على تفاعلنا مع الآخرين وسلوكنا وخياراتنا.

تعرفي أيضًا على: تعديل سلوك الطفل الجنسي، علاج السلوك الجنسي عند الأطفال

أطفال داون والسلوك الجنسي

جميع الأطفال -بغض النظر عن قدراتهم العقلية- لديهم سلوكيات جنسية حتى قبل البلوغ، والتي قد تندرج تحت دائرة اكتشاف الذات، وعلى الرغم من ذلك قد يعاني أطفال متلازمة داون الذين يظهرون بعض السلوكيات الجنسية حالة من القلق من قِبَل الوالدين، بالإضافة إلى حالة رفض واستنكار داخل محيطهم الاجتماعي، لذلك لا بد من تربية الطفل تربية جنسية سليمة، حتى يستطيع أن يعيش تطوره الطبيعي بشكل يضمن سلامته من الاعتداءات الجنسية وقبوله الاجتماعي.

حقائق هامة عن التطور الجنسي لأطفال متلازمة داون

هناك بعض المعلومات المغلوطة المتعلقة بأطفال متلازمة داون وحياتهم الجنسية، أحد هذه الأخطاء أنهم ليس لديهم ميول جنسية، بالإضافة إلى عدم مرورهم بأطوار التطور المختلفة التي تحدث للأطفال العاديين، من الطفولة إلى المراهقة ثم البلوغ، حيث يعتقد البعض أنهم يظلون أطفالاً إلى الأبد، وعلى العكس من ذلك يرى البعض أن مشاعرهم الجنسية عالية جدًا، ويعانون من مشكلات سلوكية خصوصًا بعد البلوغ.

في الحقيقة يمر الأطفال المصابون بمتلازمة داون بنفس سلسلة التغيرات الفيزيائية والهرمونية المرتبطة بالبلوغ، مثل الأطفال العاديين، بالإضافة إلى التغيرات العاطفية التي تحدث أثناء وقبل فترة المراهقة، والتي قد تتفاقم بسبب العوامل الاجتماعية، فالاحتكاك بالمجتمع والذهاب إلى المدرسة والتعرّض لوسائل الإعلام كل ذلك يثير حتمًا وعيًا بالجنس، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم قدرتهم على تطوير النضج والتواصل الاجتماعي، وهذا ما قد يجعلهم يتصرفون بشكل غير لائق أحيانًا، عند التعبير عن حاجاتهم الجنسية.

اقرئي أيضًا: اعرف جيدًا مَن طفلك وما مطالبه

لماذا تعتبر التربية الجنسية مهمة بشكل خاص لأطفال متلازمة داون؟

تشير الإحصائيات إلى تزايد خطر الإساءة والاعتداء الجنسي لأطفال متلازمة داون، بأربعة أضعاف مقارنة بالأطفال العاديين، كما أن الاختلاف العقلي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يجعلهم عرضة لمشكلات اجتماعية وانفعالية مختلفة، منها العجز في السلوك التكيفي، وبالتالي فإن فرصتهم للتعلم بشكل غير مباشر من محيطهم الاجتماعي محدودة، فلا بد من تثقيفهم بشكل مباشر وصريح.

بالإضافة إلى أن اتجاهات الآخرين نحوهم وطرق معاملتهم تؤدي إلى تدني مفهوم الذات لديهم، ودفعهم إلى تبني سلوكيات اجتماعية غير مناسبة تُصعب من عملية دمجهم في المجتمع واكتسابهم للخبرات الحياتية المختلفة.

تعرفي أيضًا على: حوار حول تأهيل الأطفال لمواجهة الصدمات

متى نبدأ؟

من أجل سلامتهم الشخصية وحمايتهم من الاعتداءات الجنسية ورفع وعيهم الاجتماعي، يجب أن تبدأ رحلة التثقيف الجنسي منذ الطفولة المبكرة (من 2 إلى 5 سنوات)، وعلى مدار مراحل حياتهم المختلفة، مع تأكيد حدود التفاعل البدني واللمس، بالإضافة إلى التدريب على مهارات طلب المساعدة والإبلاغ عن أي أنشطة مشكوك فيها، إلا أن التأخر اللغوي الذي يعاني منه أطفال داون قد يؤثر بشكل كبير على سهولة عملية التربية الجنسية، لذلك فهم في حاجة إلى تدريب مستمر، لمساعدتهم على تطوير حصيلتهم اللغوية وقدرتهم على فهم اللغة من الأساس.

وللتغلب على مشكلة اللغة خصوصًا مع الأطفال الصغار أو الذين لديهم ضعف شديد في الإدراك اللغوي، يمكن تعليمهم عن طريق نموذج “اللمسة جيدة واللمسة سيئة“، أما في حالة الأطفال الأكبر سنًا أو الأطفال ذوي اللغة المعتدلة، قد يكون التعلم باستخدام نموذج “مفهوم الدوائر” هو الأسلوب الأنسب لهم، وهو نموذج قائم على فكرة المسافة الجسدية والعاطفية، حيث تمثل الدوائر الملونة مستويات من العلاقة الشخصية والحميمية الجسدية.

ويتعلم الأفراد السلوكيات المناسبة لكل دائرة من الحميمية، مع تحذيرهم من اختراق بعض الأشخاص لهذه الدوائر وضرورة الإفصاح عنه.

كيف نبدأ؟

إستراتجية التعلم البصري

أطفال متلازمة داون عادة متعلمون بصريون، يميلون إلى التعلم بشكل أفضل عن طريق الصور والرسوم التوضيحية، لذلك من الأفضل الاعتماد على استخدام الصور لشرح أجزاء الجسم، مع تسميتها وشرح وظيفة كل منها.

تشكيل السلوكيات المقبولة اجتماعيًا

لكي تساعدي طفلك على تعلم السلوكيات المقبولة اجتماعيًا، يجب أن تكوني على وعي بأن الطفل يتعلم من خلال مراقبة وتقليد الآخرين، ومن خلال الربط بين السلوكيات وعواقبها، وهذا يعني أنه لكي يتعلم الطفل السلوك المقبول اجتماعيًا، فهو بحاجة إلى رؤية أشخاص آخرين يتصرفون بطريقة صحيحة، مع تعزيز سلوكياتهم الإيجابية وتجاهل سلوكياتهم الأقل قبولاً، لذلك عليكِ أن تنتبهي إلى محيطه الاجتماعي، لحثه على التصرف بشكل مناسب.

الفرق بين ما هو عام وما هو خاص

من أكثر السلوكيات الشائعة بين أطفال متلازمة داون، لمس الأعضاء التناسلية والاستمناء، مبدأيًا يجب تأكيد أن هذا السلوك هو تطور طبيعي يمر به جميع الأطفال على حد سواء، بالإضافة إلى أنه لا يرتبط بأي رغبة جنسية، لذلك لا بد من تعديل هذا السلوك بشكل هادئ، بعيدًا عن التعنيف، لذلك من الأفضل صرف انتباه الطفل إلى أي فعل آخر، وشرح الفرق بين السلوك العام الذي يمكن ممارسته أمام الجميع والسلوك الخاص الذي لا بد من ممارسته في غرفة مغلقة، ثم تدريبه على كيفية الكف عن ممارسة هذا السلوك، بالاستعانة بأخصائي تعديل سلوك.

القصص والحكايات

يعد استخدام القصص الاجتماعية من الطرق الفعالة للتدريب، وتتضمن هذه التقنية قراءة دورية لبعض القصص، مع الرسومات التوضيحية أو الصور الفوتوغرافية لتعليم الأطفال المواقف الاجتماعية المختلفة، وما يرتبط بها من سلوكيات مقبولة اجتماعيًا.

وأخيرًا.. الحب والرضا

تشير كارين ميلبيرج مؤلفة كتاب “الأزواج ذوي الإعاقات الذهنية” إلى أن الطفل الداون يحتاج أن يدرك حقيقة مهمة “إنه مهم ومحبوب وإن جسده ملكه وحده” لذلك عليكِ أن تتيقني كأم لطفل من “أصحاب الهمم” أن القدرة على الحب ومعرفة كيفية حماية النفس جسديًا وعاطفيًا، تنبع من القدرة على تقدير الذات والشعور بقيمتها، والتي عادة لا تكون وليدة اللحظة، ولكنها مبنية منذ الطفولة المبكرة، فتعاملك مع طفلك في المنزل بحب ورضا وتقبل سيشكل صورته الذهنية عن نفسه طوال حياته.

مصادر:

vice

ds-health

قراءات في سيكلوجية الفئات الخاصة – أيمن حلمي وآخرون (2013).

المقالة السابقةأن تنتمي لأحد
المقالة القادمةنصائح هامة في تربية الأبناء للوالدين لتربية صحية وصحيحة
صحفية وكاتبة مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا