تعلم قيادة السيارة بدون معلم

10729

تعلمي قيادة السيارة.. وحياتك أيضًا

تخبرني المعلمة في أول حصة لتعلم قيادة السيارة أن السواقة لا تحتاج إلى معلم، بل ممارسة، وإن فور انتهائنا من الحصص الخمس المقررة للتعلم، سأمتلك مفاتيح قيادة السيارة بنسبة 50%، بينما الـ50% الأخرى تتوقف على ممارستي الفعلية بعد التعلم وقوة قلبي في مواجهة مخاوفي وهواجسي المتعلقة بـ تعلم القيادة.

شعرت بالإحباط حينها، ولكنها كانت مدرِّبة واقعية ومحددة، وهذا ما علمت أهميته لاحقًا. إذا كنت أرغب حقًا في تعلم قيادة السيارات، عليّ أن أتقبل أخطائي كوني مبتدئة، أكون صبورة ولديَّ من ضبط النفس مخزون كافٍ، والأهم ألا أتوقف عن القيادة أبدًا.. إذًا أنا أحتاج للتحكم بقيادة نفسي أولاً حتى أتمكن من تعلم قيادة السيارة لاحقًا.

كان ذلك قبل عام من اليوم، حين سألتني طفلتي ببراءة “لم ننتظر التاكسي كل هذا الوقت وعربة بابا تركن بالجراج؟”، فأخبرتها “لأني مبعرفش أسوق”، جاوبتها بعفوية وضيق صبر من تحمل طفل رضيع لا يكف عن البكاء، وصغيرة ضجرة من الانتظار وأطنان من الحقائب لا تشفع لنا لدى سائقي الأجرة.. فردت بنفس العفوية: “خلاص اتعلمي!”.

الضوء الأخضر: تعليم القيادة للمبتدئين

لن أخفيكم سرًا، أصابتني كلمات صغيرتي في مقتل، ما الذي يمنعني حقًا عن تعلم القيادة؟!

أتذكر منذ تسع سنوات كنت فتاة جريئة منطلقة لا أخشى الطرق، لم أكن أمتلك عربة خاصة أو هناك نية قريبة لذلك، لكنني استيقظت ذات صباح وذهبت لأقرب مكتب تعليم قيادة للمبتدئين، دأبت يوميًا على التعلم المانيوال على إحدى فئات السيارات شديدة الصعوبة، ومع ذلك أنهيت الدورة واجتزت اختبار القيادة بنجاح، ثم استخرجت الرخصة الخاصة. لم يكن هناك شيء يمنعني، كان قلبي منفتحًا على التعلم والتجربة وتقبل الخطأ.

بينما أنا الآن -أو حينما اتخذت قرار التعلم- أصبحت أمًا لطفلين، أحدهما ما زال رضيعًا في حالة صحية مضطربة، قلبي لم يعُد كسابق عهده، صار أخف وأجبن من الخروج للتجربة، قلب أم، يعرف سماته فقط الأمهات، لا أمتلك رفاهية الخطأ أو اتساع الوقت.

لُمت نفسي عشرات المرات لمجرد التفكير في النزول وترك صغيري الرضيع مع أختي، كانت فكرة تعلم القيادة تلح عليَّ يوميًا في كل التفاصيل، تدفعني صغيرتي دفعًا بإصرار في كل موقف لاتخاذ ذلك القرار، يعود أبوها من السفر فتخبره “ماما لازم تتعلم السواقة زي الكبار”، أصمت منتظرة رفض الفكرة باعتبار أن الظروف الآن لا تسمح، لكنه يشجعني بدلاً عن ذلك، ويؤكد كلام الصغيرة.

أشارك أختي بهواجسي ضاحكة، تخبرني أنها فكرة عظيمة هيا لتنفيذها الآن، كعادتها دائمًا تحول “هدى” المستحيل لممكن بمنتهى السهولة والأريحية، أظن أنني إن أخبرتها يومًا برغبتي في تعلم الطيران بدون أجنحة سترد بنفس الحماس “فكرة هايلة جدًا يلا دلوقتي”.

و”يونس”؟ طفلي الرضيع؟ والوقت؟ هل سأتعلم حقًا؟ ماذا سأفعل في التركيز وانعدام النوم؟ هل يتعلم أحد القيادة في فصل الشتاء من الأساس؟ كل الأسئلة وجدت لها أختي الإجابات، رغم انشغالها بالعمل وأطفالها الثلاثة، لكنها دفعتني دفعًا لتعلم القيادة، التعلم الآن، حالاً وليس غدًا، “توكلي على الله إنتي بس وملكيش دعوة بالباقي”. أغلقت الهاتف معها وفتحت موقع جوجل لأكتب العنوان بالأعلى “أماكن تعلم القيادة للمبتدئين”.

تعرفي أيضًا على: أخيرًا تعلُّمت قيادة السيارة.. وقيادة نفسي

الضوء الأصفر: الاستعداد لتعلم قيادة السيارات

حسنًا، أخذت المرحلة السابقة بعض الوقت في البحث، حتى كدت أفقد الأمل والحماس، كانت لديَّ دوافعي الحقيقية لتعلم القيادة، تزداد يومًا بعد يوم، لم يكن قرارًا عاطفيًا كما تخيلت، بل كان ضرورة ورغبة مُلحَّة وحلمًا قديمًا، تحول لهدف، أخبرت نفسي أنني بعون الله ثم المحيطين بي سأتعلم القيادة قبل انتهاء عام 2018، وقبل أن يحين موعد تجديد رخصة قيادتي الخاصة.

هكذا وضعت الهدف وعملت على الخطة. وحينها فقط، حين صار القرار صادقًا من أعمق نقطة بقلبي، وجدت الطريق في اليوم التالي مباشرة.

أذهب للعمل أفكر في الأمر فأجده أمامي، كنت قد حصلت على الوظيفة للتو، لا زلت أجلس ساكنة في الاجتماعات الأسبوعية، حتى استمعت لزميلتي تتحدث عن بدء تعلمها للقيادة على يد مدربة، زميلتي التي هي صديقتي الآن كانت تتحدث وكأنها تجاوب كل محاولات بحثي على جوجل، تطمئن هواجسي دون قصد وتضع الحل بين يدي كالمفتاح السحري، حتى طلبت منها رقم المدربة ولم تبخل عليَّ ببقية المعلومات.

سجَّلت الرقم وأخبرت زوجي وأختي، الآن القرار صار واقعًا ملموسًا، ضغطة زر واحدة ويبدأ كل شيء، ارتفع الأدرينالين في دمي وأنا أنتظر الرد على الهاتف. ردت فتاة ودودة جدًا على الجهة الأخرى، تطمئنني وتخبرني بتحديد موعد البدء، غدًا صباحًا! سنبدأ مباشرة لا داعي للتأجيل.

صبيحة اليوم التالي استعددت بمنتهى الحماس، قرأت عن تعلم القيادة واستدعيت من الذاكرة البعيدة بعض المعلومات، تسلحت بالتشجيع وكوب القهوة المضبوط وذهبت، وكعادتي في بناء التوقعات العالية جدًا، عُدت بخيبة أمل كبيرة ورغبة في إلغاء الأمر كله بعد أول حصة.

حين سألتني المدربة عن حالتي الاجتماعية ودافعي لتعلم القيادة، كنوع من الدردشة للتغلب على التوتر والقلق، ثم ردت بعفوية اخترقت قلبي: “معقول عندك بيبي صغير وسايباه لوحده في السن ده!”. هكذا اخترق قلبي وعقلي تعليقها، وتشتت تركيزي وانتباهي، وهبطت معنوياتي للصفر. كانت حصيلة حصتي الأولى لا شيء إلا الخيبة.

بكيت في طريق عودتي للمنزل، لُمت نفسي كثيرًا جدًا، تساءلت عن جدوى ما أفعله، لكن ما حدث بعد ذلك كان مفاجأة.

الضوء الأحمر: فرامل.. انتظار.. بنزين

هكذا فعلت، أعدت تفكيري، رتبت أولوياتي وضبطت سقف توقعاتي، وضعت خطة محكمة هذه المرة، وانطلقت بحماس ممزوج بالواقعية، حصة وراء الأخرى كنت أكسر حواجز الخوف، لن أدَّعي أنها تلاشت الآن، لكنني تعلمت كيف أسيطر عليها جيدًا، ولم أكن لأفعل دون دعم المحيطين بي، زوجي وأختي وتشجيع أصدقائي المقربين، وبالطبع دعم “فريدة” الذي لا ينقطع. الأمر لم يكن سهلاً لكنني اجتزته بفضل الله.

في آخر حصة لتعلمي القيادة، أخبرتني المدربة ألا أقارن أدائي بأداء المحيطين بي أبدًا، بل بنفسي، كما أن تعلم القيادة مهارة فهي كذلك تختلف من شخص لآخر في الأداء والاستيعاب. ربتت على كتفي بمودة حقيقية وأخبرتني أنني أمتلك حذرًا جميلاً وأنها فخورة بما وصلنا إليه، والآن عليَّ الممارسة ثم الممارسة.

في الحقيقة لم تسر الأمور على ما يرام بعد ذلك، كمبتدئة في تعلم القيادة وكأم في المقام الأول، كان قلبي يكبح جماح قدمي. أعترف أنني لا زلت بطيئة في خطواتي وفي قيادتي، حذرة أكثر من اللازم، مررت بانتكاسات وهواجس لا حصر لها، في أول مرة خدشت العربة ولم يكن خطئي في المقام الأول، وقفت أبكي وألوم نفسي كالأطفال. مع الوقت صرت أتقبل أخطائي وأتعلم منها. أمُر بكل الشوارع التي كنت أراها ضيقة جدًا أو مرعبة جدًا، وأمتن لله أنه أعانني على تخطي مراحل الخوف الأولى وأعطاني القدرة على المواصلة.

كان لأختي الفضل في كسر حواجز الخوف المتبقية. وثقت بي بشكل لم أتخيله أنا في نفسي، لم تكن تدربني على القيادة لمسافات طويلة فقط، بل دربتني أيضًا على ضبط النفس والتخلص من الخوف، دفعتني دفعًا لأقوم بما تخليته مستحيلاً. كان يمر بين الإنجاز والأخر شهور، ولكنها كانت حقًا إنجازات، وفي أول مرة جلست بالسيارة بمفردي، أدرت المفتاح، واستعمت لصوت الماتور، وتحركت في طريقي للعمل. تيقنت أنه كان القرار الصحيح في التوقيت الأمثل له، لم يكن قرارًا عاطفيًا مندفعًا، ولم تؤخرني الأمومة عن القيام به، كان الوقت المناسب تمامًا.. تمامًا.

تعرفي أيضًا على: 15 هدية تناسب صاحبتك لو جابت عربية جديدة

ماذا علمتني قيادة السيارات

الآن يمكنني أن أؤكد جملة “تعلم قيادة السيارة بدون معلم”. نعم عزيزتي، يمكنك تعلم القيادة بدون معلم.. هذا الشعار ليس أسطورة أو جملة إعلانية للترويج عن دورات تعليم القيادة للسيدات. متى حصلتِ على قلب جريء باتزان ورغبة قوية مبنية على دوافع واقعية وتوقعات حقيقية لما ستواجهينه، سيمكنكِ تعلم القيادة بسهولة، مع بعض التوجيه والتشجيع والدعم والمساندة بالطبع.

شاهدي فيديوهات تعليم قيادة السيارات كثيرًا، استعيني بصديقة تثقين بها أو أخت أو أخ أو زوج، ليخبرك الأساسيات. سأنصحك بالابتعاد عن الرجال في عائلتك؛ لا يوجد رجل سيعلمك القيادة فعلاً سوى أبيك، زوجك سيعطيكِ المعلومات اللازمة، والتشجيع الرائع، التحفيز المفرط والدعم بالوقت والمال، لكنه لن يعطيكِ مفتاح سيارته أبدًا في بداية تعلمك القيادة، وإن فعل فتوقعي سيلاً من الإحباطات والعصبية والتوتر في علاقتكما معًا.

مدربتي لم تتعلم القيادة إلا بمفردها، أخبرتني أنها ذهبت لأحد مراكز التعليم وهناك نصبوا عليها، أخبروها أنها صارت جاهزة للانطلاق وشبهت حالتها حينها بسمكة الزينة التي قذفوها للمحيط فجأة، فبعد أسابيع من القيادة في مربع آمن، خرجت للشوارع الجانبية يلتهمها سائقو الميكروباص والنقل والتريللات، ومع أول موقف صعب واجهها، أصرت على أن تتعلم بمفردها وتمارس القيادة يوميًا. حتى صارت بعد خمس سنوات مدربة مميزة.

القيادة علمتني ضبط النفس، الحذر، توقع الفعل وردة الفعل. علمتني أن الشطارة حقًا ليست في السرعة أو “الغُرز”، بل في أن أذهب وأعود في طريقي دون أذى متبادل. تعلمت الصبر، وأن الحماس وحده لا يكفي، وأن طريقة قيادتك لحياتك لن تختلف كثيرًا عن قيادتك لسيارتك.

تحكمك في عجلة القيادة ما هو إلا انعكاس لنفسك الحقيقية. تعلمت أن الانتكاسات والخوف مقبول وطبيعي ما لم يعوقاني عن الاستكمال.

كيف تبحثين عن مراكز تعلم القيادة للسيدات؟

لا تبدئي بجوجل؛ جوجل سيعطيكِ المعلومة ولكنه لن يخبرك عن التجربة، ومع ذلك فهو وسيلة يمكنكِ الاستعانة بها إذا لم تنفع الوسائل التالية:

  1. صديقاتك المقربات، ومن مررن بتجربة تعلم قيادة السيارات في أحد مراكز التدريب، وبالفعل مارسن وحصلن على فائدة وتعلمن حقًا، لأن أغلب المراكز التدريبية تعتمد على القشور وجني المال، مع إعطائك توقعات عالية للغاية تضرك أكثر مما تفيدك.
  2. اسألي في محيط سكنك، سيهسل عليكِ ذلك التكاليف، وعلى الأغلب كلما كان المكان قريبًا، تمكنتِ من ترتيب وقتك وأمورك إذا كان لديكِ أطفال.
  3. اختاري مراكز التدريب التي لديها تنوع في المدربين وساعات العمل وأنواع سيارات تماثل التي ستقومين بقيادتها فيما بعد، حتى تكون تجربتك مفيدة ومثمرة.
  4. التجربة خير دليل، يمكن لمكتب تعلم قيادة صغير أن يعلمك بشكل أفضل من المراكز الشهيرة.
  5. إذا كان متاحًا لكِ أن تعلمك صديقتك المقربة أو أختك أو أبوكِ، لا تترددي، فحينها ستكونين على طبيعتك أكثر وسيتقبلون أسئلتك بصدر رحب، والأهم ستضبطين وقتك بأنسب شكل مع عائلتك.

من تجربتي

  • التعلم مع مدربة سيدة ومدرب رجل قبل ذلك، يمكنني أن أخبرك بيقين أن المدربة المحترفة تكسب مئة مدرب رجل. ستتحملك وستتفهم أخطاءك وخوفك، ستلطف الأجواء وستكونين على حريتك أكثر، تكون صبورة ومتعاونة أكثر بكثير، والأهم لن “تتفزلك” عليكِ وتصدع رأسك بمغامراتها بالسيارة في الشوارع والميادين وتحت الماء.
  • فور تعلمك للقيادة وانتهائك من التدريب لا تتوقفي عن الممارسة أبدًا، ابدئي في ممارسة القيادة نهارًا في الشوارع الهادئة القريبة حول منزلك، ثم في الشوارع الجانبية. فور تمكنكِ من التحكم بالسيارة وعجلة القيادة انطلقي للشوارع الرئيسية. خذي وقتك ولا تتسرعي.
  • بعد وقت محدد ستشعرين به أنتِ فقط، ستقررين أنه الوقت المناسب للانطلاق صباحًا ومساءً بالسيارة. في الزحام وفي أوقات الهدوء. وهذا يختلف من شخص لآخر، لا زلت عن نفسي أفضل القيادة في الزحام نهارًا وأتجنب المساء والطرق السريعة الخالية، بينما البعض يخبرني أنني مجنونة لأن القيادة في الزحام أسخف شيء ممكن. على كلٍّ استمعي لصوت قلبك وعقلك، راحتك أثناء القيادة وهدوؤك ينعكسان على فعلك وردة فعلك، فاختاري الأنسب لكِ وليس الشائع للجميع.

في الحقيقة لم أتخيل قبل عام من اليوم أنني سأكتب مقالاً عن تعلم قيادة السيارات. تلك التجربة التي غيرت حياتي وعلمتني قيادة نفسي بشكل أفضل. أتذكر كل الانتكاسات والحوادث التي مرّت بفضل الله وستره فقط، وأنني لم أكن لأكتب وأختبر وأمر بحرف مما سبق ذكره، لولا “فريدة” و”يونس”، و”عمرو” و”هدى”.. دمتم دعمًا وسندًا ومحبة خالصة.

المقالة السابقةإلى ذلك الرجل الذي يعني لي الكثير
المقالة القادمةلماذا نقدم على الانتحار ؟
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا