عزة ابو الانوار
قد تكون واجهت يومًا أن تداعب طفلاً في السوبرماركت أو تربت على رأس طفل في المواصلات العامة فيكشر وينفعل ويبدي غضبه، وربما يزيح يدك بعيدًا وينصرف. وقد تكون قابلت النقيض.. الطفل الذي ما أن تشير له باي يترك أهله ويجلس معك ويكون مستعدًا أن يمشي معك حيث تذهب.
مفاجأة.. الأمر برمته مرتبطًا بالتربية الجنسية. قد يبدو لبعض الآباء مفهوم التربية الجنسية أمرًا مبالغًا، فيتجاهلون الأمر أو يبدؤونه متأخرًا بعدما يكون قد تكوَّن لدى أطفالهم صورًا مغلوطة ومعلومات خطرة تودي بهم إلى مشكلات مع الجسد والصحة النفسية والتعامل مع الجنس الآخر، وقد يصل الأمر إلى اضطرابات هوية. ويبدو لفريق آخر من الآباء أمرًا ذا أهمية بالغة، فقط لحماية أطفالهم من التحرش الذي بات متفشيًا في كل المجتمعات، فبالغوا في تعليم أطفالهم حدود الجسد وأسس التعامل مع الغرباء، فأصبح الأطفال عدوانيين تجاه أي إطراء أو مداعبة من الكبار.
لذا لنضع الأمور في نصابها وحجمها الصحيح والصحي، علينا أن نعرف ماذا نخبر أطفالنا عن أجسادهم وعن جنسهم، ومتى وكيف نخبرهم بذلك.
تبدأ التربية الجنسية ببداية كل شيء، فليس من المعقول مثلاً أن تترك طفلك جاهلاً تمامًا وتلقائيًا تمامًا وذات صباح فجأة تخبره أن يفعل ولا يفعل؛ حتمًا سيسبب ذلك إرباكًا للطفل ويثير تساؤلات قبل توقيتها المناسب.
لذا من المهم أن نعرف أولاً أن الأمر مُحاط بأوهام وشائعات لا تتصف بالصحة بحال، ومن هذه الأوهام:
1- التربية الجنسية تحمي طفلك من التحرش
الحقيقة أن التربية الجنسية بالفعل تحمي أطفالنا من الاعتداءات الجنسية، لكن ليست هذه الفائدة الوحيدة أو الأساسية، فحتى إن كان طفلك في بيئة آمنة من التحرش (هذا إن كانت موجودة) فمن فوائد التربية الجنسية:
– أن يتدرج طفلك في استقبال المعلومات حتى يدخل كل مرحلة من حياته بسلاسة، مُعدًّا لاستقبال أي تغير في جسده، واستقبال المعلومات في وقتها، ابتداءً بفضول الأطفال وملاحظة الفروق الجسدية بين الولد والبنت، مرورًا بالبلوغ والحب ووصولاً إلى العلاقة الحميمة. فلا يصطدم بمعلومة جديدة دون تأهيل لها.
– ألا تتركي طفلك لفضوله فيعتاد أمورًا تضر بصحته النفسية والجنسية.
– أن يكون مُعدًّا للتعامل مع المعلومات المغلوطة التي قد يستقبلها مصادفة من أي مصدر.
– ألا يشعر بالكُره أو الخجل تجاه جسده، أو يشعر بحرية تامة فيبالغ في الأمر وقد يصبح طفلك معتديًا نتيجة الجهل أو التجاهل. (نحط لينك مقال أمل طه ولا مش مرتبط اوي؟)
2- من أوهام التربية الجنسية أيضًا أنها تبدأ قبيل البلوغ
التربية الجنسية تشمل جوانب عدة، بالتالي لها مراحل عدة، فليست هي أن يعرف الطفل البلوغ فقط، إنما لكل مرحلة معلوماتها المناسِبة لفضول الطفل واستيعابه:
– تبدأ التربية الجنسية مع بداية التربية عمومًا، فأول خطوة فيها أن يعرف الطفل أجزاء جسمه عمومًا، يديه ووجهه وقدمه، ليكون مؤهلاً لمعرفة حدوده الشخصية ومستوعبًا لجسمه وتلامسه مع أي شيء. وذلك في الشهور الأولى من عمره.
– يتعرف الطفل على أجزائه الخاصة، فكما يعرف وجهه ويديه يجب أن يعرف المناطق الحساسة، والوظائف التي تقوم بها تلك المناطق في كل مرحلة من عمره.
– في أول سنتين من عمر الطفل إذا كنتِ تتركينه في حضانة أو مع أحد أقاربه يجب أن تتأكدي أن شخصًا واحدًا هو المسؤول عن تغيير ملابسه وتحميمه، فيتعلم أن جسده ليس مشاعًا وأنه أمر خاص لا يصح أن يُمارَس أي شيء تجاهه في العلن، سواء لدخول الحمام أو عادات النظافة الشخصية أو الاستحمام.
– في مرحلة تدريب طفلك على خلع الحفاض يجب أن يعتاد من البداية أن عملية الإخراج تكون في دورات المياه فقط، فلا تضعي له القصرية أمام التليفزيون أو وسط الجلسات العائلية، بل في دورة المياه والباب مغلق ولا يجلس معه إلا شخص واحد من المسؤولين عنه.
– بعد مرحلة خلع الحفاض وحتى دخول المدرسة، يبدأ الطفل في التعرف على الفروق الظاهرية (الظاهرية فقط) بين الولد والبنت، تمهيدًا لتعريفه بالفروق الكلية، واستعدادًا لتفريق التعامل مع الجنس الآخر، من الأمور الشبيهة بفصل الحمامات في الأماكن العامة واختلاف الملابس وملابس السباحة وما شابه ذلك.
– التربية الجنسية من دخول المدرسة وحتى البلوغ
– يبدأ طفلك بالتدريج التعرف على الفروق بين الذكر والأنثى، ولتكن البداية من تعلم التلقيح في النباتات، ثم الحيوانات. سيبدأ عقله تلقائيًا في تفنيد العلاقة بين الذكر والأنثى عمومًا، كما يمكن الابتداء في تحميله مسؤولية أخيه أو أخته الرضيعة، فلا يفاجأ بالاختلاف فنتركه يكتشف الفرق بنفسه.
– 10 سنوات سن مناسب لبداية الحديث عن البلوغ، فيمكنك إخبار طفلتك عن الرحم والحمل وعملية التبويض، بعدها يمكن إخبارها عن الدورة الشهرية، ويمكنك فتح الحوار من خلال رؤيتها للفوط الصحية مثلاً أو تعليقها على عدم ممارستك الشعائر الدينية.
– كذلك ابنك يُفضَّل أن يتحدث معه والده، وفي حال غياب الأب يفضل أن يكون الرجل الأقرب له، جده أو خاله أو عمه، حتى يشعر أن الأمر طبيعي، ويبدأ التدرُّج في الحديث منذ تكاثُر إنبات الشعر في وجهه وجسده، ثم الخوض تدريجيًا في معلومات البلوغ والاحتلام.
– بعد البلوغ
لا يجب أن تتوقف التربية الجنسية أبدًا، فبعد مرحلة البلوغ يكون ابنك في سن حرجة، فقد انفتح على عالم أوسع ومصادر معلومات لا نهائية، لذا يجب مداومة المتابعة مع أبنائك، فقبل وصولهم لقصص الحب والتفكير في الزواج يجب أن يعرفوا ما هو الزواج أصلاً، فيبدأ الأمر بمعلومات سطحية دون خوض في تفاصيل، كأن تخبري ابنك عن أساس عملية الجماع، وكونها علاقة مقدسة لا يجب أن تنفك أبدًا عن مشاعر الاحترام والحب والثقة بين الطرفين، وتأكيد أن الجنس في ذاته منفردًا ليس علاقة جيدة أو دائمة. حتى لا ينجذب ابنك أو ابنتك للتجربة المُجرَّدة من العواطف، وحتى يعرف ضرورة السيطرة على زمام رغباته.
3- من الأوهام أيضًا المرتبطة بالتربية الجنسية أنها مرتبطة بالجنس فقط
التربية الجنسية تتعلق بأمور كثيرة قد تبدو غير ذات صلة، وقد يقع الآباء في بعض الممارسات الخاطئة اعتقادًا منهم أن لا علاقة لها بالأمر.
– الاعتداء على الطفل بالضرب أو أي تلامس بغرض العقاب والتعنيف يوصل للطفل رسالة أن جسده مشاع وليس له سيطرة كاملة عليه، فقد يشعر بخوف يؤدي إلى تباطؤ في رد الفعل تجاه التحرش، فيجب احترام جسد الطفل ليدرك مفهوم الخصوصية والدفاع عنها.
– التعليمات المرتبطة بالنوع (ذكر/ أنثى) مثل الفتاة لا يجب أن تفعل كذا، الولد عليه أن يفعل كذا، يشوش مفهوم المسؤولية وقد يعطي انطباعًا للطفل أنه مسؤول عن الاعتداءات التي قد تحدث له، كما قد يكره الطفل نوعه، كما هو منتشر خصوصًا بين البنات. فالطفل -أيًّا كان نوعه- يتعلم مسؤولياته وطرق حمايته واحترام الخصوصية حال كونه إنسانًا وليس على أساس كونه ذكرًا أو أنثى.
– إذا طلب أحد الكبار تقبيل الطفل فليس من حق أحد أن يجبر الطفل على الموافقة، فإخباره أن هذا عيب وأن جدتك ستغضب أو عمك سيأخذ الهدايا، مثل هذه الأمور تزرع في العقل الباطن لدى الطفل أن تبادل الحب بالتلامس أمرًا واجبًا، بالتالي يصبح إحساسه مشوشًا ولا يستطيع الحكم الفطري الأوَّلي على الأمور، فلا تبتز أو تجبر طفلك على الاحتضان أو التقبيل بأي حال.
– الآباء الأكثر عنفًا أطفالهم أكثر عرضة لاضطرابات الهوية الجنسية، فمثلاً الطفل قد يكره كونه ذكرًا لأن أباه (أهم رجل تعامل معه) كان عنيفًا متسلطًا، كما قد يزداد تعاطفه مع أمه (أهم نموذج نسائي) فيبتعد عن عالم الرجال ويحاول ألا يصبح واحدًا منهم، ويفضل أن يكون مع الجانب الأكثر رحمة وحنانًا.
– الأطفال واعون بما فيه الكفاية ليدركوا أن الحديث الدائر حولهم هو أمر خاص، فلا تتكلم أمام أطفالك عن أي أمور جنسية لم يختبروها بعد، حتى لا تُحفِّز فضولهم قبل أوانه.
وحتى ترين طفلك كامل الرجولة أو الأنوثة عليكِ أن تكوني مصدر المعلومات الأول، فالثقة والصداقة والتفاهم مع أبنائك هي مربط التربية الصحية، نفسيًا وجسديًا.. وليكن في خاطرك دومًا أن كل خطأ أو بادرة سوء لدى أبنائك قابلة للتعديل والعلاج فلا داعي للانزعاج أو التوتر.
مصادر:
https://kidshealth.org/en/parents/development.html
شائعات وأخطاء في التربية الجنسية