كفاية مذاكرة

838

 

رضوى أسامة

ترتبط الدراسة في ذهني بالفرحة والملابس الجديدة ودفء الأصدقاء، لكن سرعان ما ينتهي ذلك في الأيام الثلاثة الأولى، ليتحول الأمر إلى عبء كبير وبعبع اسمه الدراسة والمسؤولية الملقاة على عاتق الصغار، بشكل شخصي لا أفضل المدارس التي تهتم بشكل مبالغ فيه بالمناهج الدراسية الثقيلة والصعبة. منذ أسبوع كنت أتصفح كتب ابنة صديقة في الصف الثاني الابتدائي في إحدى المدارس الشهيرة المهتمة بتأسيس الطفل أكاديميًا كما لو كان سيلتحق في مباراة حقيقية للحاق بجامعة أوكسفورد، المناهج في غاية الصعوبة وكثيرة جدًا ولا يوجد أي وقت لفعل أي شيء ممتع سوى الواجبات ومحاولة استيعاب هذا الكم الرهيب.

 

نفس الطفلة لديها صعوبات تعلم، وصلت إلى عدم نجاحها في إحدى المواد في السنة الماضية وامتحنتها في فصل الصيف. عندما عرفتُ أنها “جابت ملحق” شهقتُ لأنني لم أتخيل أن هناك ملاحق في الصف الأول الابتدائي، وظلت حبيبتي الصغيرة تذاكر في الصيف لتنجح في الامتحان، وهو أمر في غاية البؤس.

 

كنت في الشارع في موعد عودة الأطفال من المدرسة، احتفلت بشكلهم المبهج وملابسهم الجديدة في الأسبوع الأول للدراسة، وكنت آكل آيس كريم في استمتاع حقيقي، حتى وجدت أحد الصغار مع أمه، أظن أنه في الصف الثاني الابتدائي، وكانت أمه في غاية الغضب وملامحها مخيفة وغاضبة جدًا وهي تتحدث عن رغبته في ضياعه لمستقبله. لم تلتقط أذناي في الزحام سوى كلمات قليلة مثل ضياع المستقبل والعند والغباء، لكني كنت ألمح بوضوح تعبيراتهما، غضب الأم وإحباط الطفل وملله.

 

أشفق على صغيرتي من هذا العالم المخيف، لكني أحسم الأمر بقراري أنني لن أذهب بها لمدرسة من تلك التي تهتم بتكديس عقولهم الصغيرة بمعلومات سخيفة، أتابع صفحات المدارس على الفيسبوك وتعليقات الأهالي، أتذكر أن واحدة أعجبتني حين وجدت الأهالي تشتكي من اهتمام المدرسة بالمسرح والأنشطة الأخرى، وأن الأولى بهم وضع مناهج متميزة. وجدتني أقول المجد للأنشطة.

 

صديقاتي يخبرنني أن تأسيس طفل متميز يبدأ من أولى واجباته الدراسية في صفوفه الأولى. كيف ستجلسين بجواره وتخبرينه أن يعدل من وضع الألف وتمسحينها له مرات ليتعود على الشكل الصحيح والمثالي لها. أخبرهن أني بذلك أخلق طفلاً اعتماديًا، لن أجلس بجوار طفلتي لأتابع حرف الألف وأمحو ما كتبته.

لا أريد لها أن تصبح مثالية وأن تحصل على الدرجات النهائية، سأدعو لها الله أن تجد نفسها في نشاط ما وأن تحب الدراسة وتستمتع بها، وألا تشعر بثقل الدراسة وكم الواجبات وتحدي الأفضل.

 

أظن أن لنا دورًا في ذلك، بداية التحديات النفسية تبدأ مع المدرسة ومع كم الإساءات النفسية التي يتعرضون لها من مجتمع المدرسة النمطي، وفي الحقيقة أغلب المدارس نمطية، فإذا كنتِ لا تملكين رفاهية اختيار المدرسة فأنتِ تملكين تنمية مهارات تعليم طفلك لتحدي هذه الأفكار النمطية، وقبول عجزه في بعض النقاط، وتنمية نقاط قوته، ووضع خطة واقعية للتعامل مع عجزه.

 

إذا كان طفلك يعاني من صعوبات في التعلم، وبالكاد يحصل على درجة النجاح، لا تكوني خيالية وتلزمينه بالدرجة النهائية، فقط ضعي خطة واقعية، تعلمي كيف تساعدينه وتبسطين له الأشياء وتعلمينه كيف يزيد من درجته تدريجيًا ويفرح بذلك الصعود في الدرجات، حتى لو بدا بسيطًا. فلنتخيل أن طفلك يحصل في مادة الحساب على درجة 15 من 30، وبعد محاولات وتشجيع حصل على 19 أو 20 من 30، يجب تشجيعه وطمأنته أنه على الطريق الصحيح.

 

يجب أن يدرك الطفل أن لكل منا نقاط قوة ونقاط ضعف، ويجب أن يتصالح مع نقاط الضعف ويفخر بنقاط القوة، معرفته بنقاط القوة هي مسؤوليتك، تلك البنت المراهقة التي جلست معها بالأمس وهي بعمر الثامنة عشرة ولا تعرف اهتماماتها وهواياتها ذنبها في رقبة أهل لم يهتموا سوى بالدراسة فقط.

 

امنحي نفسك المزيد من الوقت والمزيد والمزيد من الدلع، الذي أعرف أنك تستحقينه لتحتملي عناء الدراسة، ويصبح لديكِ طاقة لمواجهة بعض الغباءات والجمل النمطية التي ستجدين طفلك يرددها من المدرسة.

صديقتي.. امنحي نفسك الأفضل، فأنتِ تستحقين.

 

 

المقالة السابقةكيف يمكن استكمال العلاقة بين الأطفال ووالديهم بعد الطلاق؟
المقالة القادمةكواليس جروب Egyptian Single Mothers

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا