بقلم: منار جاد
من أكتر القرارات اللي بنتردد ناخدها في حياتنا هو اتخاذ قرار الرفض، سواء كان رفض لمواقف أو لطلب حد نعرفه، وبما إن الرفض هو اختيار متعودناش ناخده لأسباب كتيرةـ أهمها إحراجنا من صاحب الطلب أو خوفنا يزعل مننا، بينتهي بينا الأمر إننا بنوافق على حاجات كتيرة مش عايزين نعملها، وبتأثر على نفسيتنا ووقتنا بشكل سلبي، عشان كده لازم نتعلم نقول كلمة لأ.
الحدود النفسية
إحنا كمجتمع مصري معندناش ثقافة الحدود النفسية والمساحة الشخصية، كل واحد فينا عنده حد في حياته بيسمح لنفسه دايمًا إنه يقتحم الحدود النفسية دي، يدخلها ويتجول ويبدأ يستهلك مشاعرنا لصالحه، ويشيلنا همومه معاه، لحد ما يسحب كل طاقتنا ويخلصها، وعايزنا دايمًا نكون متاحين له في أي وقت، شخص بيتلذذ جدًا لما يوزع همومه وآلامه على اللي حواليه، أو يفضل يطلب منهم مساعدات مبتقفش، ومع الوقت بننسى نفسنا، ولما ناخد بالنا من الاستنزاف اللي بيحصل ده، نبدأ نحس بشعور تقيل قوي، شعور الذنب، ذنب من إننا نقول لأ، ذنب أحسن “لأ” تطلعنا ناس مش كويسين أو أنانيين أو مش أوفياء، بس لو فكرنا كويس هنلاقي إن كلمة لأ هي المنقذ الحقيقي من الأول.
رمز التمرد
كلمة لأ عادة بتكون رمز للتمرد أو العند، عشان كده بنخاف نقولها أحسن نبان بتوع مشاكل، بس الحقيقة ده راجع لفكرة عدم تقبلنا أو احترامنا للاختلاف عمومًا، سواء اختلاف في الفكر أو الشخصية أو الطبع، ولو ركزنا هنلاقي إن كلمة لأ هي أكتر كلمة مريحة ممكن نقولها، لأنها الكلمة الوحيدة اللي بتحمي حدودنا النفسية، الكلمة الوحيدة اللي بترفعلنا الكارت الأخضر إننا ندي لذاتنا الحق الكامل إنها تركز مع رغبتها، ونمنعها من أي تشتيت مش في صالحها، أو الأهم، إنها بتمنعنا نجبر نفسنا نعمل حاجة إحنا مش عايزين نعملها.
لا مش المفروض بس تتقال لكل شخص استغلالي أو بيعدي حدودنا النفسية، هي المفروض تتقال في كل مرة نحتاج نقولها. افتكر كده كام مرة حد كلمك وقالك يلا نخرج وإنت كان عندك حاجة أهم بالنسبالك عايز تعملها، أو تقضي وقت مع عيلتك، بس اتكسفت تقوله لأ أحسن دمك يبقى تقيل أو يشوفك منطوي على نفسك؟ كام مرة حد كلمك في وقت فعلاً مش مناسب بس إنت رديت وفضل يرغي معاك في مشاكله اللي أصلاً كل يوم يحكيهالك، لحد ما شتت تفكيرك عن اللي كنت بتعمله وضيعلك وقتك وطاقتك؟ كام مرة قعدت مع ناس إنت مش مستلطفهم قوي أو مش شبهك، عشان فيه حد عايزك تقعد القعدة دي؟ كام مرة مديرك في الشغل ضغط عليك جامد وإنت كنت محرج تقوله لأ عشان ممكن يشوفك مش كفء؟ مع إن بديهي كل الضغط ده في وقت قليل مش هيخليك توزع كفائتك بشكل متساوي على كل المشاريع! كام مرة كان عندك وقت فاضي وعايز تقعد فيه متعملش أي حاجة غير إنك تتأمل السقف مثلاً؟ في أغلب الأوقات بنعمل حاجات كتير قوي مش حابين نعملها، بس عشان غيرنا ميزعلش مننا، وبننسى أهم حد، بننسى نفسنا وبنيجي عليها، عشان كده لازم نحميها ونتعلم نقول لأ.
إزاي نقولها
من أهم أسباب عدم قدرتنا إننا نقولها، هو خوفنا إن الناس تزعل مننا، وده طبعًا شعور إنساني لطيف ومهذب وطيب جدًا، بس لما يكون الموضوع بيأثر بشكل سلبي على وقتنا أو بيسحب من طاقتنا أو أي سبب آخر، يبقى من الحكمة إننا لازم نشوف حل، والحل ده كلمة من حرفين، لام وألف، وزي ما ستيف جوبز قال “التركيز هو إنك تقول لا“، أكيد كلنا عايزين نبقى لطاف والناس كلها تحبنا، بس برضو أكيد منحبش نبقى مشتتين ووقتنا مش ملكنا. في الأول الموضوع هيبقى غريب ومش مريح وإحنا بنقولها، بس زي أي حاجة جديدة بنتعلمها بنحتاج فيها وقت عشان نحترفها، وهنفهم بعد كده قد إيه هتفرق في حياتنا بشكل إيجابي.
أول حاجة هي إنك تقولها بكل ثقة وحزم، ومن غير ما تحاول تقول أعذار أو تبرر للي قدامك إيه سبب رفضك إنك تلبي طلبه، أو إنك تخرج معاه أو إنك تاخد قرار معين، لأ يعني لأ، لأنك كل ما هتبرر هو هيحاول يجيبلك حلول ويزنقك في الكلام عشان توافق، وتلاقي نفسك في الآخر بتقوله طيب حاضر مفيش مشكلة، وكمل على كده بقى طول حياتك، ده غير إن كتر الأعذار هيخلي منظرك هش ومتردد كإنسان عمومًا، وسهل قوي التأثير عليك.
ممكن وقتها تحس بالذنب إنك رفضت طلب حد، وتبقى عايز ترجع تقوله ماشي أنا موافق، بس فكر فيها كده، إنت كمان وقتك ده مهم جدًا بالنسبة لك، ومن حقك تحط حياتك ورغباتك أولوية، ودي مش أنانية إطلاقًا، بالعكس إنت كده بتوصلهم رسالة إنك فعلاً غير قادر ١٠٠٪ على الالتزام معاهم في تلبية احتياجهم، فأحسن ليهم لو يشوفوا حد تاني فعلاً عنده الوقت والقدرة على ده، فإنت كده ساعدتهم وساعدت نفسك.
تاني حاجة، متعتذرش وإنت بتقولها، الاعتذار هيضعف موقفك، لازم تكون حازم في أي حاجة تخص وقتك أو هتعطلك، بس ده ميمنعش إنك ممكن تقولها بطريقة لطيفة برضو، زي مثلاً: “أنا عارف إنك نفسك نخرج سوا، أو نشتغل مع بعض في الأجازة على المشروع، بس ده فعلاً مش مناسب ليَّ“، بدون أي مبرر أو سبب للرفض، وافتكر كويس إنت مش محتاج تبقى طيب وجميل طول الوقت، عشان بالطريقة دي إنت بتؤذي نفسك وإنت مش واخد بالك، وفي نفس الوقت مش هتعرف تخلص الالتزامات اللي وراك.
طريقة تانية لطيفة تقول بيها لأ، هي إنك تقول مثلاً: “طيب إيه رأيك هراجع جدولي الأسبوع ده ولو لقيت وقت مناسب هرد عليك بكرة؟“ أو مثلاً: “شكلها هتبقى خروجة لذيذة بس فعلاً معنديش وقت كفاية“، وهكذا، الرد لازم يبقي واضح وقاطع. وفي النهاية هي مسألة وقت على ما تحترفها وتبقى أسهل حاجة ممكن تقولها لو احتجتلها في أي لحظة.
حاجة أخيرة مهمة.. لو كل حد فينا عرف أهمية الوقت في حياته، هيعرف أهمية كلمة لأ، وعايزين كمان نتعلم فكرة إننا نحترم رغبات بعض، لو لقيت حد بيحاول يرفض حاجة بشياكة بلاش تضغط عليه وتكون زنان، كل حد فينا عنده ظروفه وأولوياته، ويا ريت متزعلش منه وتاخد جنب، خليك متفاهم وحنين عشان أكيد هيجي عليك يوم وتحتاج فعلاً إنت كمان تقول لأ.