من كان منكم بلا خطيئة فليرم الأمهات بحجر

781

كانت أقصى أحلامها في الحياة، هي إيجاد مكان للخروج مع صغيرها، دون أن تستمع لتلك الانتقادات التي لا تتوقف عن شقاوته المفرطة. فالنتائج دومًا وأبدًا محاولات للتخلص من شعور الذنب الذي يصيبها كلما قررت الخروج، أو التخلص الغضب من تصرفات صغيرها.

 

لا تبدو هذه الحالة نادرة أو غير معروفة، بين مجتمع الأمهات الذي يتضخم يومًا بعد يوم، وهو شعور بثقل الأعباء التي تلقيها وظيفة الأمومة، دون أن يقدم المجتمع ما يخفف تلك المهمة، فمعركة الأمومة لا تقتصر على آلام الحمل والولادة والرضاعة، أو حتى اكتئاب ما بعد الولادة، بل يمتد الإجهاد العاطفي إلى كل مراحل التربية، منها على سبيل المثال شبح المراهقة وصعوبة تقلباتها، غياب ثقافة الغذاء الصحي، الموازنة بين العمل والأطفال.. كلها معارك تخوضها الأم وحدها بأسلحة ذاتية تمامًا، أو بلا أسلحة في كثير من الأحيان.

 

وفي المقابل يجلس المجتمع على كرسي المتفرج، ويصوب سهام التقصير إلى تلك الأم، والانتقاد إلى تلك، بينما يتهم الثالثة بعدم أهليتها لتكون أمًا من الأساس، فيصبح الهم بالنسبة للأمهات همِّين، هَم تربية الأبناء، وهَمّ التعامل مع المجتمع الذي لا يشعر بهن، أو يقدم لهن أسلحة تعينهن في معركتهن المقدسة اجتماعيًا.

ومن هذا المنطلق نحاول أن نُذًكر المجتمع ببعض حقوق الأمهات، التي تناساها في خضم تركيزه على واجبات تلك الأمهات فقط.. وما هو التأهيل التربوي والتثقيفي المفترض تقديمه للنساء بشأن الحمل والولادة والتربية؟

الحقيقة التي تعلمها الكثير من الأمهات، أنه لا يوجد ما يسمى ثقافة الحمل أو الولادة أو التربية في مصر.

 

في البداية فيما يخص عملية الحمل والولادة لا يوجد أي تأهيل سوى ما تقوم به حملات وزارة الصحة، وهي ليست كافية، وينقصها الكثير من التحديث الذي طرأ على هذا العلم مؤخرًا، فضلاً عن أن تلك الحملات لا تصل بالشكل الكافي لكل النساء، فبعضهن ما زلن يطبقن نظرية “خليها تمشي بالبركة”. كذلك لا توجد توعية صحية كافية للمرأة خلال الحمل، وحتى خلال الولادة، سوى بعض الشهب الصغيرة وسط سماء شديدة السواد، والدليل على ذلك الانتشار الكثيف لعمليات الولادة القيصرية في مصر، بالشكل الذي جعل منظمة الصحة العالمية تحذر منه بعد أن احتلت مصر المركز الثالث عالميًا.

 

مفهوم التربية.. هل هو موجود؟!

فيما يخص التربية فحدِّث ولا حرج، لا يوجد ما يسمى “علم التربية” في عُرف المجتمع، فقط هو تخصص في الجامعة، أما في أرض الواقع فكل أسرة تفعل الأمر وفق هواها، وحسب عقائدها وتقاليدها. فلا يوجد دورات تدريبية للأمهات موحدة تقدم نذرًا يسيرًا من المعلومات الضرورية عن تربية الأطفال أو كيفية التفاعل معهم. على سبيل المثال: كيفية التعامل مع الطفل في سنواته الأولى، متى يمكن أن يذهب إلى الحضانة؟ ما الأطعمة المناسبة لكل سن؟ متى ينفصل الطفل عن الأم؟ متى يمكن تعليمه؟ ما تأثير العنف على الأطفال؟ كيف يمكن تجاوز مرحلة المراهقة بأقل قدر من الخسائر؟

 

كل شيء يتم بشكل ذاتي من الأمهات اللاتي حصلن على قدر مناسب من التعليم والثقافة ولديهن دخل مادي، أما الأمهات البسيطات في المستوى المعيشي والثقافي فلا يملكن تلك الرفاهية. وإذا أطلقنا بصرنا قليلاً تجاه الغرب، سنجد أنهم تخطوا تلك المراحل، وأطلقوا مناهج للتربية.

 

كيف أهَّل المجتمع نفسه لاستقبال طفل جديد؟

يبدو الأمر مضحكًا، فالمجتمع الذي يلوم تلك الأمهات ويحكم عليهن، وينتقد أي امرأة تتحدث عن تحديد النسل، هو نفسه الذي يرفض تقديم وسائل الرعاية والمساعدة والمساندة للأمهات خلال السنوات الأولى من رعاية الطفل، وتحديدًا أول 6 سنوات. فيلقي بالمجهود الضخم للرعاية والتربية على عاتق الأم وحدها، وإذا اشتكت لأي سبب يُشهر في وجهها سلاح الدين والتقاليد وأحيانًا النشوز. وإن استجابت الأم لمفهوم أن تربية الطفل تقع على كاهلها وحدها أمام سيادة مفهوم انشغال الآباء في توفير لقمة العيش، فالمجتمع لا يوفر لها سبل الدعم النفسي لتجاوز عقبات تلك التربية، فلا أماكن للخروج والترفيه بأطفال في سن الرضاعة. أي عامين كاملين تظل فيهما الأم حبيسة المنزل، وإذا تخطى الطفل عامين فعلى الأم أن تُحكِم السيطرة على تحركاته، وإلا تعود إلى المنزل مرة أخرى.

 

ودومًا وأبدًا الأم هي من تتحمل انتقادات هائلة بأنها لم تُحسِن تربية أطفالها، ويتجاهل الجميع أن هناك عوامل جديدة صارت تقحم نفسها في تربية الأطفال، من الصعب السيطرة عليها، مثل وسائل الإعلام، وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب المدارس بالطبع.

 

وتأتي الطامة الكبرى إذا كانت المرأة تعمل، فالمجتمع لا يتعامل مع الأطفال كجيل جديد يساهم في تطوره، فيسعى لتوفير بيئة مشجعة وآمنة لنموهم. بل على العكس يتعامل مع الأم العاملة التي لديها أطفال على أنها عبء كبير، وعليها أن تتعامل وتتحمل واجبات هذا العبء وحدها. ويكون الحل إما أن تتخلى الأم عن عملها، والنتيجة إحساس بالغضب قد يترجم إلى عصبية وضغط شديد في التربية، أو أن تستمر الأم في العمل مع إلقاء أبنائها في الحضانات أو أي أقرباء، وبالتالي حرمان الطفل من وجود والدته، أي الأمان العاطفي، مع العلم أن الكثير من الحضانات غير مؤهلة تربويًا لاستقبال الأطفال، حيث تنتشر أكثر من 1500 حضانة غير خاضعة لإشراف وزارة التضامن الاجتماعي بالقاهرة وحدها.

 

الكثير والكثير من الأسئلة

الحقيقة أن كمَّ الأسئلة التي يمكن إثارتها لا تُعد ولا تُحصى، منها على سبيل: هل هناك أماكن رسمية لتأهيل الوالدين في حال ثبت وجود مشكلات في التربية؟ متى يمكن التدخل في العلاقة بين الآباء والأبناء؟ لماذا يتخلف المجتمع بمؤسساته عن تقديم الدعم الكافي للأبوين؟ كم مرة شاهدت حالة بالقرب سواء في محيطك العائلي أو العمل لأمهات تتعامل مع أبنائهن بطريقة خاطئة وغير تربوية؟ هل تعتقد أن المسؤولية تقع على عاتق الوالدين وحدهما؟

 

إجابات تلك الأسئلة ستقودنا حتمًا إلى النتيجة.. المجتمع في حاجة إلى تغيير ثقافته فيما يخص الأمومة والتربية، بدلاً من ثقافة الجدات التي تسيطر عليه، وتقديم أفكار مناسبة للعصر الذي نعيش فيه، فيتم تقديم التوعية والمساندة الكاملة للأمهات سواء بالدورات التدريبية أو الحملات الصحية والإعلامية، وتوفير أماكن مؤهلة لاستقبال الأطفال بأسعار في متناول الطبقة المتوسطة، أما أهم شيء هو الكف عن لوم وانتقاد الأمهات دومًا، فهن يبذلن كل ما في وسعهن، ومسؤولية توعية ومساندة الأمهات تقع على عاتقنا كلنا وأن اختلفت النسب، وإطلاق الأحكام عليهن كأننا ملائكة غير منصف..

فمن كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر.

المقالة السابقةرسائل لم تُرسل بعد
المقالة القادمةرغم أن البوح يشفي لن أبوح
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا