للسينجل ماذر: كيف تتجنبين علاقة بائسة مع أولادك؟

622

 

مفتتح: مأساة طنط لميا

في المسلسل ذائع الشهرة “سابع جار”، الذي ربما لا يحظى بسمعة جيدة عند عدد من القارئات، لكن دعونا ننظر لشخصياته، تحديدًا “طنط لميا” التي مثلتها الفنانة دلال عبد العزيز. في الجزء الثاني من المسلسل حدثت أزمة لـ”طنط لميا”.

 

استيقظ أولادها ولم يجدوها بالمنزل ولا تركت لهم رسالة، جُنّوا من البحث عنها، بينما في آخر تلك الحلقة نجدها وقد جلست على سور حجري منخفض، وعلى وجهها حزن الدنيا كله، وثيابها غير مهندمة، وتحاول القرقضة في كوز من الذرة نصف المحروقة.. صورة للبؤس الإنساني الخالص، يصيب المشاهد بقهرة حقيقية، ويجهز علينا طبعًا المشهد السابق لابنها الصغير، الذي يجول في الشوارع المحيطة ببيتهم، بملابس النوم وشبشب الحمام، وقد بان القنوط على وجهه بحيث لو لم يعرفوا أين أمهم سيرمي نفسه تحت أقرب مقطورة و”يخلص بقا”.

 

وصلت “طنط لميا” لبيت عمّتها الكبرى، “نازك” بالإسكندرية، وطلبت منها ألا تقول لأولادها أين هي.

ليه يا ست “لميا” كل هذه الشحتفة وتقطيع القلب؟

 

تقول لعمتو “نازك” إن أولادها لا يهتمون بها، وتوقفوا عن الخروج معها أو الفُسح. تشتكي من إهمالهم في المنزل وبأنهم “مبيشيلوش منديل وراهم”، هي التي أعطت عمرها كله لهم، بعد وفاة أبيهم، وخدمتهم بعينيها وأخلصت لهم. نموذج الأمهات المصريات التقليدي، ربما من ساعة ما أم أتحتمس أنجبت تحتمس، إلى اليوم.

 

يقول د. محمد طه، في كتابه “الخروج عن النص”: إن هذه العلاقة، بين الست “لميا” وأولادها، هي “علاقة الحبل السرّي”.

 

1- شبكة الدعم:

ما الخطأ الذي وقعتِ فيه يا “طنط لميا”؟

يقول د. طه: “مينفعش بنتك تبقى مصدر الأمان ليكي”. للأسف يتجه أغلب السينجل ماذرز نحو التقوقع حول أنفسهن وأولادهن، في محاولة منهن لحمايتهم من كل أذى خارجي، ولتعويضهم عن غياب الأب، وأيضًا لأن “الدنيا مش ناقصة مشاكل أكتر من كده”، وتبعًا للسائد، فإن الجيران والأصدقاء والعائلة وزملاء العمل يطيبون الجراح في بعض الوقت، لكنهم يسببون الكثير من المشكلات في بقيته.

 

خطأ “طنط لميا” أنها كانت وحيدة تمامًا، حيث لم تكوّن شبكة دعم.

لعلماء النفس مقولات تستدعي التأمل. فمثلًا، يقولون إن الواحد لا يمكنه النجاة في هذه الحياة، مهما كان وضعه الاجتماعي أو الوظيفي أو المادي، إلا لو كان محاطًا بـ”شبكة دعم”. يسمونها دائرة الأمان في أحيان كثيرة، لكن في كلتا الحالين، فالمفهوم واحد: نحن دائرة، أنا وأصدقائي والمقربين لي وأحبائي وكل من أرتضيهم للاحتفاظ بأسراري، نشكّل دائرة، حيث كلنا نتمتع بنفس القدر من الأهمية، وكلنا نحمل بعضنا ونسندها ونتشارك في المسرّات والأحزان.

 

لاحظي، وركّزي جيدًا، أن هذه الدائرة لا تتكوّن من الأبناء، بأي حال.

شبكة الدعم ستوّفر لكِ شخصًا محل ثقة ليجلس مع الأطفال وقت العمل أو قضاء المشاوير، أو يساعدك في غسيل الأطباق أو جلي المنزل ليلة العيد، حتى لا تشعري أن عليكِ فعل كل شيء وحدك، ما يزيد من الضغط العصبي الواقع عليك. كما أن هؤلاء الأصدقاء المؤتمنين يمكنكِ أن تتحدثي إليهم أو تطلبي منهم النصيحة أو “تفكّي عن نفسك شوية” بشيء من الضحك والرقص أو حتى طقوس طرد العين الشريرة بالمزيد من البخور وتخريم العروسة الورق.

 

لا تنسي أن تضمنّي في هذه الشبكة أمهات أخريات، ليشاركنك تجاربهن في التعامل مع الضغوط اليومية، لكن احرصي جيدًا على ألا يكُنّ من صاحبات تعليق “بس إنتي يا عيني معندكيش راجل.. مسم”. لأن المشرحة لا ينقصها المزيد من الجثث.

 

2- الأطفال لا يحملون مسؤولية إسعادك:

قد يبدو هذا صادمًا، لكن يقول علماء النفس إن علينا معاملة الأطفال على أنهم -يا سبحان الله- أطفال! ولتفسير هذا، يلحقون أنفسهم ويقولون إن في حالة غياب الأب، يبدو الأمر مغريًا من ناحية التحميل أكثر من اللازم على الأطفال لتوفير الراحة والصداقة والتعاطف للسينجل ماذرز، أو أن يتصرف الأطفال كرجال صغار.

 

مثال: طفل الثالثة الذي يتدحرج لشراء الطلبات من البقّال أسفل المنزل، بينما الأم تصرخ فيه من البلكونة. لكن الحقيقة أنهم لا يملكون النضج العاطفي أو الخبرات الحياتية اللازمة ليحلّوا محل الأب الغائب. لذلك، لو وجدتِ نفسك تعتمدين على أولادك أكثر من اللازم أو تعبّرين عن إحباطك أمامهم كثيرًا جدًا، فعليكِ البحث عن أصدقاء أو أقارب بالغين للتحدث إليهم. لا تفسدي طفولة الأولاد، أرجوكِ.

 

هل شعرتِ بالذنب فعلًا وبأنني أتهمك بالتقصير؟

لا، ليس هذا المقصود، بالتأكيد.

فكونك سينجل ماذر يضع عليكِ أعباء كبيرة جدًا، والاضطلاع بها جيدًا مسؤولية عظيمة. لذلك، من أوائل النصائح وأهمها أن تمنعي نفسك من الإحساس بالذنب.

 

3- الإحساس بالذنب ليس الحلّ:

من أسهل الأمور أن تقعي في حفرة الإحساس بالذنب: ليس لديّ وقت كافٍ لقضائه مع الأطفال، ليس عندي مال كافٍ، أزعق في وجوههم كثيرًا… إلخ. لكن لأجل صحتك ونفسيتك، ركّزي أكثر مع الأشياء التي تقدمينها لهم بالفعل، ليس ما عجزتِ عن توفيره. ولا تنسي أهم ما في الأمر: الحب والحنان والاهتمام والراحة، مسؤوليتك بالأساس!

تذكري أن الأطفال عندهم خاصية “المرونة”: ربما لن يتذكروا الألعاب التي لم تحضريها لهم، لكنهم سيتذكرون بالتأكيد الوقت الطيب الذي قضيته معهم لتحكي لهم قصة متخيلة أو لتشاهدي فيلمًا مكررًا مللتِ منه. سينسون أنكِ غبتِ عن المنزل كثيرًا لأجل العمل أو قضاء المصالح، لكن سيتذكرون أنكِ لم تتركيهم وحدهم، بل مع شخص مسؤول ويحبونه، وسيحتفون بكِ عند عودتك آخر اليوم.

 

قائمة أخيرة سريعة:

1- الصراحة: جاوبي على الأسئلة بصراحة، لكن بكلمات مناسبة لسن الأطفال، في كل الموضوعات، بدءًا من “بابا فين؟” أو “يعني إيه طلاق؟” نهاية بـ”أنا جيت إزاي؟” أو “يعني إيه رمضان؟”.

 

2- المشاعر لها لغة: ساعدي أطفالك للتعبير عن عواطفهم، بأن تخبريهم عنها بكلمات محددة، مثل “غضبان – زعلان – حران – عطشان… إلخ” لأن، كلما عرف الأطفال مفردات أكثر للتعبير عن مشاعرهم، ساعدوكِ في معرفة ما يمرّون به، واستطعتِ حلّ المشكلة أسرع والتهوين عليكِ وعليهم.

 

3- خصصي وقتًا للأبناء: بين واجبات تنظيف المطبخ والغسيل الذي لا يفنى، ويُستحدث من العَدَم عادي جدًا، حاولي إيجاد وقت تستمتعين بقضائه مع الأطفال. لأنك لو شعرتِ طول الوقت بأن الحياة طاحنة وأنهم مصيبة كبيرة لا تستطيعين حلّها وحدكِ، سينعكس هذا على تصرفاتك وتعبيرات وجهك، وسيشعر الأطفال بأنهم “غير مرغوب فيهم”، وصدقيني.. هذا شعور لا تريدين إيصاله لهم ولا تحمّل تبعاته.

 

4- خصصي وقتًا لنفسك! بهذه البساطة. نعم، يجب أن يكون لكِ وقتكِ الخاص. اشغليه بشيء تحبينه: القراءة أو مشاهدة مسلسل مفضّل أو الاستحمام دون أن يكون صغيرك واقفًا لدى الباب ينتظر. ولا تنسي تخصيص وقت لأعضاء شبكة الدعم، فهذا مهم جدًا لكِ وللأطفال.

 

وأخيرًا.. ليس سرّ الأمومة في أن يكون كل شيء مثاليًا، منها لله مارثا ستيوارت والحاجة فاطنة كشري، معًا، رفعتا سقف التوقعات إلى حدٍ مؤذٍ فعلاً. لكن، السرّ في الحبّ والتعلّم المستمر: سأفعل كل ما بوسعي لإسعادكم، وسأعرف أكثر كيف يمكنني تحقيق ذلك، ولن أنسى نفسي في هذه الرحلة.

 

الزتونة: الأم السعيدة تصنع أطفالاً سعداء.

 

مصدر 1

مصدر 2

المقالة السابقةأوجاع خاصة تحكيها الأمهات الوحيدات
المقالة القادمةافكار تجهيزات رمضان، تجيهزات السفرة وأول يوم في الشهر الكريم

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا