كاميليا حسين
ملحوظة: هذا المقال لا يشجع بأي حال على الاعتماد على الرضاعة الصناعية، ولا ينكر بالتأكيد فوائد الرضاعة الطبيعية للنمو الجسدي والنفسي للطفل (وربما للأم أيضًا).
حين أنجبت ابنتي الأولى اعتمدتُ تمامًا على الرضاعة الطبيعية، لكن كان من الواضح منذ الأشهر الأولى بعد الولادة أن معدل وزنها وطولها أقل بكثير من المتوسط، بل وأحيانًا أقل من الحد الأدنى، نفّذت كل النصائح: سوائل كثيرة، أشرب اللبن، آكل حلاوة، أشرب حلبة، أبلبع أقراص هيربانا، ولا شيء؛ اللبن لديّ قليل، والصغيرة تنتهي من طعامها ولا تكف عن البكاء، أشعر بها جائعة تطالب بالمزيد ولا تجد.
الرضاعة الصناعية للطفل حديث الولادة
رفض الرضاعة الصناعية
وقتها وصف لنا الأطباء أنواعًا متتالية من اللبن الصناعي، كانت في شهرها السادس، لم تتقبل تناول الببرونة أبدًا، وأنا كنت أشعر بالذنب دائمًا ﻷني لا أستطيع إشباعها ولا أستطيع أن أحشر الببرونة في فمها.
وأخيرًا حين تقبلت الرضاعة الصناعية في شهرها التاسع بدأ شعور جديد بالذنب يجتاحني، شعور بالذنب ﻷنني اﻵن أنتقل إلى الصف المقابل، صف الأمهات السيئات اللاتي يمنحن أطفالهن الببرونة. كنت أقول لنفسي: أنا أم فاشلة لا أستطيع منح ابنتي ما يشبعها، وستكبر وتحب الببرونة أكثر مني. كنت أتساءل هل الرضاعة الصناعية مضرة؟
كيفية الرضاعة الصناعية
في تجربتي مع ابنتي الثانية، كان الوضع مختلفًا، صرت أكثر تفهمًا ﻷنني قد لا أستطيع أن ألبّي احتياجاتها كاملة، حاولت أن أعتمد على الرضاعة الطبيعية بشكل كامل. كنت أفهم جيدًا أضرار الرضاعة الطبيعية على المناعة ، والتطور الجسدي، والعقلي، والنفسي أيضًا.
حتى مرضت ابنتي بشكل مفاجئ في منتصف شهرها الثاني وتم حجزها في المستشفى ﻷسبوع، كانت تتغذى خلاله بالطريقتين الرضاعة الطبيعية والصناعية أيضًا، ثم تعرضت ﻹجراء جراحة، بعدها قلّ اللبن عندي بالتدريج إلى أن انقطع تمامًا، وهو ما لم يحدث مع ابنتي الأولى.
بالتأكيد لجأت إلى الرضاعة الصناعية، وصرت أشعر بالذنب، هذه المرة تجاه نمو الصغيرة المعتدل.
وأقول لنفسي هذا ليس وزنًا ناتجًا عن صحة جيدة، هذه “نفخة” الصناعي، ألوم نفسي كلما عطست الصغيرة وأقول هذا نقص المناعة ﻷنها رضعت صناعي.
أخبر نفسي أنها ستعاني من السمنة بسبب اللبن الصناعي (رغم أن وزنها في المعدل المتوسط) لدرجة أنني إذا ابتسمت لها ولم تتجاوب معي أقول ليست ذكية كفاية، فالرضاعة الصناعية تؤثر على الذكاء الوجداني.
وبالطبع كنت أشعر دائمًا أن علاقتها بالببرونة أقوى مني (ستكبر وستصبح الببرونة صديقتها المفضلة وربما تناديها ماما).
أنتقل من ذنب إلى ذنب ولا أرحم نفسي، من ذنب الكبرى النحيفة التي لا تنمو بما يكفي، إلى ذنب الصغرى التي تحب الببرونة أكثر من أمها.
أُعنّف نفسي دائمًا وألومها، لستُ أمًا كما ينبغي للأمهات أن تكنّ، مرة ﻷنني لا أتمكن من حشر الببرونة في فم ابنتي وأخرى لأنني لا أتمكن من الاعتماد على ثدييّ وألجأ للبرونة ﻹطعام أختها، دوامة لا تنتهي من الشعور بالذنب.
وأخيرًا بدأت أتصالح مع الفكرة، لم يحدث الأمر بين يوم وليلة، احتاج الأمر ﻷن ألتقي بالكثيرات ممن مررن بنفس التجربة.
تشاركنا الحكي واكتشفنا أن كلاً منا مرت بتلك المرحلة من الإحساس بالذنب، والضغوط النفسية الذاتية والمجتمعية أيضًا، هناك بالتأكيد من ستقابلك وتقول “يا حرام بترضع صناعي!” أو “ليه كده حرام عليكي بتظلمي بنتك!”
أو التي تعطيني محاضرة في فضل الرضاعة الطبيعية على الرضاعة الصناعية كأني “بتدلع مثلاً”. وتحدثني عن اضرار الرضاعة الصناعية على الام.
ساعدني كثيرًا أن أستمع لصديقات يتحدثن عن نفس مشاعري المضطربة وعن تعاملهن معها، وتخطيهن لها. ساعدتني القراءة عن الأمر. حتى بدأت أتصالح أخيرًا، الرضاعة الصناعية ليست أفضل ما يمكنني تقديمه، والرضاعة الطبيعية أفضل ألف مرة، هذه حقائق علمية لا يمكن الجدال فيها، لكن لم يكن بيديّ ما هو أفضل.
لست أمًا فاشلة ولا شريرة ولم أحرم ابنتي من شيء، لم يكن من الممكن أن أحشر الببرونة في فم الأولى ولم يكن من الممكن أن أترك الثانية جائعة. لقد فعلت كل ما بوسعي وأستطيع اﻵن أن أحتضن الصغيرتين وأكمل طريقي بسلام.
أرضعت بنتيّ صناعيًا لكني لست أمًا سيئة