قرأت أو سمعت ذات مرة (ولكني لا أذكر المصدر) أن على الأم وقت الرضاعة أن تولي كل اهتمامها لطفلها، وأن تستغل هذا الوقت في التواصل البصري معه، ولكني عمليًا وفي الواقع لم أجد هذا الكلام واقعيًا خصوصًا في الشهرين الأولين أو الثلاثة أشهر الأولى، إذ كان من المستحيل أن أقضي ساعات طويلة كل يوم لا أفعل شيئًا سوى التحديق في طفلة ترضع وهي أصلاً لا تنطر إليّ، أو ترضع وهي نائمة!
لذلك كنت أقوم بأشياء كثيرة لأسلي نفسي أثناء فترات الرضاعة، ولكني كنت أشعر بالذنب إلى حد ما أو بالخوف أن انشغالي عنها أثناء الرضاعة قد يشعرها بعدم الاهتمام، ولكني بالتجربة وجدت هذه المعلومة قابلة للتطبيق إلى حد ما حين يبدأ الطفل في التفاعل والنظر إلى أمه، وهو ما بدأت “شمس” تقوم به خلال الشهر الثالث أو الرابع.
والآن دعيني أخبرك ببعض الأشياء التي كنت أقوم بها وقت الرضاعة بحيث يكون وقتًا مثمرًا وممتعًا:
1- القراءة في كتب أو على الإنترنت في تطور الطفل والعناية به، أو في أي مجال آخر من مجالات اهتماماتي، وعندما أعود بذاكرتي الآن أشعر بالسعادة لاكتشافي أنني اطّلعت على الكثير من الكتب وأنهيت بعضها من خلال القراءة في وقت الرضاعة. وكثيرًا ما -كنت وما زلت- أقرأ بصوت مسموع لأنبّه حاسة السمع لديها وأساعدها على تطوير مهاراتها اللغوية، وكذلك كنوع من التواصل معها، حيث أقرأ وأنا أنقل عيني بينها وبين الكتاب وهي تنظر إليّ وتشعر بالسعادة أن ماما تكلمها.. هناك سبب آخر وهو أنني أريد أن تعتاد ابنتي رؤية الكتب ورؤية ماما تمسك بها حتى تعتادها هي الأخرى وتحبها وتحب القراءة.
2- الكتابة.. ولأن الإمساك بالتابلت والكتابة عليه أسهل من الكتابة على اللاب توب وقت الرضاعة، فهو ما أقوم به أحيانًا ثم أضع اللمسات الأخيرة للمقال على اللاب توب في وقت آخر.
3- الترفيه عن نفسي: بالتحدث في الهاتف، تصفح الفيسبوك، مشاهدة المسلسلات أو برامجي المفضلة على اليوتيوب (لأننا لا نملك تليفزيونًا! يمكنك أن تعرفي تفاصيل أكثر عن تجربة عدم امتلاك تليفزيون من مقالي: في بيتنا.. مفيش تليفزيون).
4- الغناء لها: بصراحة كنت في الأشهر الأولى أو الأسابيع الأولى لا أشعر باستمتاع وأنا أغني لها، حتى بدأت تنظر إليّ وتسعد بغنائي، لقد حفظت “لجل عيون شمس” أغاني طفولتي التي لم أحفظها وأنا طفلة (جدو علي، البطة أطة، يلا بينا، همّ النمّ… إلخ).
5- الكلام مع نفسي ومعها، أو بمعنى آخر التفكير بصوت مسموع: فأحيانًا يكون موضوع ما “شاغل بالي” وأريد التفكير فيه وأجد أن التفكير بصوت مسموع يساعدني على التركيز ورؤية ما أفكر فيه بوضوح.
6- النوم! نعم، أحيانًا أستغل فرصة الرضاعة لأذهب بـ”شمس” إلى السرير وأرضعها وأنا مستلقية أهنأ ببعض الراحة، حتى وإن لم أنَم بعمق أو أنَم من الأصل يكفي أن أستريح.
7- الصمت وعمل لا شيء: فالعقل والنفس بحاجة إلى راحة كما الجسم تمامًا.
8- الاستمتاع بهذا الوقت الخاص جدًا الذي أقضيه مع حبيبتي الصغيرة، فأمتع قلبي بالنظر إليها والتربيت عليها والمسح على جسمها الصغير الذي أعتقد أنه هو الذي يمدني بالدفء وليس العكس! كما أقوم أحيانًا أنا بمناغشتها وإرسال قبلات إليها في الهواء حتى أسرق منها ابتسامة جميلة تجبرها على ترك الرضاعة والنظر إليّ قبل أن تعاودها. وتتمثل أهمية التواصل البصري مع الطفل في أنه يصنع بينه وبين أمه رابطة عاطفية قوية، حيث يدرس جيدًا ملامح وجهك ويفهم تعبيراتك، هذه الرابطة تشجعه على استكشاف العالم. كما أن التواصل الجسدي من خلال اللمس والتربيت والهز وخلافه يساعد الطفل على الشعور بأنه محبوب وبأن له مكانة خاصة، مما يمثل الأساس لنمو المخ، حيث تحث هذه اللمسات الحانية الجسم على إفراز هرمونات تساعد على النمو.
مع القيام بكل ما سبق، أحرص على ألا يشغلني شيء عن الاهتمام بـ”شمس”. فبقدر الإمكان أشركها معي فيما أفعل (كما في النقطتين 1، 5) وألا أقوم بما أرغب في القيام به وهي نائمة أو نعسانة. وقد أترك كل ما في يدي وأتفرغ لها وحدها استجابة لرغبتها في ذلك عندما تتوقف عن الرضاعة وتنظر إلى ما في يدي وتدفعه بعيدًا. فالأولوية في حياتي لابنتي، لتنشئتها شخصية تشعر بالأمان والقبول والحب والاهتمام، وكل ما يسهم في تحقيق هذا الهدف هو عمل عظيم مهما بدا بسيطًا.