رسالة إلى مريم

784

تم نشرة في 03/01/2015

 

آيات جودت

 

إلى مريم..

قريت النهارده لتاني مرة مقال حنان الجوهري، اللي بتسأل فيه الولاد هم في مرة حبوا يبقوا بنات ولا لأ. أول مرة قريته على الموقع عجبني جدًا ومش فاكرة نشرته عندي ولا لأ، بس تاني مرة لما قريته في كتاب “ضل حيطة” خلاني أقعد أفكر كتير، وبعدها قمت أكتبلك الجواب ده. عشان عايزة أقولك حدوتة، على ما تكبري ويبقى ينفع أقولهالك هكون نسيتها، وأنا عايزة أحكيهالك.

 

أحكيلك النهارده يا مريم عن مامتك زمان، زمان أوي، مامتك قبل ما تبقى ماما، يمكن كانت وقتها في سنك وإنتي بتقري الجواب ده، تقريبًا كنت في إعدادي، لما مرة صديقة (مبقتش صديقة دلوقتي) قالتلي بزهق أوي “أنا عايزة أبقى ولد” وبصتلي مستنية إني أؤمن على كلامها، بس أنا محسيتش إني عايزة أقولها آه وأنا كمان طول عمري، مع إني برضو كان مقفول عليّ، وكان بيتزعقلي على كل حاجة، ولازم أحضر المناسبات العائلية اللي مش عايزة أحضرها وإخواتي الولاد لأ، كان كل حاجة بحساب وإخواتي الولاد لهم أفضلية في كل حاجة. بس أنا برضو مكنتش عايزة أبقى ولد.

 

كنت بتهرّب من التفكير الطويل في الحكاية دي، وأقول إنه عشان هم أكبر مني، وبكرة لما أكبر هعمل زيهم، كنت عارفة من جوايا إني بضحك على نفسي، بس كنت بصبّرني، عشان كده كنت متفهمة مأساة صاحبتي دي، لأن اخواتها الولاد الفاشلين أصغر منها، وبرضو لهم مميزات هي متقدرش تاخدها، طبيعي إنها تحس بالقهر.

 

في الوقت ده كنت بفكر كتير في الخلفة، وإني عايزة أخلف الولاد قبل البنات، عشان برضو البنات يلاقوا مبرر للي هيحصلهم، أو أنا أعرف أضحك عليهم بحجة إن دول كبار وإنتي صغيرة. كنت كواحدة ساذجة بتعامل إن الدنيا مفيهاش خيارات تانية، وإن البنت زي الولد ده كلام للأغاني بس وكده، وإن المجتمع استحالة يسمح بحاجات كتيرة زي إن البنت تخرج براحتها من البيت، مكنتش شايفة إن المسألة وجهات نظر قد ما كنت شايفاه واقع كلنا لازم هننسحق تحت أمره، ومفيش مفر.

 

لما كبرت أكتر وقطعت علاقتي بصاحبتي دي قامت الثورة، ومعملتش أي تغيير غير تغيير في حياتي الشخصية، غيرت تفكيري وحالتي الاجتماعية، ساعتها بدأت أفكر في كل المشاكل، الاجتماعية تحديدًا، بشكل مختلف، بدأ يبقى عندي منظور مختلف تمامًا عن اللي كان عندي من قبل الثورة، وكان عندي -أنا المتشائمة- شوية تفاؤل وحب وشوق للي جاي بعدين عشان ينوّر حياتنا.

 

شوية بشوية بدأت الدنيا تضلم أكتر مما كانت قبل الثورة، بس مكناش واخدين بالنا إنها ضلمت أوي كده. كنت حامل فيكي، وبالصدفة عرفت إن صديقة قديمة من الشغل اللي سبته حامل هي كمان، كلمتها أباركلها لقيتها بتقولي إنها خايفة أوي تجيب بنت، قلتلها يا ريت أجيب بنت، استغربت مني أوي وقالتلي إزاي تحبي تجيبي بنت؟ طيب والتحرش وقلة الأدب والظلم والعنصرية… إلخ… إلخ… إلخ. قفلت معاها وأنا مقتنعة أكتر إني عايزة أجيب بنت، معرفش ليه، بس أنا بحب البنات، وفكرة إن فيه تحرش أو غيره من ظلم دعيت ربنا إنه على ما تكبري تكون الحاجات دي انتهت أو نكون مشينا لبلد تحترمنا شوية.

 

أنا مش عارفة لما تيجي تقري الجواب ده هتكون الدنيا عملت فينا إيه، بس اللي هحاول أزرعه فيكي إنك عمرك ما تتمني في يوم تبقي ولد، عشان كونك مريم وكونك بنت دي أحسن حاجة حصلت في الوجود. مش عشان البنات أحسن من الولاد -رغم إني غالبًا هربيكي على كده- بس هي حاجة مينفعش تتشرح بالكلام، يمكن لأن وجود البنات في العالم هو اللي بيديه أمل إنه ممكن يكون أفضل في يوم من الأيام، وده اللي بيدّي طعم ولون وتألق في الدنيا. فلو حصلت حاجة في يوم خلّتك تكرهي كونك بنت، وجّهي غضبك ده ناحية اللي خلّاكي تكرهي نفسك، وحاربيه هو واللي خلّفوه.

 

مامتك

توتة (زي ما بتناديني)

المقالة السابقة10 طرق لتحويل مشاكل الديكور للوحة فنية
المقالة القادمةعن التفاصيل الصغيرة المعذبة للروح

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا