نحيفة وبشعر لا يطول وأحب نفسي وابنتي

1052

ده جسمي“.. اسم الحملة التي أطلقها موقع “نون” لهذا الشهر، جملة صادمة لي، أو لأكن أكثر دقة، جملة تحث على جلب العديد من الصور والمشاهد، جملة فوتوغرافية، ليست الكاميرا هنا هي صاحبة الصور، لكنها الذاكرة، ذاكرتي الخاصة التي استدعت تعليقات أمي ونظرات أبي وهمز صديقاتي وسخرية أهلي.

أنا لست سمينة ولا حتى ممتلئة، أنا امرأة نحيفة الآن، لا يتجاوز وزني ستين كيلوجرامًا، في طفولتي كنت طفلة نحيفة أيضًا، لم يكن وزني هو سبب المضايقات، وإن لم أنجُ من بعض التعليقات السمجة، كانت الأسباب عديدة، سأحاول أن أتخفف من أعبائها، سأصورها لك على هيئة صور فوتوغرافية لم يشاهدها أحد سواي، لأنها صور لداخلي كلما تعرضت لموقف تسبب لي في أذى تجاه إحساسي بأي جزء من جسدي، سأحكيها كما هبت في ذاكرتي عندما شاهدت اسم الحملة على موقع “نون”.

صورة فوتوغرافية لأصابع يدي

فتاة تجلس في حجرتها تحاول قدر الإمكان تجنب والدها الطيب المحب بشدة لها، هي تعلم مقدار حبه، لكنها تتجنبه فقط لتعليقه المستمر على شكل يدها، يدها سمراء كبشرتها الخمرية، لكن سمار يديها يزيد بسبب أصابعها القصيرة وتلك “الكرمشة” حول المفاصل، دائمًا يطلب منها أبوها أن يرى يدها ثم ترى في عينيه نظرة غريبة لم تستطع فهم كنهها، لكنها بالطبع كان نظرة موجعة.

لو تمكنت الكاميرا هنا من التقاط صورة داخلية للفتاة، ستجد محاولة الفتاة لتفسير تلك النظرة، وسؤال دائم “هل تعني تلك النظرة ضمنيًا أنني لست جميلة؟”، ومحاولة لصنع أي شيء يجعل يدها مقبولة. سترى الفتاة التي أول ما يلفتها في أي شخص هو شكل يده. فتاة تحاول بشتى الطرق ألا تظهر يدها حتى أنها لم ترتدِ خاتمًا قط.

صورة فوتوغرافية تخط فيها علامات الأنوثة  على جسدي

كانت أمي هي المسؤولة عن استحمامي، لا أعرف الآن سبب ذلك، لا أعرف سبب تمسكها بذلك وأنا في الصف الرابع الابتدائي، ولكن هذا ما حدث. فجأة بدأ جسدي يعلن عن تغيير لم أكن أفهمه وقتها، كِبر في منطقة الصدر بشكل مفاجئ، أحاول ألا ألفت انتباهي إليه وأتجاهل صوته الذي يعلو يومًا بعد يوم، أحاول أن أتجنب نظرات أمي وهمساتها مع أبي، تلك النظرات تحديدًا كانت ما أشعرني بأنه يجب أن أخجل من ذلك التغير.

فاجأتني أمي مرة وهي تقوم بتحميمي “صدرك كبر ولا بد من حمالة صدر”، ربما يبدو الكلام عاديًا، ولكن التعليمات التي تلته كانت غريبة، “لا تلعبي مع ابن خالك، لا تجري في الشارع، لا تضحكي بصوت”، لماذا؟ لأنك كبرتِ. كرهت الكبر وكرهت تلك النتوء التي كبرت لتحرمني من طفولتي. الصورة الداخلية لطفلة تمشي دائمًا تضم كتبها إلى صدرها حتى لا يظهر، تختار ملابس فضفاضة حتى لا يظهر، ترسم على وجهها جدية زائدة وتتكلم كالكبار وتحاول تنحية طفولتها لأنها صارت من الكبار كما قالت أمها.

صورة فوتوغرافية لشعري

• تعالي هقصلك حتة من شعرك؟
• ليه يا ماما؟
• عشان آخدها أرميها في الترعة بكرة عشان شعرك يطول.

عادة لا أعلم من أوجدها، لكنني أعلم أنها كانت مصدَّقة حد اليقين لدى جميع من عرفتهن من نساء البلدة. كانت خيبة أمي كبيرة لأن ابنتها شعرها لا يكبر مثلها، شعر الأم يتجاوز ظهرها وشعر البنت بالكاد يتجاوز كتفيها، أمي تحبني لذا تحاول قدر استطاعتها أن تضع ابنتها في قالب الجمال المحدد، الذي يعتبر أهم بنوده الشعر الطويل. تقول أمي ذلك ويحكي القريب والغريب عن طول شعري، وأنني لم أمتلك من جمال أمي شيئًا. أنا وأمي في وضع مقارنة.. يا للسخف!

الصورة الآن لبنت لا ترى نفسها جميلة على الإطلاق، بنت تضع كل غضبها في المذاكرة لتحصل على شيء يمكن أن تتفوق به على قرنائها، يضع الجميع دخول كلية الطب شرطًا لذلك التفوق، تحاول بكل السبل، تفشل في دخول الكلية، تعيش في متاهات متتالية، لعل أعظمها هو بحثها الدائم على شخص يحبها دون شروط، يحبها بكل “عبلها”.

طريقي في التعافي

عشت عمري كله أبحث عن حب غير مشروط، شخص واحد لا يحاول إصلاح ما بي، يقبلني بشعري القصير وشكل جسدي، خصوصًا شكل أصابع يدي، شخص يتقبل شخصيتي المهتزة. علاقة غريبة لكن للجسم وتقبله تأثير مباشر على شخصية الفرد. تخيل أنك تحيا في هيكل يحاول جميع من يُفترض أنهم الأقرب والأحب لك إصلاحه في أحيان، أو عدم مساعدتك على تقبل تغييراته في أحيان أخرى.

لم أجد الشخص بالطبع، ولكني وجدت نفسي، وجدت الكتابة، وجدت عن طريق الكتابة من يتقبلني، وجدت الحكي الذي ساعدني على التخفف، جعلت من السواد بداخلي حبرًا أنثر به الكلمات على الصفحات البيضاء، فتزيد الأوراق ويكثر النور بداخلي أيضًا. وجدت في كلمات الإعجاب دليلاً حيًا على أنني شخص جيد مقبول. جعلتني الكتابة أبرأ.

هكذا أحمي ابنتي؟

بعد أن وجدت نفسي وأحببتها، أحبها شخص آخر يراني “حظه السعيد” كما يردد، تزوجنا، وأصبحنا أسرة الآن بعد أن وهبنا الله بصغيرة سمراء بها من الجاذبية والبشاشة ما لم ينكره أحد.

عندما وضعت صغيرتي عرفت أنها سمراء، لاحظ الجميع بالتأكيد وبدأت التعليقات، تدرج ردي من “أجمل ما فيهم مين غير بنتي”، إلى “مش مسموح لحد يعلق على لونها من فضلكم”، بالطبع رد الفعل على كلامي تدرج أيضًا من الصدمة إلى الخصام. وليكن؛ حماية ابنتي من التعليقات السخيفة مهمتي، واحدة من أعباء الأمومة الحفاظ على الصحة النفسية لها.

بدأت الصغيرة تكبر لكن شعرها يرفض الكبر معها، ستأخذ شعري بطوله القصير وكثافته المتوسطة. التعليقات تلك المرة كانت بصيغة آمرة بأنه يجب قص شعر الصغيرة حتى يطول، كان ردي مفاجئًا: “ومين قالكم إني عاوزاه يبقى طويل، هي أي حاجة هتبقى حلوة عليها”. كان ردًا صادمًا للجميع، ولكنه حمى ابنتي من التعليقات السخيفة، وأعلم الجميع أن تلك نقطة لا مساس بها، ومكنني من الرضا عن نفسي لأنني استطعت حماية ابنتي مما مررت به.

المقالة السابقةالهوس بالجمال: أشكاله وأسبابه وكيف تتخلصين منه
المقالة القادمةتاريخ حمالة الصدر واختلاف أهميتها بين الشعوب
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا