هذا ما فعلته صينية بطاطس باللحمة

1815

بقلم: رنا ناصر

في أحد أيام العمل الشاقة، بما فيها من ذهاب وإياب لتحضير طلبات الكتب للعملاء، بحكم عملي في مكتبةأون لاين”، كان يومًا مرهقًا بسبب ازدحام المواصلات، وسخافات بعض المواطنين، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب الحديث مع عميل مُجهِد للغاية بكل استفساراته لتحضير ما يريد من الكتب، انتهى اليوم وانتهيت معه، في هذا اليوم كان لي أن أتناول على الغداء صينية بطاطس باللحمة من يد أمي، وأنا في طريقي للبيت سألت نفسي: هل صينية البطاطس باللحمة قادرة على ابتلاع سخافة اليوم ومتاعب العمل؟

في الواقع وجدت الإجابة أثناء تناولي لشرائح البطاطس اللذيذة هذه، وما عليها من قطع لحم مطهوَّة بطريقة تروق لي، فوجدتها قادرة بالفعل على ابتلاع ولو بعض من بؤس هذا اليوم، فحدثتني نفسي قائلة: ماذا لو أن كل يوم يمكنني أن أتناول صينية بطاطس شهية كهذه؟!

ربما وقتها لن أتوقف عند محاولة تحرش تعرضت لها، أو حتى محاولة تعرضت لها أمامي فتاة غيري، ولم تكن لديَّ الشجاعة لمساعدتها، ربما تساعدني أيضًا على تجاهل النائمين في الشوارع على الأرصفة وفي الأزقة وتحت الكباري. أتمنى أيضًا أن تجعلني أتغاضى عن الأطفال الصغار الذين لا تتعدى أعمارهم 6 سنوات، ويبيعون المناديل في إشارات الطرق الواسعة وعربات مترو الأنفاق، ربما تكون قادرة كذلك على أن تنسيني نظرات الحزن والغضب في أعين المارة في الشوارع.

ماذا لو أن صينية البطاطس قادرة فعلاً على مواجهة كل هذا معي، بل وأكثر من ذلك؟ ربما تجعلني أتناسى أن دخلي الشهري ينفد بمجرد أن يأتي منتصف الشهر، ولا أتذمر من ارتفاع أسعار إيجارات الشقق لكوني أبحث عن شقة للإيجار، وارتفاع أسعار البنزين وبالتبعية ارتفاع أجرة المواصلات العامة والطعام. لو فعلت صينية بطاطس باللحمة هذا فقد قامت بأكثر من مهامها المطلوبة وهي سد الجوع والاستمتاع بوجبة شهية.

قد ذكر موقع www.wikihow.com وجود علاقة مباشرة بين تناول الطعام والسعادة، فيمكنك عند الإحساس باليأس تناول نوع الطعام الذي تحبه والذي لديه القدرة على تغيير مزاجك للأفضل.

هذه السعادة يمكن أن تتحقق لي ولكم، أي لمن يملكون ثمن عمل صينية البطاطس، فماذا عن من لا يملكون عمل صينية بطاطس باللحمة، أو حتى صينية بطاطس بدون لحم؟ ماذا عن من لا يملكون ثمن لقمة هنيئة يتناولونها في نهاية يوم تعيس؟ بل الأصعب من ذلك أن تعاسة اليوم كله قد تكمن في آخره عندما يذهب أحدهم إلى بيته في نهاية اليوم وهو لا يملك قوت يومه.

وإذا كان كما يقولونأقرب طريق إلى قلب الرجل معدته“، فماذا لو لم يكن في بيت الرجل ما يعين زوجته على أن تصل لقلبه؟ بمعنى أن يكون بإمكانها يوميًا أن تحضر وجبة شهية تنسيه شقاء اليوم، وتجعله ينعم فيما أعدته له، فتكون هي الملاذ بكل ما تقدمه سواء الطعام أو السكينة والهدوء، مع مراعاة النظر أنه ليس من امرأة أن تجود بهذا إلا إذا كان يتوفر لها مثله أولاً.

رغم أنني لا أريد أن يُبنى حديثي على أمثال شعبية لا ينظر إليها البعض، لكنني أؤمن إيمانًا كاملاً أن الكثير منها يعبر عن حالنا، فكما قالوا قديمًايدخل الفقرمن الباب يهرب الحب من الشباك“، فأي زوجين مهما كانت درجة قربهما وحبهما لبعضهما، إذا تعلقت المشكلات بينهما بعدم الاطمئنان من حيث المادة، التي لا تشمل توفير الرفاهيات بالنسبة إليَّ، وإنما الأساسيات فقط من طعام وشراب وملبس، وسكن آمن، وميزانية خاصة بتعليم الأبناء، ستتوتر العلاقة بينهما، الآن أو غدًا.

فعندما تقرع المسؤوليات المادية الأبواب، تنقلب الحياة، ويبدأ التصادم من هنا، عندما تستقبل تلك الزوجة زوجها كل يوم بقائمة طلبات حتى قبل أن تعد له الغداء بعد شقاء يوم طويل، بسبب شعورها بالمسؤولية تجاه بيتها، وقد تشمل هذه القائمة مصاريف الطعام والشراب، ومصاريف مدارس الأبناء، وفواتير المياه والكهرباء والغاز، ومصاريف تجديد الاشتراكات الخاصة بالإنترنت والنوادي وما إلى ذلك، هنا الجميع يقف لها بالمرصاد يلومها، رغم أن ما تطلبه طبيعي ومنطقي لتسيير الأمور الحياتية العادية، ولضمان الراحة له ولأبنائهما.

فتلاحقها أقوال مثلدي مش مبطلة طلبات“، “مش كفاية تعبان طول النهار“، “مش عارف يرتاح لا جوة ولا برة“، رغم أن كل ما تفعله الزوجة هو تذكرة زوجها بما لديهما من مسؤوليات، وهي تعرف جيدًا أن راتبه الذي يتقاضاه في آخر الشهر لن يغطيها كاملة، لكن جميعها مصاريف لا بد منها، بذلك سيكون الزوج في حاجة للتصرف في بعض المال، وقد يستدين في هذه الحالة، ويضطره ذلك أن يسدد ديونه من راتب الشهر التالي، فتسوء الحالة المادية أكثر فأكثر، ولكن ما باليد حيلة غير هذه، الدين أو اللجوء للأعمال المشبوهة لزيادة الدخل، والنهاية السجن في الحالتين.

أظن أن مع هذا الوضع لن تستطيع صينية البطاطس باللحمة أن تفعل شيئًا، لأنها وإن استطاعت القضاء على تأثير يوم سيئ، فلن يمكنها أن تسيطر على مصاعب المعيشة التي قد تستمر مع أسرة من الأسر طيلة حياتها، هذا وإن ظلوا معًا ولم يهلك أحدهم في منتصف الطريق وترك البقية يهوون إلى أسفل.

فحقيقي يجب أن تسعد إذا كانت صينية بطاطس باللحمة هي مصدر من مصادر سعادتك، ولتسعد أكثر إذا كان في جيبك ثمن عملها.

اقرأ أيضًا: طبق سلاطة لا ينتهي

المقالة السابقةلكل مُدمن على الشراء: 10 أسئلة و5 قواعد
المقالة القادمةوسائل للحد من الولادة القيصرية بدون ضرورة
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا