لماذا لم يخبرنا أهلنا عن الطلاق؟

840

تساؤل يحيرني كثيرًا عندما أرى عروس جميلة في ثوب زفافها تتراقص بأحلامها الصبيانية بعيدًا عن الواقع الذي سيحاصرها خلال أيام. تستعد الأم وتمسك بأذن صغيرتها تخبرها عن أمور، فتتورد وجنتا الصغيرة خجلاً: كيف يتم الجماع، أنسب طريقة لفض غشاء البكارة عن تجربة، احترمي زوجك واستمعي إليه واصبري معه.. وغيرها الكثير من النصائح التي تمثل الجانبين الجسدي والنفسي.

مع أنه اتضح مع الوقت أن كل تجربة متفرِّدة بذاتها، والذي قد يصلح مع أحد ليس بالضرورة أن يصلح مع الآخر. لا يهم.. لا يشغلني هذا الأمر بعد أن فطنت لفكرة تفرُّد التجارب، كل ما يؤرقني الآن: لماذا لا يخبرنا الأهل عن الطلاق ويخبروننا عن حقوقنا التي لا يجب أن نتخلى عنها؟ وكيف نفرق بين حُسْن المعاشرة من سوئها؟

صدقوني ليس أمرًا بديهيًا يمكن أن نفطن إليه وحدنا، فقد رأيت بعيني صغيرة عشرينية توضع في مصحة نفسية كي تؤهَّل من جديد لأنها كانت تكره فقرة الجماع اليومي والتي كانت تعدها اغتصابًا حقيقيًا يتم دون رغبتها، كانت تكره طريقته في الجماع رغم أنها لا تكرهه كزوج، أشارت له باستحياء عن عدم حبها لتلك الطريقة، لكن يبدو أنه لم يعرف طريقة أخرى، فاستسلمت للفكرة باعتبارها أمرًا عاديًا يحصل بين أي زوجين.

ثم بدا عليها علامات التغير والإعراض عن الطعام والشراب، ساءت حالتها جدًا، فقط لأن أمها لم تخبرها أن هذا سببًا كافيًا للطلاق. يرن بأذني الآن كلمة قالتها عمتي يوم عرسي “إحنا جوازنا جواز كاثوليك.. معندناش طلاق.. فاهمة؟”، وقفت بعدها في حالة ذهول، ماذا لو…؟ لكنه يوم عرسي، ليس عليّ أن أفكر في ذلك الآن.

لكن ببساطة يمكنني أن أفكر في هذه الكلمة الآن، وأنا أتصور صورة جارتي تقفز من شرفة غرفتها وهي بملابس النوم وتحمل طفلين في رحمها هربًا من المجنون الذي يحبسها في البيت ويضربها لأهون الأسباب، حتى اضطرت أن تهرب سرًا إلى أهلها، الذين صُعِقوا من منظرها وهي تنزف وقد فقدت طفليها إثر عملية الهروب. لماذا لم تخبر أهلها بذلك سابقًا؟ لأنهم لم يخبروها أن هذا سببًا كافيًا للطلاق.

في مثل هذه الحالات فلتذهب نظرات المجتمع للجحيم، وكذلك ثرثراتهم، لأن الشيء الوحيد الذي يهم هو النفوس التي كسرت والأرواح التي زهقت. إن كان المجتمع يقسو على المطلقات، فالأهل أحن عليهن من المجتمع. أو من المفترض أن يكونوا كذلك. لا أريد أن أناقش أسباب انتشار الطلاق، لأنها من وجهة نظري هي لأمرين، أحدهما: انتشار الوعي بحقوق كلا الطرفين والقدرة على الاستقلالية ومواجهة المجتمع، والتانية: لعدم قدرة الطرفين على تحمل المسؤولية.

أما الذي يؤرقني حقًا لماذا لا يناقشنا الأهل في احتمالية الطلاق؟ متى أطالب به؟ كيف أميز بين حقوقي المنتهكة والصبر مع الحبيب على البلاء؟ لماذا لم يخبرونا أن عدم الحب سبب كافٍ للطلاق حتى لو كان سيد الرجال؟ لماذا لم يحكوا لنا قصة امرأة ثابت بن قيس؟ هذه المرأة خافت من البقاء مع زوجها وهي لا تحبه، فتقصر في حقوقه وتعصيه فتأثم أو قد تخونه، لذلك طلبت الطلاق، وكان سببًا كافيًا.

فإن كان حتى الدين بهذا اليسر فلماذا يتعمد المجتمع العسر؟ لماذا يصرالمجتمع على جعل الأعراف والتقاليد مصدرًا للتشريع؟ وليته مصدرًا منطقيًا! هو لا يخاطب القلوب ولا حتى العقول. هذه ليست دعوى للطلاق.. ولكنه مجرد طرح لضرورة نشر الوعي من قِبل الأهل أولاً بالحالات التي يستحيل معها البقاء في علاقة نهايتها ضرر لأحد الطرفين، ثم للمجتمع برفع وصمة العار عن الطلاق بصفة عامة.

المقالة السابقةلماذا لم أصبح أمًا جيدة؟
المقالة القادمةحبوب الفطور للاطفال: فوائدها وأضرارها وكيف يتم عملها

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا