بقلم/ عصمت محمد يوسف
المرونة من أسباب السعادة الحقيقية في الحياة، أعني بذلك المرونة في كل شيء في الحياة، حتى وإن كنت تقوم بإعداد الطعام على سبيل المثال، ليس من الضروري على الإطلاق أن تكون مقادير الإعداد منضبطة للغاية ولا يوجد بها أي خطأ، حيث إنه لا يوجد مشكلة أبداً إذا كان هناك خلل في بعض المقادير، هذا لايؤثر على سعادتك إن كنت قد اتخذت قرارًا اليوم بأن تكون سعيدًا، ولا تسمح لأي شيء في الوجود أن يُعكر صفو سعادتك أو يقلل منها أو يُطفِئها.
الإنسان الذي اكتسب صفة المرونة تجعله يتكيف مع الواقع بكل أريحية، فيتقبل الواقع في البداية بكل ما فيه من أشياء سيئة وأشياء جميلة، ثم رويدًا رويدًا يُشّكِل هذا الواقع كما يحلو له، وبالطريقة التي تناسبه ويستطيع هو التعايش معها بسعادة.
الأمر ببساطة مثلما تحاول أم حكيمة أن تتعامل مع طفلها العنيد للغاية والمُرهِق في التعامل مع كل الناس، ولكن هذه الأم الحكيمة تتقبل عِناده في البداية ثم تحاول أن تُصحح مسار هذا الطفل العنيد بالمُناقشة والإقناع، فدون أن يشعر يصبح الطفل في المسار الصحيح السوي كما كانت ترغب أمه في البداية، وتكون قد حققت هدفها مع طفلها.
هكذا أنت صديقي القارئ، تحاول أن تتقبل الواقع بكل مرونة بكل ما فيه من أشياء قد تبدو مزعِجة لك في البداية، ثم بكل هدوء تُشكِّله كما ترغب وتحقق هدفك.
اكتساب صفة المرونة في العلاقات الإنسانية شيء مهم للغاية، ويُشعِر الإنسان بالراحة وبالدفء المجتمعي، فالعلاقات التي تكونت منذ زمن بعيد تظل مستمرة بنفس المشاعر مهما تغير الزمان عليها، ولكنها تظل ثابتة ولا يمكن أن تهتز بسبب مشكلة طارئة، فالشخص الذي يتسم بصفة المرونة لا يسمح للعواصف أن تهب في علاقاته الإنسانية وتُدمِرها، ولكنه يحاول أن يَحِل الأمر ويبحث بكل السُبل المُمكنة عن مَخرج لهذا المَأزق، الذي تعرضت له العلاقة.
أما العلاقة التى تعتبر ثقيلة للغاية عليه، فهو أيضًا لا يستغنى عنها، ولكن يحاول أن يتكيف مع أصحابها، ويفعل كما يفعلون هم معه، فتكون العلاقة بالمثل، حتى يخفف من عِبئها عليه ودون أن تمثل له أي انزعاج، وحتى إن قرر الآخرون أن يتركوه فهو لا يغضب من ذلك كل الغضب الذي يؤثر على نفسيته ويُعرضه للتعاسة، ولكن يحزن الحزن الذي يتناسب مع الموقف، ثم عندما ينتهي وقت الحزن الذي لم يكن طويلاً يستمر في حياته مُنطلِقًا.
كما أن الشخص المرن يستطيع أن يجذب العديد من الأصدقاء، فهو شخص معظم الوقت سعيد، من ذا الذي لا يُفضِّل أن يُصادِق ذلك الشخص السعيد المُبهِج الذي يُسَهِل كل أمر في الحياة، وبالتالي فالشخص المرن نادرًا ما تجده وحيدًا، وهذا من المستحيلات، فهو شخص اجتماعي بالدرجة الأولى.
من أهم مميزات صفة المرونة عند الأشخاص أن الشخص الذي يتسم بهذه الصفة الرائعة شخص ناجح في أغلب الأوقات، حيث إن الشخص المرن لا ييأس، فهو دائمًا يُكرِر مئات المُحاولات لكي يصل، وإذا تعسر في الوصول يُكرِر آلاف المحاولات وليست المئات فقط، الشخص المرن لا يستسلم من أول صعوبة تعترض طريقه، فهو يتعامل معها ويحاول أن يحلها، وعندما يتم حلها لا يردد أن قد واجهته مشكلات عدة، ويتملكه دور الضحية، ولكنه يردد أن الأمر بسيط وأنه قد اكتسب مهارات عديدة في حل المشكلات.
الشخص المُنعَم عليه بصفة المرونة لا يُعاني مطلقًا من جلد الذات، فهل من المنطقي أن يتسم بالعفو والمرونة مع الآخرين ولا يتسم بذلك مع نفسه، وبالتالي فهذا الشخص عندما يُخطئ يحاول أن يتعلم من أخطائِه، ويسعى أن يتفاداها في المرات القادمة، وبالتالي هو لا يجلد نفسه ويُعنِفها ويهدر الكثير من الوقت في الشعور بالذنب، ولكن يحاول أن يستفيد من الموقف ويحاول ألا يُكرِر الخطأ مرة ثانية.
وأخيرًا صديقي القارئ، فإن أفضل شيء أتمناه لك هو أن تنعم بصفة المرونة، وتُحاول أن تكتسبها بكل السُبل، أوافقك الرأي عندما تواجهني بسؤال منطقي هل هذا يسير؟ بالفعل لم يكن الأمر باليسير، ومن حقك أن تعتبر ذلك من الصعوبات، ولكن لا يوجد أي شيء في الحياة مستحيلاً، فكل شيء في الحياة هو بالممارسة.
أفضل شيء أتمناه لك هو أن تنعم بصفة المرونة