لم تعد تربية الأطفال كالسابق. فكان ما يفسده البيت يصلحه المجتمع، وكانت البيوت أكثر استقرارًا، وكان المجتمع أقل خطرًا وأكثر تمسُّكًا بقيمة التربية. ولأن التغيرات التي طرأت على المجتمع جعلت المسؤولية تزيد على الأسرة في تربية أطفالها، لذلك من المهم جدًا أن نعرض دورها في التربية الجنسية للطفل.
“التربية الجنسية هي كل ما يتعلق بتربية الطفل عن علاقته بنفسه وبالآخرين”.
كان هذا ما قالته “إيمان الشرقاوي” الأخصائية التربوية والحاصلة على ماجستير رياض الأطفال، كما أنها تدير الحديقة التعليمية لأطفال في سن ما قبل المدرسة. وكان هذا حواري معها..
متى نبدأ مع الطفل التربية الجنسية؟
من عمر سنتين، نبدأ بالتنميط الجنسي، بمعنى أن الطفل يتعرف على نوع جنسه، “البنت تعرف إنها بنت وتتمتع بصفات الأنوثة ونقولها ده، والولد كذلك”.
وبداية من عمر ٣ سنوات قد تظهر بعض الأسئلة عن الاختلاف الظاهري بين البنت والولد، وتكون الإجابة هدفها إيصال فكرة الاختلاف للطفل، مثل “عشان ربنا خلق كل واحد فينا مختلف عن التاني”.
في أي سن يبدأ الطفل السؤال عن العلاقات الجنسية؟
لكل عمر نوعية من الأسئلة المعروفة.
في سن 3 – 4 سنوات يكون تركيزه على نفسه “أنا جيت إزاي؟”.
وتكون الإجابة “إنت جيت من بطني”.
في سن 5 سنوات يحاول معرفة دور الأم في وجوده “إزاي أنا جيت من بطنك؟”.
ونحاول في الإجابة تبسيط الأمر مثل “ربنا حط نقطة دم في بطني وقعدت تكبر لحد ما إنت اتكونت”.
وفي سن 7 سنوات سوف يحاول معرفة دور الأب في هذه العلاقة “بابا كان فين؟”.
وهنا يعتقد بعض الأهالي أن الطفل يريد أن يعرف تفاصيل أكبر من عمره، ولكن الأمر فقط يتطلب إجابة مبسطة مثل “إحنا خدنا نقطة دم من بابا ونقطة دم من ماما في بطني لحد ما إنت اتكونت”.
متى يمكن للطفل أن يشعر باللذة الجنسية؟ وما هو التصرف الصحيح؟
من بداية سن ٤ سنوات يمكن للطفل الشعور باللذة عند ملامسة أعضائه التناسلية.
والتصرف الصحيح من الأسرة لا بد أن يتشكل في عدة خطوات:
1- التأكد من عدم وجود أي ألم في هذه المنطقة أو التهاب.
2- شرح حساسية هذه المنطقة للطفل دون تخويف أو تضخيم للأمر، من الممكن أن نقول له “المكان ده حساس زي عينك وودنك، أكيد لو قعدت تلمس عينك كتير ممكن توجعك”، والهدف من التعميم مع مناطق أخرى هو تقليل قلق الطفل وعدم توجيه تركيزه على هذه المنطقة بشكل خاص.
3- ملاحظة الطفل وتنبيهه عند تكرار نفس الفعل “إحنا مش اتفقنا إن كده غلط؟”.
4- محاولة تشتيت انتباه الطفل أثناء هذا الفعل، مثل الطلب بالقيام بأي نشاط.
5- البحث في البعد النفسي لهذا الفعل، فقد يكون تفريغًا لألم نفسي لدى الطفل.
متى يبدأ الأطفال في اكتشاف أجسامهم بعضهم لبعض؟ وكيفية حمايتهم من هذا؟
تبدأ من سن ٤ لـ٦ سنوات، وهو العمر الذي يحاول فيه الأطفال اكتشاف أجسام الآخرين أو تقليد مشاهد قد تعرَّض لرؤيتها.
والحماية منها تكون بشكل تراكمي، لأنها أساس التربية الجنسية، أي أنها ثقافة “جسمك يخصك” التي نربيها في الطفل من سن ٣ سنوات، ويمكن أن نضعها في نقاط أساسية نؤكدها على الطفل بشكل دائم.
1- محدش يدخل الحمام معاك غير بإذن ماما.
2- محدش يشوف جسمك.
3- جسمك ده بتاعك محدش يشوفه أو يلمسه.
4- تعريفه بالنقاط الخاصة في جسمه “منطقة المايوه”.
5- عدم مقايضة الطفل على مشاعره، مثل “هات حضن وأديك اللعبة”. من المهم جدًا تأكيد هذا المبدأ، حتى لا يصل للطفل أن مشاعره قابلة للشراء والمقايضة.
6- عدم إجبار الطفل على التقبيل أو الاحتضان، فهو تصرف أحيانًا تتعامل معه الأسرة كدعابة مع الطفل، ولكن الطفل لا يفهمه بهذا الشكل وإنما يجعله يتعامل مع فكرة الإساءة بقبول دون الشعور بخطورة.
7- عدم ترك الأطفال الصغار يلعبون في غرف مغلقة وحدهم دون المرور عليهم كل فترة قصيرة، وخصوصًا إن كانوا أطفالاً صغارًا وكبارًا معًا في نفس الغرفة.
كيف نتصرف في حالة مشاهدة الطفل لمشهد جنسي أو الوالدين في وضع حميمي؟
هذا الموقف لا بد من عدم تجاهله، وتقديم التفسير المناسب للطفل، فنحاول تبسيط فكرة الزواج والعلاقات “دول متجوزين وده بنعمله لما نكبر ونكون مسؤولين”، وأيضًا نحاول تفسير معنى المسؤولية وأنها تحتاج لسنين من الخبرة والعمل.
وماذا في حالة اكتشاف الطفل في وضع جنسي مع طفل آخر؟
لا يقوم الطفل بمثل هذا الفعل إلا وقد شاهده من قبل، لذلك نحذر بشدة من تعنيف الطفل أو فضحه أو الهجوم عليه، فنتيجة ذلك قد تعطي تصورًا خاطئًا عن العلاقة الجنسية، وهو ما يعاني منه الكبار في مجتمعنا حاليًا، أو قد يمارس هذا الفعل بكثرة في الخفاء.
لذلك يكون التصرف الصحيح هو محاول معرفة مصدر هذا المشهد “إنت بتعمل إيه؟ شوفت ده فين؟” وليكن ذلك بطريقة لطيفة دون وضعه وسط تحقيق، ثم نقوم بما ذكرناه سابقًا عن توضيح فكرة الزواج والعلاقات والمسؤولية، وبالطبع مع ملاحظة سلوك الطفل عن قرب حتى لا يتكرر هذا الفعل.
يبقى لنا السؤال الأكثر انتشارًا الآن، وهو ماذا نفعل في حالة تعرض الطفل للتحرش؟
التصرف مع الإساءات الجنسية واحد مهما كانت درجتها “ألفاظ، صور، مشاهد، كبير يطلب منه ملامسته، أو ملامسته من كبير”، ولكن أحيانًا لا يعترف الطفل بسهولة، لذلك هناك بعض الأمور التي من الممكن عن طريقها معرفة الحقيقة.
1- ملاحظة أي تغير في سلوك الطفل غير معتاد وليس من طبيعته “التأتأة، اضطرابات النوم، انطواء، عدوانية”.
2- توصيل مشاعر الأمان للطفل “أنا بحبك مهما حصل، أنا معاك”.
3- سؤاله دون إملاء الإجابات عليه “أنا شايفة إنك خايف، فيه حاجة مخوفاك؟”.
4- ملاحظة رسوماته وطريقة لعبه مع الأطفال الآخرين.
كيفية العلاج:
1- اتخاذ إجراء حاسم مع المتحرش يكون الطفل مشاهدًا له أو مشاركًا فيه “قول للضابط الراجل ده عملك إيه.. تعالى معايا نشكي للمسؤول”.
2- إعطاء الطفل الأمان والقبول.
3- إذا زادت حالة الطفل سوءًا فلا بد من اللجوء لمتخصص، فأحيانًا يكون لدى الطفل مخاوف لا يستطيع التعبير عنها بسهولة.
كيف نساعد الطفل على تقبُّل التغيرات الجسمية والنفسية في مرحلة البلوغ؟
لا بد من التجهيز لهذه المرحلة من قبل الدخول فيها، ويفضل أن تقوم الأم بهذا الدور مع ابنتها والأب مع ابنه، أو أي شخص من نفس جنس الطفل يكون محببًا ومقربًا له، فنجهز الطفل لهذه المرحلة بالدعم الإيجابي لهذا التغير “التغير ده حاجة طبيعية بتحصل لنا كلنا”، والتأكيد على أن هذا التغير ليس جسميًا فقط بل نفسيًا أيضًا، “إنت/ إنتي جسمك هيتغير وهيبقى شكله مختلف، وهتحس/ي بمشاعر جديدة”، مع فتح نقاش حر وآمن مع الطفل دون تخويف.
كان هذا حواري مع أ/ إيمان الشرقاوي، ولكن لا بد أن أعترف أنه كان حوارًا من نوع خاص وله وقع على مشاعري، فقد شعرت بحجم المسؤولية الملقاة على كل أسرة لديها طفل، وحجم المخاوف التي يتعرضون لها بشكل يومي تجاه أطفالهم، ولكني شعرت أيضًا أننا الكبار نحمل مسؤولية بشر نُعِدهم، ليس فقط لمستقبلهم، بل لمستقبل الآخرين أيضًا، نحن لدينا مستقبل نصنعه في بيوتنا.