المرايا العميا

816

“كم من المصائب ترتكب باسم الحب!”.

 

طبعًا ده كليشيه لو حد قالهولي مش هكمل قراية أصلاً، بس معلش استحملني، أنا فعلاً عصرت دماغي عشان أقول جملة تانية وملقتش.

 

أصل فعلاً فيه مصايب كتير أوي بتحصل في الحياة بسبب الحب، الحب الأعمى، الحب اللي بيخليك تعمل خطايا كتير أوي في حق نفسك أو في حق غيرك وإنت مش واخد بالك.

 

تيجي نتكلم عملي بأمثلة عشان تعرف إن بجد الحب أعمى؟

 

فاكرين إخوة سيدنا يوسف؟ إخوة يوسف كانوا شايفين إن أبوهم مش بيحبهم، بيحب يوسف أكتر، مركزوش في أسبابه، مصدقوش لما قالهم إنه بيحبه لأنه يعلم من الله ما لا يعلمون؛ إخوة يوسف كرهوه؛ كانوا عايزين حب، كان نفسهم أبوهم يحبهم.

 

مناقشاتهم لما كانوا بيفكروا مع بعض إزاي يخلوا أبوهم يحبهم زي ما بيحب يوسف، أو يتخلصوا من يوسف بمعنى أدق عشان أبوهم يفضالهم، زي ما يكون الحب اللي في قلب أبوهم كم محدد يوسف واخد أكبر قدر منه فلما يخفوه من حياتهم هيسيبلهم نصيبه من قلب أبوهم وحبه يتمتعوا همّ بيه.

 

مكانوش بيكرهوا يوسف لشخصه، كانوا بيكرهوا حب أبوه له، كان نفسهم يحبهم زيه، منتهى الخذلان لما رجعوا وقالوا لأبوهم إن يوسف أكله الذئب، وكانوا عارفين إن أبوهم مش هيصدقهم حتى لو كانوا صادقين.

 

حتى لما يوسف كبر، امرأة العزيز حبته، حبته بجد، ربنا بنفسه استخدم تعبير {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا}، مقابل الحب ده امرأة العزيز خانت عزيز مصر، راودت يوسف عن نفسه، عذّبته وسجنته عشان رفض حبها الحرام، هي بس كان نفسها يحبها، ولما الحكاية انكشفت اعترفت بده قدام قومها عشان من كتر حبها له خافت يفكر إنها خانته.

 

إخوة رموا أخوهم في بير في الصحرا، وزوجة تخون زوجها اللي هو عزيز مصر.. مش عشان أشرار، لكن عشان حبهم أعمى.

 

صدق اللي قال “مراية الحب عميا”. كتير بنشوف قصص وحكايات فيها غباء عاطفي شديد، بنلوم على أبطال القصص دي، بنقسى عليهم ونقولهم إنهم جبنا وإنهم أغبيا، بنكون شايفين المنطق واضح أوي قدامنا، إزاي أبطال الحكايات اللي حوالينا مش شايفين؟! إزاي مستمرين في قصص محكوم عليها بالوجع؟! إزاي مش قادرين يشوفوا وجهات نظرنا ويلحقوا نفسهم قبل الوقوع في حفرة الفشل؟!

 

أوقات بننصّب نفسنا حكّام على الناس، شايفين الصح والغلط ومقدرين الخساير وبنوجع قلوبنا في التحذير، ولما أبطال الحكايات ميقبلوش التحذيرات بنقلب عليهم الترابيزة وننعتهم بالغباء.

 

محدش بيحب يتوجع، بس مراية الحب عميا، صدقني أي حد ماشي في حكاية مش منطقية وبيئذي نفسه هو شخص بيحب، أو على أقل تقدير متخيل إنه بيحب.

 

أوقات بنخرج من قصص موجعة ونجلد نفسنا عشان كنا مغفلين، بنشوف الحقايق واضحة ونعرف قد إيه كنا غلطانين، الغلطة اللي بنغلطها هنا إننا مش بنسامح نفسنا، بنفضل نوجع نفسنا عشان سبناها تتوجع.

 

سلسلة مربوطة في بعضها، سلسلة مش صح إنها تحصل، اللي بيغلط وإنت شايفه بيغلط قدامك بلاش تجلده، حذّره وقوله وجهة نظرك، ده واجبك، بس بلاش كمان تنعته بالماسوشية والغباء، صدقني هو مش حابب الخانة دي، هو بس مصاب بعمى مؤقت.

 

ولما إنت تدخل تجربة وتفشل، وتعرف قد إيه كنت غلطان، بلاش تضيع وقت أكتر في اللوم والعتب على نفسك، بلاش توجع نفسك زيادة عن وجع الفشل، بلاش تحس إنك غبي، كل الموضوع إن إنت كمان مصاب بعمى مؤقت.

 

آه مراية الحب عميا، وآه فيه مصايب كتير بتحصل بسبب الحب، وآه بنكون غلطانين، بس خليك فاكر دايمًا إنك بتجرب، إنت مش مطلوب منك تنجح طول الوقت، إنت مطلوب منك إن كل ما تقع، تقدر تقوم تاني.

 

وعمومًا يا سيدي خلينا دايمًا مقتنعين إن المثل الشعبي اللي بيقول ساعة القدر يعمى البصر ده عبارة عن حقيقة كونية مش مجرد مثل وخلاص.

 

بس سيبك إنت، إيه رأيك ف الكليشيه الأولاني؟!

المقالة السابقةثلاث وصفات لكبدة الدجاج
المقالة القادمةمين اللي وقًّع الزبادي؟!
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا