حتى لا تكون معنِّفًا دون أن تدري

1947

“ما دام مبيضربكيش ولا بخيل ولا قاعد مبيشتغلش يبقى بتشتكي منه ليه؟”. كم مرة سمعت امرأة ما هذه الجملة بمنتهى الثقة من المحيطين بها عندما تشكو أن هناك خطبًا ما بزوجها لا تدري كيف تشرحه؟

عندما تحاول أن تخبر الآخرين أنه رغم أنه لا يضربها ولا يبخل على البيت وعليها بالمال وأنها لا تضطر للإنفاق على المنزل إلا أن الحياة معه غير مريحة، هناك شيء ما تعاني منه ولا تعرف كيف تشرحه.

فتتهم بالبطر والتمرد غير المبرر، تسمع إحداهن كلمات اللوم والتخويف فتراجع نفسها وتقرر أن تصمت وتحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه

تستخدم أقدم وسيلة عرفها البشر للتواصل فيما بينهم، الكلام، تحاول الحديث مع زوجها عما تشعر به تجاهه، تشرح له أن هناك تصرفات يفعلها تعرضها للإنهاك النفسي ولا تستقيم معها الحياة.

إليك بعض نصائح للزوج للتعامل مع زوجته، التي تحاول أن تشرح له لماذا تشكو منه، ولماذا تبدو غير سعيدة رغم أنه لا يضربها ولا يبخل عليها ولا يتركها تنفق وحدها على حياتهما.

صور من العنف السلبي

عدم احترام الزوج لمشاعر زوجته

الفكرة السائدة عن أن العنف الواضح هو الشكل الوحيد للعنف، وهو الصورة الوحيدة التي تستدعي الشكوى ومحاولة إيجاد الحلول فكرة قاصرة، العنف لا يقتصر فقط على الإيذاء البدني أو الاستغلال الجنسي أو العنف اللفظي والسباب،

أيضًا هناك نوع من أنواع العنف الذي يمارسه الكثيرون دون أن يفطنوا إلى كونه عنفًا، هم يرونه طريقًا مختصرًا للحصول على ما يريدونه دون الكثير من “وجع الدماغ”،

ولا يعرف من يتعرض لهذا النوع من العنف على الأغلب أنه عنف، هم يرونها تصرفات مستفزة أو خاطئة أو غير مسؤولة، ولكن تعريفها عنفًا ليس شائعًا جدًا، ولذلك يستمر الطرف الذي يمارس هذا النوع من العنف في ممارسته،

ويستمر الطرف المتلقي في استقبال هذه التصرفات والمعاناة منها دون أن يحاول إيقافها لأنه لا يراها شيئًا يستحق اختلاق المشكلات.

هذا النوع من العنف هو ما يسمى بالعنف السلبي، والعنف السلبي وفقًا للمركز الطبي بجامعة نيويورك، هو التصرفات التي تبدو لائقة في حين أنها في حقيقتها رسائل سلبية، يستخدمها طرف في التواصل مع الطرف الآخر، لتحقيق أهدافه والمطالبة باحتياجاته، بدلاً من استخدام الأسلوب المباشر.

تعرفي على: أنواع العنف الأسري: هل أنتِ في علاقة مسيئة

العنف السلبي المباشر

محاولات السيطرة

“ادبحلها القطة، لازم تعرف مين راجل البيت” الجملة الموجهة للرجال والأكثر شيوعًا بين المتزوجين حديثًا، قانون غير مكتوب يستخدمه الرجال لفرض السيطرة خوفًا من أن تصبح زوجته هي المسيطرة وهي قائدة العلاقة

فيبدأ الزوج في ممارسة ضغوطات لا يمكن أن تصفها بالعنف الصريح، ولكن غرضها الحقيقي هو تخويف الزوجة وإقناعها أنها الطرف الأضعف.

تعرفي على: العنف الجسدي: علامات تدل على عنف الشريك وكيف تنجي بنفسك

التقليل من أهمية الزوجة

هذه التصرفات من فرط عاديتها وتكرارها في الحياة اليومية لا يعترف أحد أنها عنف، مثلاً الجملة الأشهر التي يلقيها الأزواج في وجوه زوجاتهم كل لحظة تقريبًا “إنتي قاعدة طول النهار بتعملي إيه؟”

متبوعة بضحكة على اعتبارها مزاحًا بريئًا، مع ما تستتبعه من مشاعر سلبية وتقليل من مجهوداتها وإنكار أهمية وجودها أصلاً، بشكل ضمني دون التصريح بذلك بكلمات واضحة.

التسفيه من أي مجهود تمارسه الزوجة واعتباره لا يرقى للمجهود المبذول خارج المنزل، والذي يمارسه الزوج يوميًا، عن طريق عقد مقارنات بين بيئة المنزل وبيئة العمل أو المعاناة في الشارع

كلمات في ظاهرها الشكوى مما يتعرض له الزوج من تحديات صعبة، وفي باطنها المعايرة بأن الزوجة مدللة لا تواجه شيئًا جديًا في يومها، هذا التصرف ليس عرضيًا ولا يمر سهلاً

هذا التصرف الصغير بإمكانه تدمير نفسية إنسان، تشكيكه في قدراته وإجهاده في محاولات أن يرقى لمستوى توقعات الطرف الآخر، هذا عنف نفسي صريح تمامًا ولكنه من فرط تكراره لا يسميه أحد عنفًا.

تعرفي على: العنف اللفظي: أشكاله وطرق مقاومته

النقد المستمر

أيضًا الرجل الذي دوماً ما يصرح عرضاً أنه لا يرتاح في المنزل، الإزعاج الذي تسببه شجارات أطفاله مع بعضهم بعض، ومزاحه الدائم بشأن صراخ الزوجات على الأبناء، وأن بيئة المنزل مزعجة لا يجد فيها الراحة، هذه التصريحات تمنح الزوجة فكرة واضحة عن اعتقاد زوجها فيها كزوجة فاشلة وأم أفشل.

أي امرأة هذه التي تحول المنزل لجحيم لا يستطيع فيه الزوج الذي يشقى خارجه لتوفير لقمة العيش إلى جنة! تنتابها دومًا مشاعر الدونية وعدم الاستحقاق

هذا عنف نفسي يمارس على الزوجة التي تشعر تدريجيًا أنها لا تستحق الامتيازات التي يمنحها لها زوجها لأنها لا تمنحه شيئًا بالمقابل.

هناك الكثير جدًا من التصرفات غير المباشرة التي يقوم بها الزوج في سياقات لا تعتبر عنفًا ولكنها طالما تؤثر سلبًا على الطرف الآخر، فلا بد أن نعترف أنها نوع من أنواع العنف السلبي ونبدأ في تجنبه

فاحترام مشاعر الزوجة واحترام مجهوداتها ومعاملتها على أنها شريك فاعل له ذات الحقوق كما عليه نفس الواجبات هو الأصل، كما أن هذه الصراعات النفسية تؤثر على الطرفين سلبًا على المدى الطويل.

تعرفي على: كيفية علاج العنف الجسدي ضد المرأة والأطفال وأثره عليهما

العنف السلبي غير المباشر

العنف السلبي يمكن أن يتخذ صورًا شتى لا يمكن الإمساك بها، فالشخص الذي يمارس العنف السلبي بإمكانه أن يؤثر على الطرف الآخر عن طريق تصرفات ليست موجهة له مباشرة

ولكنها تؤثر عليه بشكل كبير، بل إنك يمكن أن تمارس العنف السلبي على شريكك في العلاقة عن طريق تصرفات شخصية تقوم بها وحدك تمامًا ولكنها تؤثر بشكل كبير على الطرف الآخر.

الأفلام الإباحية

“بيشوف أفلام إباحية في السر رغم أني مهتمة بنفسي ورغم إنه كويس جدًا في العلاقة الزوجية ورغم ممارستنا لها بانتظام دون أي شكوى لا من طرفه ولا من طرفي”

شكوى متكررة يمكنك أن تراها على أي موقع أو صفحة مهتمة بالمشكلات النسائية، بل يمكنك أن تسمعها بتكرار مثير للإعجاب في معظم جلسات النميمة النسائية، تصرف يفعله الزوج سرًا والزوجة ليست طرفًا فيه

ولكن نتيجته مشكلات نفسية تصيب الزوجة التي تشعر بالتقليل وتفقد الثقة في نفسها، وتدخل في سباق مع نماذج غير حقيقية لمحاولة إرضاء الزوج لإثناءه عن مشاهدة المواد الإباحية.

عدم المشاركة في مسؤولية الأطفال

العنف السلبي غير المباشر أيضًا يمكن أن يتخذ أشكالاً كثيرة أخرى، فتفضيل جلسة المقهى والأصدقاء على قضاء الوقت مع الأسرة والاهتمام بالأبناء يعتبر عنفًا سلبيًا غير مباشر

التأفف من مسؤوليات الأطفال ورفض قضاء أي وقت معهم هو عنف سلبي غير مباشر يظهر أثره على الزوجة سريعًا عندما تجد نفسها وحدها طوال الوقت تقوم بكل شيء للأبناء، والأب ضيف لا يحضر كثيرًا ولو وجد فهو دومًا يشعر بالتأفف من جو المنزل.

استقلال الزوج في غرفة وحده بعد ولادة أطفاله وعدم مشاركة زوجته الفراش متعللاً بالإزعاج الذي يسببه الرضيع، هذا عنف سلبي غير مباشر يمارسه الزوج عندما يترك زوجته مع طفلهما المشترك وحدها، تكافح آلام ما بعد الولادة مباشرة وآلأم الرضاعة ومشكلات انعدام النوم، كل هذا جنبًا إلى جنب مع مسؤولية الطفل كاملة.

سرعة القذف في العلاقة الحميمة

عنف سلبي آخر غير مباشر ويمارس على نطاق واسع ويتعلق بالحياة الجنسية للزوجين، وهو منتشر بشكل مبالغ فيه بين متوسطي العمر، “سرعة القذف” التي لا يعتبرها الرجل مرضًا يجب أن يعالج ويتجاهل وجوده أصلاً، في حين تعاني الزوجة بسببه من حياة جنسية مبتورة وغير مرضية وغير مستقرة، ثم يصبح العنف مركبًا عندما تمتنع الزوجة عن مناقشة الموضوع خوفًا من أن يتهمها الزوج بقلة الحياء، فمطالبات الزوجات بحياة جنسية طبيعية تعتبر عيبًا كبيرًا وعارًا يجب مداراته في مجتمعنا.

كل هذه أشياء تجعل الزوجة غير مرتاحة في علاقتها مع زوجها، تجعلها تشعر دومًا بشيء خاطئ وبثقل كاهلها، كلها تصرفات تؤذيها بشكل مباشر تمامًا ولا يفطن أحد إلى كونها تصرفات مؤذية، ولا يعتبرها الزوج عنفًا ولكنها تؤدي في النهاية إلى نفس نتائج العنف الصريح، وفي النهاية تتقوض العلاقات التي كان من الممكن الحفاظ عليها لو فهمنا ما الذي نتعامل معه.

المقالة السابقةEmily in Paris: سبع قواعد للحياة، قواعد الحياة السعيدة
المقالة القادمةالعنف في العلاقات العاطفية: صور من العنف النفسي
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا