يتساءل العديد من الآباء والأمهات عن الحد الفاصل بين ما هو مقبول وما هو مرفوض، فيما يتعلق بسلوك أطفالهم في مرحلة الطفولة المبكرة (المرحلة من 2: 6 سنوات)، خصوصًا فيما يتعلق بإشكالية الصدق والأمانة في الحديث، ففي هذه السن يبدأ الطفل في التعرف على العالم من حوله واكتساب اللغة وتشكيل حصيلة مفرداته الخاصة، إلا أنه بالتوازي مع ذلك يكتشف شيئًا آخر أكثر إلهامًا، وهو الخيال، فيبدأ في تشكيل عالم آخر متخيَّل يُطلِعك عليه على شكل قصص مُختلَقة مليئة بأحداث وشخصيات غير حقيقية، الأمر الذي يجعلك في قلق بشأن وضع طفلك تربويًا وأخلاقيًا.. هل هو صادق أم كاذب؟
ما وراء الحكاية
كأم يجب عليكِ أن تعرفي أن ليست كل القصص المختلقة التي يرويها طفلك مؤشر على أنه غير صادق أو مخادع. إن إدراك المعنى الحقيقي وراء القصة التي يرويها طفلك، قد يكون نافذة رحبة على عالمه ومشاعره وطريقته، في محاكاة العالم المحيط به.
الأطفال يختلقون القصص كوسيلة لاستكشاف الخيال نفسه
“رأيت فرس النهر يعبر الشارع ويضع قبعة أرجوانية وأحذية رياضية زرقاء”.
إذا كان لديك أطفال قبل سن المدرسة فمن المؤكد أنك سمعتِ قصة كهذه من قبل، فعادة ما يختلق الطفل في هذه المرحلة الكثير من القصص غير الواقعية، في محاولة منه لاستكشاف الفارق بين الواقع والخيال على حد سواء.
حاولي أن تُثري خياله بطرح أسئلة أكثر حول القصة التي يرويها، فهذا سوف يساعده على تطوير خياله بشكل أفضل.
محاولة تصحيح مفاهيمه بشكل حاد، وإخباره أن ما يقوله ليس حقيقيًا، لن تؤثر فقط على قدرته على الإبداع والابتكار، بل على مصداقيته أيضًا.
يتخيل ما يتمناه
هناك بعض الحكايات التي يرويها الطفل ليعبر عن الأشياء التي يتمناها أو يتمنى حدوثها. ما يجب عليك فعله هو إدراك الحقيقة الكامنة وراء الخيال، وتحقيق رغبته إن كانت قابلة للتنفيذ، أو تقديم بدائل تحقق له الإشباع الذي يتمناه. تجنبي تعنيفه أو تجاهل رغباته، خصوصًا إن كانت أشياء غير مقبولة اجتماعيًا أو أخلاقيًا. الأفضل أن تسردي قصة أخرى عن القيمة التربوية التي تريدين تمريرها له بعد أن تنتهي من سماع قصته للنهاية.
لتجنُّب العقاب
في كثير من الأحيان يختلق الطفل قصصًا غير حقيقية لتجنب العقاب. في هذه الحالات من الأفضل عدم مصارحته باكتشافك الحقيقة، لأنه في المرة القادمة سيحاول أن يقدم حكاية أكثر إتقانًا، وربما لن تكتشفي أن الأمر مُختلق.
وعلى الرغم من أهمية إدراكك لما يدور في خلفية القصة التي يرويها طفلك، فإن الطرح السابق قد يضعنا أمام عده تساؤلات، حول الفارق بين الخيال والكذب، والحد الفاصل بينهما، ودورك كأم لتصحيح مفاهيم طفلك الخاطئة
الخيال VS الكذب
يقول أينشتاين، إن “الخيال أكثر أهمية من المعرفة”، الخيال هو باب الاحتمالات، حيث يبدأ الإبداع والتفكير خارج الصندوق، ولكن متى يبدأ الخيال؟
في الحقيقة يولد جميع الأطفال بخيال خصب، مع قدرة غير محدودة على التفكير الإبداعي، بالقدر الذي يتلاشى معه الخط الفاصل بين الواقع والخيال. الأمر الذي يثير مخاوف الأهل حول تأثير هذا الخيال الجامح على مصداقية أطفالهم، خصوصًا إنه مع بداية السنة الثالثة من عمر الطفل، يبدأ الطفل في التعرف على الكذب، حيث يدرك أن البالغين لا يعرفون كل شيء.
ومع بداية السنة الرابعة وحتى نهاية السنة السادسة، يصبح الطفل أكثر وعيًا في تلفيق الأكاذيب، مع قدرة على مطابقة تعبيرات وجهه بنبرة صوته، بطريقة لا تدع مجالاً للشك في مصداقية ما يقول.
ومع تطور إتقان اللغة وزيادة حصيلته اللغوية، فإن قصصه المختلقة تصبح أكثر تعقيدًا وتطورًا.
وبحلول عامه الثامن يصبح الطفل قادرًا على الكذب بنجاح.
كيف يمكنك تشجيع الخيال وتقويم الكذب؟
التواصل: لغة الحوار والتواصل هما الأساس لخلق الثقة المتبادلة، والإفصاح عما يدور بداخل طفلك، دون خوف أو كذب.
الاستماع: استمعي لكل حكايات طفلك، لا تتجاهلي أو تسطحي ما يقول. حاولي معرفة ما وراء قصصه المختلقة، هل هي رغبة في الحصول على مزيد من الاهتمام، أم رغبة في تجنب الانتقادات!
شجعيه: عندما يخبرك طفلك قصة خيالية، أخبريه أنها قصة رائعة، ساعديه على تحويلها إلى قصة مصورة أو مسرحية تشاركيه فيها.
لا تخبريه أنه كاذب: عندما يقول الطفل شيئًا مشكوكًا فيه، اسأليه “هل أنت تمزح؟” ولكن لا تخبريه أنه كاذب.
تجنبي أن تضعي طفلك في مواجهة ما: ذلك يجعله يختار طريق الكذب، فمثلاً إذا قام بسلوك خاطئ عدِّلي هذا السلوك دون مهاجمته ولومه، أو مقارنته بطفل آخر، فيكذب حتى لا يشعر بالدونية.
التقدير والاهتمام: الطفل الذي لا يشعر بالتقدير يكذب ويتجمل، من أجل أن يحصل على الاهتمام. ابحثي عن طرق إيجابية لدعم طفلك وجعله يشعر بأنه شخص ذو أهمية.
اقرئي لطفلك: القراءة.. لا شيء أكثر فاعلية من القراءة في القدرة على تنبيه الخيال، واستحضار عوالم مختلفة، يزورها الطفل وهو مستلقٍ بجوارك في فراشه. هذا ما يؤكده أليكس وينترز في مقال له على موقع BBC الإخباري، حيث يشير إلى أن قراءة القصص للأطفال يمكن أن تُظهِر لهم أماكن بعيدة، أناسًا غير عاديين، وحالات مفتوحة تساعدهم على توسيع وإثراء عالمهم.
لافتًا الانتباه إلى تأثيرات قراءة القصص الخيالية للأطفال على سلوكهم الاجتماعي. فقد وجد الباحثون أن النشاط الدماغي الذي يحدث عندما نقرأ القصص الخيالية، يشبه إلى حد كبير معايشة هذا الوضع في الحياة الواقعية. الأمر الذي يجعل هؤلاء الأطفال أكثر قدرة على فهم سلوك ومشاعر الآخرين، والتعامل بشكل أفضل في المواقف الحياتية المختلفة.
وأخيرًا.. طوَّري مهارات طفلك في الحكي: حاربي الكذب بالخيال، وطوري مهارات طفلك في الحكي. عندما يخبرك قصة مختلقة ادعميها في الاتجاه الإيجابي، لا تجعليها كذبة، اجعليها قصة ممتعة، يُخرج طفلك فيها قدراته على التخيل والإبداع، وتضيفين أنتِ عليها قيمة تربوية أو سلوكًا إيجابيًا تريدين دعمه. كوني أنتِ من يساعده على التحليق، لا من يهذب أجنحته.
المراجع:
1- Helping Your Child Develop Storytelling Skills
2- Why is storytelling important to children?
http://www.bbc.co.uk/guides/zyvhpv4
3- Nurturing Creativity & Imagination for Child Development
4- When Does Lying Begin?
https://www.psychologytoday.com/us/blog/media-spotlight/201311/when-does-lying-begin
5- Positive Parenting when Children Tell Tall-Tales، Fibs and Lies