لنعالج الإدمان وكرب ما بعد الصدمة بالرقص

1468

يمكن للرقص التأثير بقوة في أمزجتنا وعواطفنا وتصرفاتنا، ويمكن أن نستغله للتأثير على صحتنا النفسية تأثيرًا إيجابيًا. اعرف معنا كيف يمكن للحركات الراقصة أن تعالج القلق “Anxiety”.

بقلم/ د. آيريس براونيجر – من جامعة توبينجن

ترجمة/ رزان محمود‎

 

ما ردّك التلقائي حينما يحاصرك القلق؟ هل ترجع خطوة للخلف وتأخذ شهيقًا عميقًا؟ هل تترك الغرفة؟ هل تشغل الموسيقى وترقص؟ قد يبدو الخيار الأخير بعيد الاحتمال، لكن وفقًا للعديد من المعالجين والأطباء النفسيين، فإن له تأثيرًا إيجابيًا قويًا.

رؤية شخص يرقص معناها أن تشاهد التحرر والتعبير عن الذات، وفي أغلب الوقت البهجة متحققة في هذا الشخص. وللعديد من هذه الأسباب، يجد الكثير من المعالجين لأمراض القلق أن الرقص لديه إمكانية العلاج الفعال للقلق، فهو يستطيع أن يكون مخرجًا للإبداع وطريقة للوصول إلى حالة من السلام النفسي.

 

كيف يعمل العلاج بالحركات الراقصة؟‎

يُعرف الرقص بوصفه علاجًا للقلق بأنه “العلاج بالحركات الراقصة”، وقد عرفته الرابطة الأمريكية للعلاج بالرقص بأنه “التوظيف النفس-علاجي للحركة، من أجل تعزيز الصحة العاطفية والمعرفية والجسمانية والاجتماعية للفرد”.

 

كيف تعمل هذه المقاربة بالتحديد؟ حسنًا، يجب أن نعرف في البداية أن للجسم تأثيرًا عميقًا وقويًا على النفس، والعكس بالعكس. فكما أن الجري لمسافة ميل يمكنه أن يشتت انتباهك عن الضغوط الواقعة عليك من الأشياء التي لا تنتهي وعليك فعلها، فإن الرقص يوظف الحركات التعبيرية والتنفس لتقليص تأثير الأفكار المهتاجة القلقة. وبعبارة أخرى، إذا ركزت على إتقان رقصة التانجو، فمن المحتمل أن عقلك منشغل عن التفكير في خطاب البنك الذي سبَّب لكَ غضبًا كبيرًا. ويعود بنا الرقص لحالة أقرب للبدائية، وبالتالي فهي حالة نفسية أكثر تحررًا وانطلاقًا، تبسط أفكارنا وتجعل أجسامنا وحركتها في حالة تركيز، بدلاً من الاستغراق في التفكير في نواحي الحياة الضاغطة.

 

ومع ذلك، فلا يقتصر الهدف من العلاج بالرقص على تشتيت انتباه الناس عما يثير قلقهم، كالفواتير المتراكمة، بل إنه مصمم لمساعدة من يحاولون التواؤم مع مرض القلق الشديد، أو الاستشفاء من الصدمات النفسية أو الجسمانية، أو الاكتئاب أو الإدمان. ففي جلسة العلاج بالحركات الراقصة، يقود معالج مدرب الأفراد عبر حركات جسمانية ارتجالية، مصممة بحيث تخدم الهدف المراد منها، وهو العلاج والتخفيف.

 

وهذا يعني أنه، بينما لا ينحصر المشاركون في روتين متزمت، فإن المدرب يقودهم باتجاه الوعي بالجسم، والاستغراق في تدريبات لتحسين شكل الجسم وتحسين التركيز الداخلي بالرقص في دائرة، ويساعدهم على تحسين مهاراتهم في تدريبات الشد والارتخاء. وكما أن الكلمات والمحادثات أدوات للاستشفاء في العلاج النفسي بالكلام، فإن الحركات أداة التقييم الرئيسية والتدخل العلاجي في العلاج بالحركات الراقصة.

 

من يمكنه الاستفادة من القدرات الشفائية للرقص؟

بالنسبة لمن يعانون من كرب ما بعد الصدمة أو أي صورة أخرى من الصدمات، فيمكن للعلاج بالرقص أن يكون خبرة حياتية تمدهم بالقوة الشافية. ويمكنه أن يمدهم بالوسائل التي يمكنهم بتوظيفها اختبار الواقع، وأن يصبحوا على صلة به أكثر، لأن من يعاني من هذا الكرب يعاني أيضًا من الانفصال عن الواقع إلى حد ما، كما يمكن للرقص أن يعيد إليهم الذكريات الإيجابية التي نسوها مع الكرب. وأكثر من ذلك، فإنهم يستعيدون الإحساس بتملك أجسامهم، بعدما ضاع منهم هذا الإحساس بالإصابة بالكرب. ونفس الأمر ينطبق على الأطفال المصابين بالصدمات، فيتيح لهم الرقص الفرصة للتعبير دون كلمات عن مشاعرهم وخبراتهم الناتجة عن التعرض للمواقف الضاغطة.‎

 

وماذا عن أصحاب السلوك الخجول، الذين يحتاجون لمساعدة بسيطة للخروج من القوقعة المحيطة بهم؟

وفقًا للعديد من الدراسات، أثبت العلاج بالحركات الراقصة أنه يقلل من القلق الذي يشعر به الأفراد، بما في ذلك من يعانون من الاكتئاب والقلق في السياقات الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، أثبتت الحركات الراقصة قدرتها على تعزيز الثقة وإمكانية التعبير عن النفس فيمن يعانون من القلق الاجتماعي، وبالتالي زيادة قدرتهم على الشعور بالراحة أكثر في المواقف التي تشمل التفاعل مع أشخاص آخرين.

 

وقد وجد الباحثون أن العلاج بالحركات الراقصة مفيد لمن يعانون من الإدمان. وفي الحقيقة، فإن العلاجات الإبداعية أثبتت نجاحها في تغيير تركيز المرء وتنظيمه، والتحكم في المشاعر والأفكار التي تشل قدرته على التفكير السليم، خصوصًا لمن يعانون من الإدمان. وبدلاً من الكذب على النفس والالتجاء لتعزيتها بإدمان الكحوليات مثلاً، فإن العلاج بالرقص يساعد الناس على أن يصبحوا أكثر وعيًا بأجسامهم ومشاعرهم.

 

هل العلاج بالرقص مناسب لك؟

اتسعت ممارسة العلاج بالرقص لتشمل العالم كله، وأنشئت الرابطات التي تدير أساليب هذا العلاج في كل مكان، من أستراليا لليابان. وبما أن العلاقة الصحية بين النفس والجسم مطلوبة ومهمة، فإن الرقص بوصفه نوعًا من العلاج ليس ضروريًا لكل الناس. وقد وجدت بعض الدراسات أن بعض تقنيات العلاج بالحركات الراقصة أقل كفاءة في التأثير على من يرفضون التعرض لمواقف غير مريحة، ويشعرون بسهولة بالانسحاق أسفل وطأة المشاعر. ومع ذلك، فبالنسبة لمعظم الناس، يبدو أن العلاج بالرقص يقلل من القلق ويحسن من جودة الحياة والصحة النفسية، ويحسّن أيضًا المزاج والمشاعر وصورة الجسم.

 

وإذا ظننت أن العلاج بالرقص مناسب لك، فمن المهم أن تجد معالجًا بالحركات الراقصة يكون ملائمًا من الناحية المهنية والأخلاقية، ومن ناحية الالتزام وتحقيق الاستفادة المنشودة.

 

وأخيرًا.. الرقص جميل، سواءً رقصت منفردًا أو في غرفة مليئة بالناس، وهو من الأفعال الإبداعية التي تعزز من صلتك بجسمك ونفسك. وبوصفه فنًا إبداعيًا ونوعًا من العلاج النفسي، يمكن توظيفه كوسيلة للعلاج من القلق، الأمر الذي يثبت صحة المثل القديم: ارقص إلى أن تنسى همومك.

المصدر: اضغط هنا

المقالة السابقةللعلاقات الشخصية تاريخ صلاحية أيضًا
المقالة القادمةرأفت بيومي يحكي عن الرقص المعاصر، فما هو الرقص المعاصر وما تاريخه

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا