في محبة الجسد الذي كدت أنساه: كيف غيرني الرقص!

1385

منذ صغري، تعمدت أن أتناسى جسدي، ربما للأمر علاقة بالتربية، أو باختلال الثقة. أخبرتني أمي دائمًا أنها تريدني بـ100 راجل! فسرتُ في الشارع بخطو الرجال. وفي مراهقتي كنت أتلقى دائمًا تلك الرسائل السلبية حول شعري الأكرت، وحواجبي الكثيفة، وساقَي الهزيلتين كسيقان الماعز، والنظارة! كيف ننسى النظارة؟! تلقيت عددًا لا نهائي من نعت “أم أربع عيون”. تحمل جسدي الكثير من الإهانات، فكان عليَّ أن أسير بلا جسد، أتناسى وجوده تمامًا، أتجاهل جسدي، وأتجاهل المرآة، فكلما نظرت فيها تصطاد عيني عيبًا جديدًا لم أره من قبل، في وجهي أو جسدي.

أتناسى جسدي فينساني، يتخشب عند المواجهات، فلا أستطيع أن أرد الأذى عنه. أمشي بأقدام ثقيلة، كأنها مربوطة بالأرض، بثقل ألف قيد خفي. أثقل جسدي بالأذى مرة تلو الأخرى، أعاتبه على أخطاء الآخرين، أستعمله كدرع يصد عني كلماتهم وأذاهم، وأنسى أن أنظر إلى المرآة. أتذكر كل المرات التي احتمل فيها معي:

حين تعرضت للخيانة، أمسكت بالموس حفرت على ذراعي 14 خطًا دمويًا، لا أعرف فيمَ كنت أفكر وقتها، لم أكن قد قرأت شيئًا عن إيذاء الذات SELF HARMING لكني عرفت أني لا أريد أن أنسى، مرت السنوات وظلت ما بقي من آثار تلك الخطوط يذكرني ويترك لي الفرصة لاختلاق إجابات عن أسبابها.

..

في الخامسة عشر من عمري، ذهبت لحضور زفاف أحد الأقرباء حين قررت قريبة أخرى أن الوقت قد حان كي أجرب وضع الماسكارا. كانت رموشي طويلة وكثيفة في ذلك الوقت، لكنها كانت مختلطة، كل رمش منها ينبت في اتجاه. سخرت قريبتي من رموشي، كنت أتذكر كلماتها كلما نظرت إلى المرآة، ما دفعني ذات صباح ﻷن أحضر المقص وأقصها، لأتخلص من الرموش التي وصفتها قريبتي بأنها تشبه أرجل العناكب.

..

في مقدمة رأسي ينبت شعري في زاوية صغيرة، لا ينجح الحجاب في إخفائها، شعيرات قليلة كنت أخاف أن تدخلني النار، وذات صباح قبل الذهاب إلى المدرسة، حلقت مقدمة شعري بالموس، وكلما كانت هذه الشعيرات تعاود الإنبات كنت أحلقها مرة أخرى.

كانت إحدى الصديقات تعزيني دائمًا بشأن ثديي الصغيرين، اللذين لم أنتبه إلى صغرهما إلا عندما أخبرتني، تقول إن الرجال يحملقون بصدرها بدلاً من وجهها عندما تتكلم، تقول إنها تعاني من جمال جسدها الذي يجذب الذئاب. حتى اكتشفت أنها ترتدي 2 حمالة صدر مبطنة لخلق هذه الأثداء الجميلة التي تجذب الذئاب.

لقد استمر تجاهلي لجسدي لسنوات طويلة، حتى بعد أن تزوجت، بعد أن أخبرني شخص آخر، أن لي جسدًا جميلاً ومحبوبًا، لم أصدق قط.. ظللت أتجاهله، وظل يتجاهلني.

في إحدى المرات قرأت منشورًا لصديقة على فيسبوك تشير فيه إلى ورشة العلاج بالرقص، لم أستطع أن أحرك جسدي مع الموسيقى، لا يطاوعني جسدي. قررت أن أشارك فيها، شجعني أنها قريبة نسبيًا من بيتي، ومواعيدها مناسبة، وأرخص من اشتراك الجيم. هناك فهمت الكثير.. تعلمت أن لجسدي ذاكرة، أنه يحمل كل شيء داخله. كل ما مررت به ترك بصمته على هذا الجسد. بدأت رحلة طويلة لم تنته في فهم جسدي والتعرف عليه، في محاولة المصالحة والتصالح مع الجسد، وعلاج الإساءات التي لاحقته، مني قبل الآخرين. رحلة لم تنته حتى اليوم.

المقالة السابقةمقاييس الجمال في السينما: هنا تبدأ كراهية المرأة لشكلها
المقالة القادمةاضطرابات الأكل: انتبهي كيف تعاملين جسدك
نون
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا