“أكره الوقوف أمام المرآة كثيرًا، لا أحب أن أتفحص جسدي، حتى إذا اجتمعت مع زوجي، أطلب منه دائمًا أن يطفئ الأنوار، ففضلاً عن الألم الذى أحسه فى العلاقة الجنسية، أكره أن يرى التشوُّه المهبلي الذي أعانيه بعد الختان، وأحس أن جسدي بالكامل عارٍ”.
***
“كانت جدتي تقول إن شقاوتي مبالغ فيها بالنسبة لبنت، وإن مثل هذه الشقاوة هتجيبلي الكافية، أمرتني أن أتوقف عن اللعب مع الصبية، وكانت تصر على ارتدائي ملابس داخلية تحتية واسعة جدًا، محذرةً إياي من حدوث أي احتكاك بين القماش وما كانت تسميه العيب، بل كانت حتى تمنعني من مجرد النظر لهذا الجزء المحظور، وإلا لسعتني بالشمعة في هذا المكان، لكن طفلة في العاشرة يغلبها فضولها أكثر من خوفها، لينكشف أمري في مرة وأنا أنظر له في المرآة، ولينتهي بي الأمر منفرجة الساقين بعنف على سريري، ولأفقد الوعي إثر ألم عميق.
من يومها لم تعد حياتي كما كانت، وكلما لُمت جدتي تخبرني أنني لم أكن لأتزوج لولا أن حدث هذا، فكل غير مختونة مشكوك في عفتها”.
***
“كان يقوم بما يريده هو، لا ما أريده أنا، لم أشعر قط بالاكتفاء في العلاقة الحميمة، وبما أننا من بلد ريفي فكان من الصعب طبعًا أن أتحدث معه في أي من هذه الأمور قبل الزواج، لكني لم أجد ما يمنع من الحديث عنها وهو زوجي، خصوصًا وقد وصفت لي صديقة من القاهرة أخصائي يمكننا اللجوء إليه في حالة وجود أي مشكلة جنسية.
أخيرًا تمالكت شجاعتي وذهبت لأحدثه، فإذا به يثور ويسبني بأفظع الشتائم اللاعنة للشرف والعفة، قال إن المرأة الشريفة لا تعرف في مثل هذه الأمور، وإن الحديث عنها والرغبة فيها من السيدات يعني بالضرورة أنهن خبرة أو مُجرِّبات، وإلا فكيف يعرفن؟!
أعادني إلى أهلي طالبًا الطلاق لأني امرأة مشكوك في عفتها، وبعد مباحثات طويلة بين العائلتين، أخبر أهلي أنه لن يعود إليّ إلى أن يتم ختاني.
صُعقت، أخَتَن وأنا في الخامسة والعشرين من عمري؟! ولم؟! لأنني طلبت الحلال من زوجي؟!”.
***
تعددت المقالات والكتب والندوات المناهضة للختان، محاولات عديدة للتحدث عن مساوئ التجربة وآثارها الجسيمة على المرأة جسديًا ونفسيًا، كلها تؤكد أن لا فائدة حقيقية منه، وإنما هو مجرد عادة توارثتها الأجيال ظنًا منهم أنهم بهذا يحافظون على شرف المرأة، الذي يصب بطبيعة الحال وطبقًا للموروثات في شرف رجال العائلة، وبالرغم من هذا، لا يزال الختان موضوعًا رئيسيًا لا نستطيع إغفاله حين نتحدث عن وضع المرأة في مصر.
فوفقاً لتقرير الـBBCبتاريخ فبراير ٢٠١٩، فإن ٨٧٪ من المصريات خضعن للختان، نقلاً عن دراسة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف)، بمعنى أن الظاهرة ما تزال تشغل حيزًا رئيسيًا من حياة النساء في مصر.
http://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-47143948
ورغم تغليظ العقوبة إلى السجن من خمس إلى سبع سنوات، لم نعد نرى الداية في عباءتها السوداء وهي ممسكةً بموسي الحلاقة والدماء تتناثر على الملاءة البيضاء، ثم تتعالى صرخات البنت كما تصور لنا الأفلام والسينما والمسلسلات، بل تطور ممارسوها لدرجة أن وجدنا أطباء -من بينهم نساء- على دراية علمية وطبية كاملة، يقومون بها باسم “التجميل”، ليس من أجل المال فحسب، بل لاقتناعهم بأن هذا عفةً للمرأة.
وحقيقة الأمر، إن فكرة العفة في حد ذاتها هي فكرة شائكة جدًا، لأن ربط الأخلاق والشرف بالجهاز التناسلي ليست منطقية، حيث يدافع المقتنعون بالختان عنه من باب تقليم الأجزاء الباعثة للشهوة في العضو التناسلي، حتى لا تزداد رغبة المرأة ولا تدفعها لارتكاب الفواحش أو الانسياق في علاقات غير مشروعة.
وبالرغم من الاعتقاد السائد بأن شهوة الرجل أكبر من شهوة المرأة، مع أن-علميًا- مقدار الشهوة للأفراد يتحدد تبعًا لفروقهم الفردية الجسدية وليس لنوعهم أو چندرهم، إلا أن الربط بين ضرورة تقليل الشهوة والأخلاق-ومن ثم الختان- قد حدث للمرأة فقط، ولم يقابله هذا للرجال، مع أن الشرع يُحرِم العلاقات خارج الزواج للطرفين، ومع هذا لم نرَ رجلاً يُقتّص جزء كبير من عضوه التناسلي باسم الحفاظ على شرفه. على العكس، تعتبر طهارة الرجال شرف، وتقام في أضيق الحدود دون المساس بمكونات العضو التناسلي أو خلاياه العصبية، بل إنه بشكل عام، يُعتبر المزاح بين الرجال فيما يخص التجارب الجنسية شيئًا عاديًا ومستباحًا، بل يصل في كثير من الأحيان إلى درجة التباهي بكثرة العلاقات بين الأقران الذكور، ومن هنا كان لزامًا أن نقف ونعلو بالصوت، لنقول إن ربط الختان بالعفة محض كذبة.
الحقيقة هي أن الوصم الجنسي للنساء هو المحرك الأصيل في انتشار الختان، هو الذي يلعب دورًا رئيسيًا في انتشار ثقافة الختان، فمنذ الصغر تربينا كبنات على أننا عيب. لا يجب أن نستكشف أجسامنا كبنات، لا يجب أن نسأل، أو أن نعرف أي شيء عن تركيبنا الجسدي واحتياجاتنا الفسيولوچية وإلا أصبحنا بنات غير محترمات، ولذلك نصبح جاهلات جنسيًا، لا نفهم أنفسنا ولا نعرف احتياجاتنا، وتتطور علاقة غير مريحة بيننا وبين أجسادنا، نؤمن من خلالها دائمًاأننا العيب، ونتجنب بسببها النظر في المرآة.
نكبر، ويكبر بداخلنا إحساس أننا العيب، ونستشف ثقافتنا الجنسية من أماكن مغلوطة، أو لا نستشفها أصلاً، ثم بقدرة قادر، يُطلب منا أن نكون متمرمسات وفاهمات لاحتياجات أزواجنا عند الزواج، غير مدركات لاحتياجتنا بسبب بُعبُع العيب.
يرافق الوصم الجنسي المرأة طوال حياتها، فعند البلوغ تُتَهم كثير من الفتيات بأنهن قنابل موقوتة إذا ما لم يتم ختانهن، وتتعرض أمهاتهن المحاربات في سبيل إنقاذ أطفالهن إلى الابتزاز العاطفي، بتخويفهن على مصائر بناتهن، لأن غير المختونة لن تتزوج، غير المختونة سيعتبرها زوجها غير عفيفة، غير المختونة ستجلب العار لأنها حتمًا لن تقاوم شهوتها، غير المختونة “بجحة” و”عينيها مفتحة”، وغير محترمة.
كل هذا في الأساس رغبةً في تقييد المرأة والتحكُم في حياتها الجنسية خوفًا من اهتزاز صورة الرجل أمامها، أو تعديلها على أدائه، أو طلبها لممارسة حقوقها وتحقيق استمتاعها مثل شريكها، وهو ما يعتبره بعض الرجال إهانة، كالرجل الذي أراد أن يُطلق زوجته لطلبها الحلال، ولذلك فإن الوصم الجنسي لغير المختونات باعتبار أن رغباتهن ومعرفتهن ستؤدي حتمًا إلى التخلي عن الشرف هو ما ينشر الختان.
ومن الناحية الأخرى، فإن الوصم الجنسيللمختونات لا يقل سوءًا، تصويرهن على أنهن باردات جنسيًا غير قادرات على متابعة الحياة -وإن كان صحيحًا ومساهمًا بنسبة كبيرة في التعبير عن مساوئ الختان- يحصرهن في دور الضحايا، يمنعهن من محاولات البحث عن الاستمتاع، أو القدرة على بلوغ الذروة، أو محاولات التفاهم مع الشريك من حيث استخدام محفزات أو تقنيات أخرى، مؤثرًا في نفسياتهن، مؤكدًاإحساسهن بالنقص والخيبة، وبأنهن غير كفء لأي علاقة، وعدم وجود حياة جنسية سعيدة يؤثر بشكل أساسي في قدرة الإنسان على العمل والإنجاز والعطاء.
الختان لا يحفظ الشرف، الأخلاق وحدها هي قوام الشرف، والشرف غير منوط بچندر، ولا يرتبط بأجهزتنا التناسلية، ولذلك فإن وصم النساء جنسيًا ليس الحل للحفاظ على الأخلاق، وإنما هو بداية كارثة حقيقية يعاني منها أجيال.