يصيح الطفل غاضبًا، فينصبّ تركيزنا على قلة أدبه دون أن نحاول تفهم مشاعره. يرفض مشاركة لعبه مع أقرانه فنوبخه ونصفه بالأنانية دون احترام ملكيته ورغباته. ننشغل بمهام العمل والمنزل وبمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي على هواتفنا الذكية فلا نجد وقتًا نقضيه مع أبنائنا نشاركهم اهتماماتهم أو نستمع إليهم. يضغط علينا العمل فنغيب عن أعياد ميلادهم ويفوتنا أن نكون بجوارهم في حفلات التكريم والبطولات… إلخ.
هذه بعض أشكال الإهمال العاطفي التي قد يتعرض لها أبناؤنا أو التي قد نكون تعرضنا لها أو لبعض منها في طفولتنا. والإهمال العاطفي هو فشل الوالدين في إشباع الاحتياجات النفسية للأبناء، وفي ملاحظة مشاعرهم وفهمها والتعامل معها، حتى وإن كانا يقومان بتوفير احتياجاتهم المادية من مأكل وملبس وتعليم… إلخ. وإذا كانت الإساءات النفسية هي ارتكاب أفعال مضرة بصحة الطفل النفسية، فإن الإهمال العاطفي هو عدم القيام بالأفعال التي تسهم في الصحة النفسية للطفل.
ربما يلفت ذلك انتباهنا إلى أهمية المشاعر، فنحن غالبًا ما نركز في تربية الأبناء على السلوك، دون أن ننتبه إلى أن السلوك هو ذلك الجزء الصغير الذي يظهر من جبل الجليد، وأن سلوكياتنا تحكمها مشاعرنا وأفكارنا التي تقبع تحت السطح، فإن تعلمنا كيف نفهم وندير مشاعرنا تمكنّا من ضبط سلوكياتنا. فمهمتك كمُرَبٍّ هي أن تُعلِّم طفلك أن يتعرف على مشاعره ويعبر عنها ويتعامل معها ومع مشاعر الآخرين، حيث ثبت أن الذكاء العاطفي أهم للنجاح من الذكاء العام. كما أن الطريقة التي تتعامل بها مع مشاعر طفلك تحدد الطريقة التي سيعامل بها نفسه كبالغ.
ليس هذا فحسب، بل إنك تخسر مصدرًا أساسيًا للحب والتواصل بينك وبين طفلك إن تجاهلت مشاعره وأسأت التعامل معها. فإساءة التعامل مع مشاعر الطفل وإهماله عاطفيًا يترك على شخصيته آثارًا تصاحبه طوال حياته (إلا إذا اتخذ هو خطوات واعية نحو التعافي)، كأن يجد صعوبة في التعرف على مشاعره وفهمها والثقة بها، وفي فهم مشاعر الآخرين، وفي التعرف على نقاط قوته وضعفه، وفي طلب المساعدة من الآخرين (بل ويفتخر بذلك)، وأن يعجز عن ضبط نفسه، ويقسو على ذاته، ويشعر بالنقص، ويخشى الرفض، وأن يشعر معظم الوقت بالتوتر وعدم الارتياح دون سبب ظاهر.
وهناك بعض الأخطاء التي يقع فيها الآباء فتجعلهم مهملين عاطفيًا، مثل:
* التسلط: عندما يريد الآباء أن يطيع أبناؤهم أوامرهم، بينما يكون لديهم وقت قليل أو ميل قليل للاستماع إلى مشاعر أبنائهم. وكنتيجة يكبر هؤلاء الأطفال ليصيروا إما متمردين على السلطة وإما خانعين لها.
* التساهل وعدم وضع قواعد كافية للأبناء، مما يجعلهم غير قادرين على ضبط أنفسهم كبالغين.
* الصفات النرجسية التي تميز بعض الآباء حيث يشعرون أنهم محور العالم، فيهتمون كل الاهتمام باحتياجاتهم لا باحتياجات أبنائهم. وكبالغين، يجد هؤلاء الأبناء صعوبة في تحديد احتياجاتهم والتأكد من تلبيتها، بل قد يشعرون أنهم لا يستحقون أن تُشبَع احتياجاتهم.
* السعي إلى الكمال، والاعتقاد أن أبناءك بإمكانهم دائمًا أن يفعلوا الأفضل. وهؤلاء الأبناء قد يكبرون مثل آبائهم ويضعون توقعات غير واقعية لأنفسهم، مما ينتج عنه شعورهم بالقلق لأنهم ليسوا جيدين بما يكفي.
* غياب الوالدين أو أحدهما للموت، أو المرض، أو الطلاق، أو العمل لساعات طويلة، أو سفريات العمل المتكررة. وينشأ أبناء هؤلاء الآباء متحملين مسؤولية أنفسهم وإخوانهم الأصغر، مما يثقلهم بالقلق والهم والشعور الزائد بالمسؤولية.
كما أن هناك بعض الرسائل التي قد تصل إلى الأبناء بشكل غير مباشر، من خلال كلماتنا وأفعالنا، تضر بهم إذا كانت هي التي نبعث بها إليهم معظم الوقت، هذه الرسائل مثل: مشاعرك مبالغ فيها/ خاطئة، مشاعرك تزعجني، لا أريد أن أعرف بم تشعر، لا أهتم بما تشعر، أهتم فقط بسلوكك، عليك أن تتعامل مع ذلك وحدك.
والآن قد يكون السؤال الذي يلح علينا هو: كيف نشبع أبناءنا عاطفيًا؟ ولنا حديث في هذا في مقال قادم.