لكل فتاة ذات شعر مجعد، أمضت فترة الثانوي كلها بلقب “سوكة”، لكل شاب أمضى أفضل أيام الجامعة يستجيب لاسم “سفروت”، ولكل واحدة لم تعد تتذكر آخر سيلفي التقطتها بدون فلتر.. نحن شعب يقدس الإفيه، يتناقش بقفشات الأفلام والمسلسلات، لغة صباحنا هي “الميمز”، أفلامنا المفضلة المشتركة تحدد قوة علاقتنا ببعضنا، لذلك كان من الطبيعي أن تضع السينما المصرية والدراما جزءًا كبيرًا من مقاييس الجمال في عقولنا، التي تحدد نظرتنا لأجسامنا وتقييمنا لأنفسنا، وتحدد معاملة الجنس الآخر لنا. لم يكن الأمر مقصودًا، ولكن مع التكرار واستسهال الإفيه المجرب الناجح، تشكلت قوالب ثابتة، وصار في كل فرقة مسرحية أعضاء بمواصفات معينة، فتاة بدينة وشخص أسمر وشاب نحيل وقصير، وأخيرًا فتاة مستعدة لوصل حاجبيها ورسم روج سميك.
ممثلات الوزن الثقيل: كوميديا من نوع واحد
نورا السباعي، واحدة من أشهر الممثلات اللاتي لم يقدمن أي عمل لا يسخر من زيادة الوزن، نوع واحد فقط من الكوميديا، لدرجة أن خسارتها للوزن في بدايات 2010، تسببت في انقطاع عملها تمامًا، خلفها في الملاعب: مها أحمد – دعاء رجب – ندى رحمي – ويزو، ممثلات أدوار كوميدية، تعتمد كلها على الخوف من أن تجلس عليك فتاة بدينة.
دور العانس والفتاة القبيحة: هل الملامح ليست مادة للضحك؟
بدأت هذه الأدوار بالرائعة زينات صدقي، والتي رغم محبتنا لها، لا يمكننا أن ننكر أنها لم تقم بعمل درامي واحد تلعب فيه دور متزوجة أو أم، ورغم أنها من أوائل من أسس هذا الدور في السينما المصرية، إلا أن الأمور سارت للأسوء من بعدها، فمثلًا فنانة مثل وفاء السيد التي قدمت 72 عملاً دراميًا، ولن تتذكر لها دورًا واحدًا غير “أمورة جانيت” من فيلم “حسن ومرقص”، “واحد بيرة للمرحومة”. كما لم تقدم عملاً واحدًا لا يسخر من ملامحها، والتي تشترك فيها مع الكثير من المصريات.
هذه النوعية من الأدوار التي تضع حدودًا وملامح للسيدة “القبيحة”، وتجعل من السخرية منها والتنكيل بها فعلاً مضحكًا ولافتًا للنظر ومحطًا للإعجاب، هي البذرة التي تبدأ عندها مضايقات الحياة الواقعية، وتجريد النساء صاحبات المواصفات الشكلية المشابهة من أنوثتهن وإنسانيتهن، فيراهم المحب للكوميديا كفرصة لاستعمال إفيه مفضل، وليس كشخص له مشاعر.
الرجال وأنماط الرجولة في السينما المصرية
لم يسلم الرجال من الذكورية السامة التي تصنف رجولتك حسب طولك وعرضك وخشونة صوتك، والكف الذي تلصقه على قفا أختك الصغيرة كنوع من أنواع “التمسية”. بداية من “فتلة” في فيلم “الحاسة السابعة” ومرورًا بكل أدوار الممثل “مصطفى هريدي”، التي تعتبر بطولة أذنيه وقوامه النحيل فقط.
الإعلانات والشكل المثالي للأنثى
كم مرة شاهدت إعلان حفاضات – منظفات – مأكولات – أجهزة منزلية، بطلته ملساء الشعر ومثالية الملابس وبكامل أناقتها أثناء طهي الطعام وتنظيف المنزل؟ هذا إن كانت تستعمل المنتج، أما على الناحية الأخرى التي لا تستعمل المنتج، هناك سيدة بروب مهلهل وبكلات شعر وبنطلون بيجامة رجالي. وعلى سيرة الرجالي، لن تلمح رجلاً واحدًا في إعلان أي من هذه المنتجات.
اقرأ أيضًا: تسليع المرأة: كيف يستغل الجسد في الدعاية والإعلان
توقعاتنا عن أنفسنا وعن الآخر
قارن بين أي عمل درامي قديم من الستينيات حتى التسعينيات، وأعمال ما بعد 2010، ستجد مثلًا أن سعاد حسني كانت أذرعها مترهلة قليلًا، أما شادية فكانت بطلة ونجمة أولى وهي من الممتلئات، سترى نجومًا مثل ليلى علوي وسهير البابلي وإلهام شاهين ومعالي زايد وعبلة كامل، عصر ما قبل نحت الجسم وشفط الدهون وتعديل الأنف، ستقابل جميلات مثل سعاد نصر وخيرية أحمد، عندما كان من السهل أن تجلس أمام التليفزيون وترى شخصًا يشهبك، وأثاث منزل كمنزلك، وعالمًا لا يجعلك تحتقر ذاتك وقوامك ومستواك المادي.
قد يظهر تأثير الدراما أكثر على حياة الفتيات، ورفضهن لأجسادهن، والنفسية المتدنية التي تصل إليها الفتاة التي لا تدخل القالب الدرامي للجميلات، إلا أن النساء يستعملن نفس تلك القوالب في اختيار شريك الحياة، يهزأن بالأصلع ويحبسن البدين والقصير والنحيل في “الفريندزون”، ويلقين الـ”زي أخويا” يمينًا وشمالًا على كل من لا يطابق مواصفات فتي الشاشة الأول.
“الراجل مبيعيطش” و”مفيش بنت تقول ياسطى”، وقالب خلف الآخر جعلنا وحيدين داخل دوائر كبيرة من العلاقات والمعارف السطحية، لا نستطيع أن نمرر صورة واحدة إلى الـStory، دون أن تعبر من خلال برامج تنحيف الخصر، وفلاتر نفخ الشفاه. في النهاية الكوميديا كائن حي، وتعتمد في أساسها على الصدمة والمبالغة وتخطي الحدود، وفي آخر كل يوم، أنت لا تقفز من فوق ناطحة السحاب كما يفعل بطل مسلسلك المفضل، فربما ينبغي أن نتبع نفس القاعدة مع الإفيهات التي تعلق على الشكل والوزن واللون ونسبة الذكاء.