مرحلة الـ”لأ” عند طفل الثانية وما فوق

815

بقلم/ محمد عيد

 

مرحلة الـ”لأ” خطيرة جدًا.

بتبدأ عند سنتين، وفيها بيرصّد الطفل كل محاولات توسيع مداركه والدفع بنموّه وتطويره اللي كنت بتعملها طوال سنتين.

بس مبيرصّدش ده في حسابك، بيترصد في حسابه هو.

 

الطفل اتعرَّف على العالم خلاص، عرف الملكيات، عرف اسمه واسمك، أدرك إن فيه هو، وفيه إنت، وأدرك إن فيه وسائل ضغط في إيده يقدر يفرض بيها رأيه.

الطفل فجأة بقى عايز كل حاجة في الدنيا. ليه معوزش كل حاجة ف الدنيا وحيازة كل حاجة أمر جميل جدًا؟ ليه أمتنع وعشان إيه؟ تفكير منطقي بالنسبة له والوازع الأخلاقي فيما يتعلق بغير والديه شبه منعدم، لأنه أمر مُتقدم نفسيًا على الطفل دلوقتي، لأنه بيفكر بأسلوب شرطي، “لو عملت كده هيحصل كده”، الغرضية دي هي السبيل المؤقت لتعامل المُربي معاه في المرحلة دي.

 

في المرحلة دي يُفضَّل رد فعلنا يتنوع بين أسلوبين: الاستجابة والرفض.

 

الاستجابة

إدراك الطفل لسلطتك المحدودة بيخليه يفرض رأيه. بيني وبينك ده كويس في دفع شخصية الطفل وتقويته وتطوير تطلعاته واتخاذه للقرار.

مش لازم تكسب في كل الجولات وتحقق كل الطلبات اللي عايزها، القواعد لازم تكون مرنة، لكن تظل المشكلة في الاستجابة أمام أنهي أسلوب بيتبعه الطفل؟

 

يعني لو قعد يصرخ ويعيط على حاجة، وإنت نفِّذتها، هيفهم إن الصريخ وسيلة ضغط عليك، وهيستخدمها فيما يلي، وده مش كويس.

بينما لو مثلاً الطفل مُصِر ياخد حاجة.. مثلاً أخد تليفونك ومش راضي يديهولك، وكل اللي بيعمله إنه رافض يديهولك وبيقولك “لأ”. مش لازم تاخده فورًا تأكيدًا لسلطتك وتطبيقًا لقواعدك التي لا تُنقد! ممكن تتفق معاه إن شوية وهتاخده منه تاني.

 

هنا إنت بتدفع بشخصية الطفل وتأكيد وجوده وحدوده ولو جزئيًا على حساب وجودك، بالطريقة دي لما ييجي طفل تاني ينتهك حدوده، هيبقى فاهم إن إصراره له ناتج ومردود بكل تأكيد.

 

كويس لما طفلك يعبر عن اللي عايزه بقوة شخصية، تنسحب من أمامه، المقولة الشائعة جدًا إن القواعد لازم تكون صارمة، ده في مرحلة الإرساء والتأسيس قبل سنة. بينما مثلاً من الشهر 12 لـ24 بتبان استقلالية الطفل اللي بيحجِّمها خجله وحبه في المشاهدة واختبار الشيء قبل الإقدام عليه.

 

مرحلة 24-36 اللي بنتكلم عنها فيها طفرة واضحة من اكتمال وعي الطفل جزئيًا، وهي مرحلة من أقوى التحديات اللي بتقابل الأبوين، لأن الطفل بيبدأ المبادرة بشكل واضح وأخذ زمام الأمور بعيدًا عن سلطة أبوية.. مفيش تردد، فيه مبادرة الأول، وبعد كده لو طلعنا غلط، نبقى نشعر بالذنب.

 

الدفع بشخصية الطفل زي ما “إريكسون” بيقول في توضيحه لمراحل النمو الاجتماعي، مفيد لعدم دفع الطفل لفقدان الثقة في نفسه، بشعوره المتتالي بالذنب.

 

كذلك التغافل مهم في التربية، مش لازم كل كسر لكل قاعدة حتى لو بسيطة جدًا، تخش معاه في نقاش أو جدال أو شرح. خَلِّي الطفل يكسبك شويه في هدوء، بس بدون تنازل عندما يعبر بطريقة خاطئة، هنا دورك في الاعتراض والرفض.

 

الرفض

الطفل اللي بقى كثير الحركة وبيتعامل في محيط أوسع مما كان عليه، وبيتعرَّض لأطفال أكتر بيلقط منهم وكبار كذلك، ده بيخليه يواجهك بوسائل مختلفة إنت مش متوقعها.

وزي ما قولنا إن الانصياع للطفل عندما يُعمِل العقل وقوة الشخصية مُهم. ففي نفس الوقت الحسم عندما يستخدم الطفل وسائل خاطئة مهم كذلك..  وسبيلك في ده: “النقاش” و”الحسم”.

 

النقاش بنستخدم فيه حاجتين: الكلام والمشاعر. زي تعبيرات الوش الواضحة، ونبرات الصوت بنغمات مُعبرة وقاصدة المعنى اللي عايز توصله.

لكنه مش هيستجيب بسهولة، لأنه عرف الرفض، وكذلك عرف إن سلطتك عليه محدودة (طبعًا مفترض إنك مبتضربوش بكل تأكيد) فبتظل السلطة دي في حدود استخدام الصوت (الحسم) والحرمان.

 

أولاً الحسم:

المرحلة دي مفيهاش كتالوج، لأن كل طفل له أسلوبه في التعبير اللي اتبلور من أسلوبك في معاملته طوال سنتين فاتوا هما كل عمره، ومفيش أسلوبين شبه بعض، فمفيش طفلين طبق الأصل من بعض. دورك إنك تراقب العملية، وتكتشف كل يوم طفلك بينمو إزاي، وإنت مش ند له.. إنت بتحاول تقوّمه.

 

وإفهام الطفل الاحتياجات الأساسية بطريقة شرطية (الغرضية عند إريكسون)، زي مبتحبش فلان يخطف لعبك يبقى متخطفش لعبة فلان. بنشارك فلان لعبنا عشان يشاركنا لعبه. دي مش طريقة نفعية، دي طريقة شرطية بسيطة بتوصل لفهم الطفل أثناء انعدام مرحلة تفضيل الآخر، أو الإيثار.

 

طبعًا مهم تعليمه للطفل بالتمثيل والعرائس والاقتداء بيك، ومهم طلب الطفل فعله، لكن عدم إجباره. لو مش عايز يشارك حاجته هو حر، هيلاقي اللي قدامه مش بيشارك حاجته معاه.

 

ثانيًا الحرمان:

يفضَّل ميكونش قبل 4 سنوات، واستخدامه لازم يكون محدود جدًا وبعد فشل في النقاش، مع ملاحظة إن الحرمان المظبوط بيبقى من أصل الفعل، يعني الطفل لو مش راضي يلم لعبه وناقشته مرة واتنين وتلاتة ورافض، فسبيلك إنه ميلعبش باللعب دي، مش إنه هيتحرم من الخروج مثلاً.

 

لأن المنع من جنس العمل بيوجه تفكير الطفل ناحية الشيء الممنوع عنه، وده المطلوب. بينما الحرمان بفعل آخر كأنها مقايضة بتخليه يركز في الحصول على الحاجة (التانية) اللي بتقايضه بيها، بعيدًا عن إدراك الشيء الأصلي اللي عليه المشكلة وهو بيتمنع بسببه.

 

هتخش في معارك كتير مع الطفل.. قوّمه واحذر من كسره.

ودي حاجة هتكتشف تعملها إزاي لوحدك كل يوم ورا التاني، ومحدش هيديك الإجابة الكاملة جاهزة، لأن دي عملية دقيقة معاييرها مفردات حياتك إنت وطفلك.

وتأكد أثناء ده إن الطفل هيأثر ويعدّل فيك زي ما بتحاول إنت كمان تأثر وتعدل فيه.

التربية في المرحلة دي هات وخُد.. مش هات بس.

المقالة السابقةالغرفة الزجاجية بطل “ذا فويس كيدز”
المقالة القادمةانتصري على عفاريت الأمومة العشرة
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا