يتساءل الكثير منا: كيف أجد الحب الحقيقي؟ يقولون لنا إن الحب تضحية وعطاء، الحب رومانسية ومشاعر حارّة، الحب أن يصير الاثنان واحدًا… إلخ. فما مدى صحة هذه الأقوال؟ حتى نجد الحب الحقيقي، وحتى لا ندخل في علاقات غير صحية باسم الحب، نحتاج إلى أن نعرف أكثر عن الحب والعلاقات الصحية.
الحب الحقيقي بين الزوجين
الحب الحقيقي مسؤولية
يصوّر لنا الإعلام أن الحب ما هو إلا قبلات وأحضان وهدايا وفسح وكلام عاطفي ومشاعر جياشة، ويخبرنا الآخرون أن الحب الحقيقي بين الزوجين ينتهي بعد الزواج بسبب ضغوط الحياة. ربما تكمن المشكلة في أننا نتصور أن يبقى الحب في شكله الرومانسي كما كان في فترة الخطوبة وشهر العسل وبداية الزواج.
إن قصص الحب الحقيقية غالبًا ما تبدأ بعد الزواج. الحب الحقيقي بين الشاب والفتاة لا يموت بعد الزواج. في الواقع إنه يأخذ أشكالاً أخرى تتناسب مع مشاركة الحياة بكل تفاصيلها مع شخص آخر، ومعايشة هذا الشخص في جميع حالاته، وتتماشى مع إنجاب الأطفال ببهجتهم ومسؤوليتهم. الحب الحقيقي بين الزوجين يمكن أن يقوى بفعل العشرة وخوض غمار الحياة معًا، ولكنه لن ينمو أو يبقى من تلقاء نفسه.
إنه يتطلب منك -ومن الطرف الآخر أيضًا- أن تتجنب الأشياء التي تجرح شريك حياتك وتهدم العلاقة، أن تكون داعمًا ومتفهمًا، أن تكون لديك المرونة الكافية التي تساعدك على أخذ احتياجات شريكك في الاعتبار، أن تقبل حبيبك كما هو دون محاولة تغييره. إن الحب الحقيقي مسؤولية تستلزم منا البذل والعناية. أما العلاقات غير الصحية فلا تتطلب مجهودًا، فما أسهل أن تدمر علاقة!
الحب الحقيقي لا يطلب منك ثمنًا
لتجد الحب الحقيقي يجب أن تصنع حدودك. ما هي الأشياء التي لا يمكن أن تتنازل عنها في العلاقة، وتلك التي يمكن أن تتغاضى عنها، وتلك التي من المستحيل أن تقبل بها؟ لا تستمر في علاقة تنتهك حدودك. ببقائك في مثل هذه العلاقة فإنك تكذب على نفسك وتفقد التواصل معها. الحب الحقيقي لا يعني أن تقبل الإهانة، أو تقدم التنازلات مضطرًا حتى تحصل عليه. في الحب الحقيقي، تستطيع أن تكون ذاتك وفي نفس الوقت تظل محبوبًا.
التواصل في الحب الحقيقي تواصل صحي
لا مكان فيه للسب واللوم وتبادل الاتهامات وتصيّد الأخطاء. نعم هناك سوء تفاهم وخلافات وإحباطات في كل علاقة، لكن في العلاقات الصحية يمكن تجاوز هذه التحديات لتصير العلاقة أقوى. علاقات الحب الحقيقي مستقرة. وعلى الرغم من أنها ليست سهلة دائمًا، لكنها تسير بسلاسة لأن كلا الطرفين يعمل قدر جهده لإنجاحها. تعوّد أن تتحدث عن نفسك “أنا حاسس، أنا شايف… إلخ”.
اختر معاركك ولا تتشاجر على كل شيء. وعلى الجانب الآخر، فإنك لست بحاجة إلى الدخول في علاقة مع شخص يشكك في نواياك ويضعك في موضع الاتهام طوال الوقت، ويحوّل كل مناقشة إلى جدال أو تحدٍ، فهو شيء مرهق ويجعل الحياة غاية في الصعوبة.
الحب الحقيقي لا يعني محو أنفسنا
في الحب الحقيقي، لا نضحي بأصدقائنا ولا هواياتنا ولا اهتماماتنا ولا عائلاتنا. من الطبيعي أن تبتلعك العلاقة الجديدة في بدايتها، ولكن يجب ألا يستمر ذلك وأن تعود لما ومن تحب. اجعل حياتك متوازنة. إذا أهملت الأشياء التي تحبها والأشخاص الذين تحبهم، لن تستطيع ترك العلاقة مهما كانت مسيئة لأنك لا تملك غيرها. ربما تعطي لكل شيء وشخص قدرًا متفاوتًا من الاهتمام، ولكن يجب ألا يستحوذ شيء واحد فقط على حياتك كلها. إن العلاقات غير الصحية تحيل حياتنا إلى قوقعة ضيقة. أما الحب الحقيقي بين الزوجين يثري حياتهما. فيكون لكل منهما اهتمامات مشتركة وأوقات يقضيانها معًا. وفي نفس الوقت يكون لكل منهما حياة مستقلة واهتمامات وصداقات وأهداف.
الحب الحقيقي أخذ وعطاء
إن العلاقة التي يلعب أحد طرفيها دور الأخذ ويلعب الآخر دور العطاء علاقة مختلة ومهددة بالانهيار. فالطرف الذي يأخذ فقط يجد صعوبة في تقدير دور الآخر وفي الشعور بأهميته وبالانتماء إلى هذه العلاقة. والطرف المعطي يشعر بالظلم والضغط وقد ينفجر في أي لحظة.
إن الأخذ فقط أنانية وعدم نضج، والعطاء فقط أيضًا عدم نضج ويستنزف طاقتك. وكليهما ناتج عن عدم الشعور بالأمان، ولكن ردود أفعال الناس تختلف: فمنهم من يحاول الحصول على الأمان عن طريق الأخذ، ومنهم من يحاول الحصول عليه عن طريق العطاء بلا حدود حتى يحصل على القبول. والحب الحقيقي هو ما نشعر فيه بالأمان، والذي نستطيع فيه أن نعبر عن ضعفنا واحتياجنا بلا خوف. الحب الحقيقي سند في عالم صعب.
كيف أجد الحب الحقيقي؟
لتجد الحب الحقيقي اختر علاقاتك
اختر أن تحيط نفسك بمن يحبونك ويهتمون بك ويتفهمونك ويقبلونك كما أنت ويلتمسون لك الأعذار. ابتعد عن الأشخاص غير الواضحين، الذين تجد صعوبة في معرفة مشاعرهم بشكل عام أو مشاعرهم نحوك. إن اعتيادك على العلاقات الصحية يجعلك لا تقبل بما هو أدنى. أما من يعتاد العلاقات غير الصحية فإنه يعتقد أن هذا هو الطبيعي ويصبح هو نفسه غير مؤهل للدخول في علاقة صحية (إلا إذا غيّر من نفسه).
كي لا يموت الحب الحقيقي
إن من يلعب دور الضحية يعتقد أن الآخر مسؤول عن مشاعره، ومصيره، وتسديد احتياجاته. والنتيجة أنه يصير معتمدًا عليه بشكل يخنقه، لا يطيق أن يراه مهتمًا بأحد أو بشيء غيره وإلا شعر بالإهمال والنقص. وعلى الجانب الآخر، فإنه يعتبر نفسه مسؤولاً عن شريكه، مما يجعله فريسة للشعور بالذنب معظم الوقت. كما تصبح مشاعره متقلبة لأنها مرتبطة بغيره، وهو ما يؤثر على أدائه في العلاقة وفي حياته بشكل عام.
نعم على كل منا مسؤولية تجاه الآخر. وفي نفس الوقت، قد يقوم أحد طرفي العلاقة بكل ما ينبغي عليه ومع ذلك يبقى الآخر تعيسًا أو يراه مُقصّرًا. ذلك لأن استقباله لتصرفات شريكه محكومة بطريقة تفكيره. فكل واحد مسؤول عن القيام بواجباته ولكنه غير مسؤول عن تأثير ذلك على شريكه.